حمار إسرائيل

01 ديسمبر 2021
يبقى الموقف المغربي حازماً بدعم القضية الفلسطينية (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

في كفركلا، جنوبي لبنان، قصة ذات مغزى عن حمارة خالتي، الحمارة التي دخلت السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة في فلسطين، احتجزتها إسرائيل وصارت ملك مزارع هناك. وبعد عام عادت الأتان إلى القرية اللبنانية تجر عربة خضار، لكن إسرائيل طالبت باستعادتها، وأكثر ما بررت به طلبها أن الأتان حامل، وأن الجحش الذي في بطنها إسرائيلي.
في القصة معنى، أن هذا الذي احتل الأرض واغتصب المكان وشرد الأهل، لن يترك شيئاً للعربي ولو كان ابن أتان، تماماً كما لا يترك الآن للمقدسيين مقابر الموتى حتى. هو أول محتل يعيد قتل الموتى بتجريف القبور، لكن الأكثر خطورة هو نجاح المحتل في إعادة تجريف مجرى العلاقات مع المكوّن العربي الإقليمي. بين اللحم والظفر تتقدّم إسرائيل في الجسم العربي كما لم تتقدّم من قبل، بعدما حصلت على كتيبة هامة من النخب التي تدافع عن التطبيع وتسوّق له بتبجح أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، على نحو (ادخل بحمارك يا مبارك).

في كل موجات التطبيع السابقة، ظل نسق التطبيع في نطاقات سياسية يبررها ظرف أو يفسرها سياق ما. في مصر مثلاً ذهب أنور السادات إلى مناحيم بيغن، لكن نقابة الصحافيين ما زالت بعد أربعة عقود من التطبيع تمنع زيارة الصحافيين إلى تل أبيب أو التعامل مع المسؤولين الإسرائيليين إعلامياً، وكذلك مجموع الفعاليات السياسية والمدنية والنقابية على النحو ذاته. كما ظلت المقاطعة الاقتصادية في عموم البلدان العربية جبهة نضال والتزام بالموقف الشعبي ضد التطبيع، وتمتنع الجامعات عن التعاون مع جامعات دولة الاحتلال.

لكن الذي يحدث الآن على صعيد التمدد الإسرائيلي، لا خطر على بال ولا توقعه أحد. أخطر ما في الموجة الثالثة من التطبيع مستويان، الأول هو التطبيع العسكري بحيث لم يعد في جبين قادة جيوش عربية خجل من التعاون مع الجيش الإسرائيلي الذي يقصف العزل في فلسطين ولبنان، ولذلك وجد مثلاً أن القوات الجوية الإماراتية تخوض مناورة مشتركة مع الطيران الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وأن وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس يزور الرباط وينفذ جنوده من المظليين لقاء مع نظرائهم المغاربة. والأدهى أن يوقّع المغرب اتفاق دفاع وتنسيق أمني مع الجيش الإسرائيلي، وعلى هذا النحو سيشتري الذخيرة للبندقية العربية من العدو المركزي للبندقية العربية نفسها.

المستوى الثاني للتطبيع الجديد، هو هذا الكم الهائل من الكتبة والمثقفين والنخب العربية والمغاربية التي التبست عليها القيم، ولم يعد لها وجه تخجل منه وبه، واندفعت تبرر التطبيع وتسوّق له، تلوي عنق التاريخ والآيات لتقدمه على أنه خدمة للفلسطينيين أنفسهم، بحيث لم يعد التطبيع خيانة للحق العربي، ولم يعد وجهة نظر فحسب، بل يراد له أن يتمركز في العقل المجتمعي العربي على أنه خيار السلام الذي لا بد منه. بيد أن تظاهرات الشعب المغربي الأخيرة الرافضة للتدليس والتدنيس، تشعل أملاً كبيراً في أن ضمائر الشعوب تخمل، ولكنها لا تموت.

المساهمون