الوضع في أوكرانيا "مقلق وصعب" بالنظر إلى التفوق العسكري لروسيا، حيث يواصل الجيش الروسي انتشاره تمهيدا لـ"اجتياح واسع النطاق"، وفق آخر الترجيحات لأجهزة الاستخبارات الغربية، رغم الاعتقاد السائد بأن قلة قليلة من المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين يعرفون ما يفكر فيه.
ويبدو أن وزيري الخارجية الأميركي والروسي، أنتوني بلينكن وسيرغي لافروف، لم يحققا انفراجة تذكر في محادثاتهما بشأن أوكرانيا، يوم الجمعة، لكنهما اتفقا على الاستمرار في التباحث، في محاولة لحل الأزمة، مع تصاعد التوترات، وتساوي فرص الحرب والسلام.
ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، قال، اليوم الاثنين، إن الدول الأعضاء في الحلف تضع قواتها في حالة تأهب وتعزز انتشارها في شرق أوروبا بمزيد من السفن والمقاتلات، في رد فعل على تنامي الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، بينما لوّح الاتحاد الأوروبي بـ"عقوبات غير مسبوقة".
وقال ستولتنبرغ، في بيان: "أرحب بمساهمة الحلفاء بقوات إضافية تحت لواء حلف شمال الأطلسي. وسيواصل الحلف اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية جميع الحلفاء والدفاع عنهم، بما يشمل تعزيز الجناح الشرقي من الحلف".
الاتحاد الأوروبي: عقوبات "غير مسبوقة"
واستمر التلويح الأوروبي بـ"عقوبات غير مسبوقة"، إذ قال وزير خارجية الدنمارك يبي كوفود، اليوم الاثنين، قبيل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، إن الاتحاد مستعد لفرض عقوبات اقتصادية "غير مسبوقة" إذا هاجمت روسيا أوكرانيا.
وأضاف الوزير الدنماركي، متحدثاً للصحافيين: "لا شك في أننا مستعدون للرد بعقوبات شاملة غير مسبوقة إذا ما غزت روسيا أوكرانيا مجددا"، لكنه رفض توضيح أي من القطاعات قد تستهدفها العقوبات.
وأضاف: "يتعين على روسيا أن تعلم ويتعين على (الرئيس فلاديمير) بوتين أن يعلم أن ثمن الأعمال الاستفزازية واستخدام القوات المسلحة في تغيير الحدود في أوروبا سيكون غاليا جدا.. نحن مستعدون لفرض عقوبات في غاية الصرامة، وأكثر صرامة من التي فرضت في 2014".
وفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على روسيا في يوليو/تموز 2014، استهدفت قطاعات الطاقة والبنوك والدفاع، بعدما ضمت شبه جزيرة القرم.
وكشف الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي عن مشروع قانون لمعاقبة مسؤولين وقادة عسكريين روس ومؤسسات روسية.
فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على روسيا في يوليو/ تموز 2014، استهدفت قطاعات الطاقة والبنوك والدفاع، بعدما ضمت شبه جزيرة القرم
لكن المستشار الألماني أولاف شولتز حث أوروبا والولايات المتحدة على "التفكير بتمعّن" لدى بحث فرض عقوبات، ملقيا الضوء على "تحديات الاتفاق على نهج مشترك".
وقال جان أسلبورن، وزير خارجية لوكسمبورغ: "نحن هنا لبذل ما في وسعنا لمنع نشوب حرب".
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه حتى الآن لا يعتزم التكتل إعادة أسر الدبلوماسيين من أوكرانيا، وذلك بعدما أعلنت واشنطن قيامها بذلك.
وقالت السفارة البريطانية في أوكرانيا، اليوم الاثنين، إن بعضا من طواقهما وأسرهم يجري سحبهم من كييف.
ورغم نفى الكرملين مرارا سعيه لغزو أوكرانيا، فإن الجيش الروسي استولى بالفعل على جزء من أراضي أوكرانيا، عندما سيطر على شبه جزيرة القرم ودعم قوات انفصالية سيطرت على أجزاء كبيرة من شرق أوكرانيا قبل ثماني سنوات.
حزمة مساعدات لأوكرانيا
وعلى صعيد متصل، أعلنت المفوضية الأوروبية، الاثنين، أنها تعد حزمة مساعدات طارئة لأوكرانيا تبلغ قيمتها 1.2 مليار يورو (1.5 مليار دولار تقريبا)، في ظل ازدياد المخاوف حيال حشد روسيا قواتها على الحدود مع جارتها.
وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين، في كلمة قصيرة في بروكسل، وفقا لوكالة "فرانس برس"، إنها "حزمة مساعدات طارئة" جديدة لا يزال يتعين أن يصادق عليها البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء.
وأشارت إلى أنه منذ بداية النزاع في العام 2014، حشد الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية مبلغ "17 مليار يورو على شكل منح وقروض" لصالح أوكرانيا.
وستُمنح المساعدة الجديدة البالغة قيمتها 1.2 مليار يورو على عدة مراحل.
وأوضحت فون ديرلاين أن الدفعة الأولى البالغة قيمتها 600 مليون يورو سيتم "صرفها بسرعة"، شرط أن تتدخّل الهيئات الأخرى التابعة للاتحاد الأوروبي بسرعة.
On top of this, we will soon start work on a second, longer-term MFA programme to support the country’s modernisation efforts and continue to invest in the country’s future thanks to our Investment Plan for Ukraine.
— Ursula von der Leyen (@vonderleyen) January 24, 2022
This plan aims to leverage over €6 billion in investments. pic.twitter.com/kGIP2wtb7N
ولفتت إلى أن جهود بروكسل تتمثل في "مضاعفة" المساعدات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا في المنح هذا العام.
وقالت المسؤولة الألمانية إن "حزمة الإجراءات هذه ستساعد أوكرانيا على تلبية احتياجاتها التمويلية وسط الصراع"، مضيفة أن "الاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب أوكرانيا في هذه الظروف الصعبة".
سيناريوهات حرب محتملة
وتذهب آخر ترجيحات أجهزة الاستخبارات الغربية إلى أن الجيش الروسي يواصل انتشاره تمهيدا لـ"اجتياح واسع النطاق". لكن، في الوقت نفسه، برز شبه اجماع بين دول حلف شمال الأطلسي على أن المزيد من تحركات القوات والتكاليف المرتفعة المرتبطة بها "ليست ضرورية إذا ما كان زعيم الكرملين يريد فقط خلق تهديدات ردع للغرب، وغياب مخطط حقيقي لغزو أوكرانيا".
في هذا الإطار، قال خبير عسكري كبير، لـ"زود دويتشه تسايتونغ"، إن أجهزة الاستخبارات "باتت مقتنعة بأن روسيا استغلت الأسابيع القليلة الماضية لتعزيز قواتها على حدود أوكرانيا وبناء الخيارات العسكرية".
ونقلت الصحيفة عن خبير عسكري كبير قوله: "نفترض أن أكثر من ثلث القوات البرية الروسية الجاهزة للقتال موجود هناك".
رغم نفى الكرملين مراراً سعيه لغزو أوكرانيا، فإن الجيش الروسي استولى بالفعل على جزء من أراضي أوكرانيا، عندما سيطر على شبه جزيرة القرم ودعم قوات انفصالية
وقدّر عدد الجنود بحوالي 106 آلاف، من دون أن يشمل هذا العدد أفراد القوات البحرية أو الجوية، ولا حتى القوات المسلحة للانفصاليين الذين تسيطر عليهم موسكو في دونباس.
وأفادت "زود دويتشه تسايتونغ"، نقلا عن أحد عملاء المخابرات، بأنه "إذا ما غزت القوات الروسية كل أوكرانيا، فمن المتوقع حدوث أعظم قتال في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية".
وذهبت الصحيفة أيضا إلى أنه تتمركز حاليا ما بين 55 و60 كتيبة "بي تي جي"، وهو الاسم الذي يطلق على أصغر وحدة يمكنها القتال بشكل مستقل، وتتألف كل واحدة منها مما بين 400 و800 جندي، على بعد أقل من 300 كيلومتر من الحدود الأوكرانية، بالإضافة إلى وحدات الدعم والخدمات اللوجستية.
وتابعت الصحيفة أن ذلك يأتي بعد أن كانت روسيا، في أوقات سابقة، قد نشرت المدفعية والصواريخ والوحدات القتالية وإمدادات الذخيرة والمستشفيات الميدانية في المكان نفسه، وأرسلت وحدات من الحرس الوطني ووحدات من الاحتياطيين من ذوي الخبرة الشرطية، منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، باتجاه أوكرانيا، وهي ضرورية إذا ما أراد أحد تنفيذ احتلال. علاوة على ذلك، تم نقل كتائب أخرى من المنطقة العسكرية الشرقية نحو الغرب.
من جهة ثانية، ورغم وجود حوالي 190 ألف جندي أوكراني، بينهم 45 ألفا يرتبطون بخط التماس مع الجمهوريات الانفصالية في شرق البلاد، إلا أن خبراء عسكريين غربيين يعتقدون أن كييف تفتقر إلى نظام دفاع جوي فعال، ولذلك يمكن للقوات الجوية الروسية أن تستعد لهجوم بري بقصف مكثف، ولا سيما أن روسيا ركزت 36 منصة إطلاق صواريخ قصيرة المدى داخل نطاق الأراضي الأوكرانية في شبه جزيرة القرم، ويبلغ مداها 500 كيلومتر.
وأشار تقرير "زود دويتشه" إلى أن نشر القوات يوفر لموسكو عددا من الخيارات العسكرية، والسيناريو الأكثر شمولا هو غزو على ثلاث جبهات، وهو الأخطر.
وتخشى أجهزة الاستخبارات الغربية من نقل المزيد من الجنود إلى منطقتي بيلغورود وكورسك القريبتين من الحدود مع بيلاروسيا.
وبعدما شوهدت، في أوقات سابقة من العام الماضي، تحركات أساسية للقوات الروسية في شرق أوكرانيا، بالقرب من روستوف إم دون وفورونيش، يبدو أن موسكو نقلت أخيرا بطاريات دفاع جوي حديثة من طراز "إس 400"، و12 طائرة مقاتلة من نوع "سوخوي إس يو 35"، إلى بيلاروسيا، والهجوم على هذا المحور يمكن أن يستهدف مناطق على طول نهر دنيبر والعاصمة كييف.
ووفق مسؤول عسكري، فإن الجبهة الشمالية التي يتعين على الأوكرانيين الدفاع عنها تمتد فعليا من لوغانسك حتى بولندا، علما أن المناورات المشتركة التي أعلنت روسيا وبيلاروسيا إجراءها في فبراير/شباط المقبل ستشمل القوات الخاصة المناسبة للغزو.
من ناحية الجنوب، الوضع يبدو صعبا على أوكرانيا، حيث يمكن للجنود الروس التقدم نحو أوديسا، وهي إحدى أكبر المدن، وإطلاق عملية برمائية لعزل أوكرانيا تماما عن البحر الأسود. وبذلك، يصبح هذا السيناريو أكثر خطورة، لأن موسكو يمكنها إرسال 6 سفن إنزال من الشرق وبحر الشمال باتجاه البحر الأسود، وهذا لا يستغرق سوى أسابيع قليلة، ولا سيما أن الصور تظهر وجودها في عرض البحر ومحملة بالمعدات العسكرية.