أشعل القرار القضائي الأولي، الصادر الأسبوع الماضي، بسجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الصراع على الترشح للانتخابات الرئاسية، المقررة في صيف العام المقبل، داخل صفوف المعارضة التركية. ويعد القرار نقطة تحول، قد تشكّل أيضاً عامل ضغط على الحكومة المتهمة بالتدخّل في الحُكم، الذي يصل في النهاية بحال المصادقة عليه، لمنع إمام أوغلو من العمل السياسي.
وقررت المحكمة الأصيلة السابعة في إسطنبول، يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، الحكم بسجن إمام أوغلو عامين وسبعة أشهر و15 يوماً.
وستنتقل الدعوى إلى المحكمة الاستئنافية، التي في حال موافقتها على الحكم، سيصدر قرار بمنع إمام أوغلو من ممارسة العمل السياسي من قبل المحكمة الإدارية العليا. وتنص القوانين على أن المنع من العمل السياسي يكون في حال الحكم بالسجن لأكثر من عامين.
ستشكل المصادقة على حبس إمام أوغلو ومنعه من ممارسة العمل السياسي دفعة سياسية له
القرار دفع الأطراف السياسية التركية، ولا سيما المعارضة، لاتخاذ مواقف أكثر صرامة، وتوحد بعض أطرافها حول إمام أوغلو، وهو ما تجلّى في تجمّع جماهيري مع إمام أوغلو يوم صدور الحكم، وتجمّع جماهيري في اليوم التالي تجاه الطاولة السداسية (التي تجمع قادة المعارضة) في إسطنبول.
كما أجبر هذا التطور السلطات للحديث عن مرحلة قضائية غير مكتملة، وأن الحكم أولي ويحتاج للمصادقة عليه في المحكمة الاستئنافية، وانتقالها للمحكمة الإدارية العليا لإصدار قرار المنع السياسي بحق إمام أوغلو.
دفعة سياسية لإمام أوغلو
واعتبرت أوساط متابعة أن القرار، في حال المصادقة على حبس إمام أوغلو ومنعه من ممارسة العمل السياسي، سيشكّل دفعة سياسية له، خصوصاً مع مطالبة أطراف معارضة بترشحه للانتخابات الرئاسية على حساب زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، الذي كشف مرات عدة استعداده للترشح، وأكدت قيادات حزبه أنه المرشح الوحيد للشعب الجمهوري. كما اتهمت أصوات في المعارضة حزب "العدالة والتنمية"، وحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، بالوقوف خلف القرار القضائي والتدخل فيه.
لكن أردوغان سارع لنفي أي علاقة له أو لحكومته بالقرار الصادر بحق عمدة إسطنبول، وبيّن أن "العاصفة التي تبعت قراراً صدر من محكمة لا علاقة له لا بي ولا بشخصي ولا بالشعب. الموضوع يتعلق بإهانة وجهها شخص بحق القضاة، وهذا غير مرتبط بصراع فكري أو خدمي".
وأضاف: "من جهة نضحك ومن جهة نحزن. نضحك عندما نرى كلمات وادعاءات كاذبة، ونحزن عندما نرى ألاعيب صراع العرش البيزنطي تجري على حسابنا".
صراعات داخل المعارضة التركية
صراعات المعارضة تجلّت واضحة مع استفسارات أثيرت حول توقيت سفر كلجدار أوغلو إلى ألمانيا، التي كان موجوداً فيها في اليوم الذي أعلن فيه القرار القضائي، فعاد إلى تركيا على عجل.
في المقابل، سارعت زعيمة الحزب "الجيد" ميرال أكشنر للظهور إلى جانب إمام أوغلو عقب صدور القرار، مقدمة الدعم له، ومؤكدة موقفاً سابقاً لها بتسمية إمام أوغلو بأنه "الفاتح الثاني" لإسطنبول بعد السلطان محمد الفاتح، وداعمة بشكل غير معلن ترشحه للرئاسة.
وعلى الرغم من التصريحات الإيجابية التي صدرت عن كلجدار أوغلو وقادة المعارضة حول توحدها بشكل عام، إلا أن كلجدار أوغلو أعلن في تصريحات صحافية، الإثنين الماضي، أنه "علم بالتجمع الجماهيري يوم صدور القرار من وسائل التواصل الاجتماعي بدون أن يبلغه أحد بذلك".
وشدد على أنه "لا يحق لأحد التدخّل في الأمور الداخلية للحزب"، قاصداً أكشنر وموقفها السريع بالظهور إلى جانب إمام أوغلو، وأكد أن "عمدتي إسطنبول وأنقرة عليهما إكمال مهامهما"، في إصرار على أن قرار ترشيحهما منوط بالحزب، وفي رسالة مبطنة على رفض ترشحهما في حال وجوده.
وعلى الرغم من أن تصريحات إمام أوغلو لم تخرج عن سياق وحدة حزب الشعب الجمهوري (الذي ينتمي إليه) والمعارضة، إلا أنه قال، أول من أمس الثلاثاء، إنه "لاعب مهم داخل الطاولة السداسية، ومن المهم ترشيح مرشح قادر على الفوز". ونفى أن تكون هناك "عقدة" مع كلجدار أوغلو، مبرراً سبب القرار بسجنه بأنه "الخوف الذي يرافق الحكومة من خسارة الانتخابات".
من جهته، أكد كلجدار أوغلو، في كلمة حزبه البرلمانية في اليوم نفسه، أن علاقته مع إمام أوغلو علاقة "الابن والأب وعليه حمايته"، وأن "التحالف الحاكم خائف من المعارضة"، إذ تنتظر تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية مصيرية في صيف العام المقبل.
سيناريوهات عديدة لما حصل
ودفعت الحادثة الرأي العام للحديث عن سيناريوهات عديدة لما حصل، منها إعطاء صفة التشابه بين حالة إمام أوغلو وأردوغان، فالأخير كان رئيساً لبلدية إسطنبول قبل أن يُسجن ويمنع من العمل السياسي عام 1998، وهو من منطقة البحر الأسود ومن أسرة محافظة، ولاحقاً سيطر على مقاليد الحكم في البلاد لأكثر من 20 عاماً. وإمام أوغلو أيضاً من منطقة البحر الأسود، وهو من عائلة محافظة ورئيس لبلدية إسطنبول ويحاكم اليوم.
خليل تشليك: المعارضة والطاولة السداسية لن تتعرض للتصدع كما يشاع بسبب التنافس على الترشح
وعما يجري داخل صفوف المعارضة التركية، قال الصحافي التركي خليل تشليك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المعارضة تحاول الاستفادة من ازدياد الحالة الشعبية الداعمة لها، والتي رافقت ما يُعد ظلماً بحق إمام أوغلو، على اعتبار أن الشعب التركي يقف إلى جانب المظلوم".
وأضاف أن "أوساطاً من المعارضة تعتقد أن فرص إمام أوغلو باتت أكبر في مستقبل البلاد السياسي، على صعيد حزب الشعب الجمهوري المعارض، وعلى صعيد الرئاسة مستقبلاً".
ولفت إلى أن "المعارضة والطاولة السداسية لن تتعرض للتصدع كما يشاع بسبب التنافس على الترشح، لأن المعارضة تجتمع على رؤية وشخص يستطيع تطبيقها. ومن هذا المنطلق، فإن المعارضة حالياً تستفيد من هذه الحالة التي تُظهر تعرضها للضغط من قبل الحكومة بسلاح القضاء".
وتابع: "أعتقد أن فرص إمام أوغلو كبيرة في ظل رغبة أطراف محلية بترشحه لأسباب عديدة، منها طاقة الشباب التي يتمتع بها". وتوقع أنه "خلال شهر من الآن، ستتضح الرؤية بالنسبة للمعارضة في ما يتعلق بمرشحها الرئاسي"، مضيفاً أنه "في حال التوافق عليه، وعلى الرؤية المشتركة والبيان الحكومي وخريطة الطريق، فلن تستطيع أي قوة تفريق الطاولة السداسية".
توقعات بتصاعد حدة التنافس داخل "الشعب الجمهوري"
من جهته، قال الكاتب والباحث طه عودة أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "القرار القضائي التركي، وحالة الالتفاف التي حظي بها إمام أوغلو من قبل المعارضة، خصوصاً من ميرال أكشنر، وعودة كلجدار أوغلو من ألمانيا، ستؤدي لتصاعد حالة التنافس السياسي داخل حزب الشعب الجمهوري، وأيضاً الطاولة السداسية في ما يتعلق بهوية المرشح الرئاسي للمعارضة".
وأردف أنه "كان واضحاً منذ البداية أن إمام أوغلو وأكشنر، وعلى الرغم من أن القرار القضائي أولي وليس نهائياً، فإنهما استغلاه من أجل تجاوز كلجدار أوغلو الذي أصر في الفترة الأخيرة على الترشح للرئاسة".
وأضاف أنه "تم أيضاً استغلال خطاب المظلومية لحشد دعم شعبي، والتجمّع الذي حصل بعد القرار لم يكن للاحتجاج على القرار وإنما تجمع انتخابي بالدرجة الأولى، وتم استغلاله من قبل إمام أوغلو وأكشنر التي تحاول قدر الإمكان أن تزج به في الطاولة السداسية، خصوصاً عندما تحدثت عن أن 85 مليون شخص يؤيدون إمام أوغلو".
وأكد عودة أوغلو أنه "حتى لو حصل تضامن أكبر مع إمام أوغلو ضد قرار المحكمة، وكان هناك تراجع من كلجدار أوغلو، وحتى لو حصلت تطورات سلبية في المشهد الداخلي على حزب العدالة والتنمية، فإن فرص ترشح إمام أوغلو للرئاسة تبقى قليلة، ولاحظنا تدخّل كلجدار أوغلو الذي ركز على أن رئيس بلدية إسطنبول سيخدم 16 مليون شخص في المدينة، في إشارة إلى أنه لن يترشح للرئاسة".