يعاني اللواء المتقاعد خليفة حفتر ارتدادات انكسار حملته العسكرية على طرابلس، في ظل اتجاه المشهد السياسي في البلاد إلى إنهاء الانقسام الذي سبّبته حروبه طوال السنوات الماضية، ومن بين تلك الأزمات أزمة مالية خانقة اضطرته إلى معاودة النظر في شكل قواته.
وكشفت مصادر مقربة من قيادة حفتر أن إدارة الحسابات العسكرية بدأت بدراسة قرار لحفتر بشأن تخفيض مرتبات المسلحين التابعين لقواته، في الوقت الذي يراجع فيه حفتر إمكانية تسريح مسلحي بعض الكتائب والإبقاء على الأساسية منها.
وبحسب ذات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، ستذهب قرارات حفتر إلى الإبقاء على لواءَي 106 مجحفل الذي يقوده نجله صدام، واللواء 128 معزز الذي يقوده نجله خالد، في عدة معسكرات في محيط بنغازي، وفي المرج القريبة من منطقة الرجمة التي يقع فيها مقر حفتر العسكري.
وأضافت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن "الكتيبة 116 مشاة ستبقى في مهامها في قاعدة براك الشاطئ في الجنوب، بينما ستُضَم الكتائب الموجودة في سرت والجفرة وأبرزها الكتيبة 604"، تمهيداً لتوزيع هذه الكتائب في مواقع قريبة من سرت والجفرة، تنفيذاً لخطط اللجنة العسكرية المشتركة التي تقضي بإخلاء المنطقتين من مسلحي طرفي الصراع، سواء قوات حفتر أو قوات حكومة الوفاق".
وفشلت عملية "فرض القانون" التي أطلقها حفتر في نوفمبر الماضي، بهدف إعادة قبضته على عدد من المناطق في شرق ليبيا، ولا سيما بعد محاولة الانقلاب التي شهدتها بنغازي، منتصف يناير الماضي، وكانت على صلة بقادة من أنصار النظام السابق.
ويعاني حفتر من جفاف مصادر تمويله بعد تراجع مواقف العديد من الدول التي كانت تقدم له الدعم، بعد انكسار حملته العسكرية على طرابلس في يونيو العام الماضي، وتزيد المصادر أن حفتر تلقى تحذيرات من بعض العواصم الدولية بشأن النشاطات المخالفة التي يشارك فيها جهاز الاستثمار العسكري، كعمليات بيع النفط خارج شرعية المؤسسة الوطنية للنفط وتهريب الخردة.
يعاني حفتر من جفاف مصادر تمويله بعد تراجع مواقف العديد من الدول التي كانت تقدم له الدعم، بعد انكسار حملته العسكرية على طرابلس في يونيو العام الماضي
ولا تستبعد ذات المصادر أن تكون حملة قائد الإعدامات محمود الورفلي على مقرات التجار وأصحاب الشركات التجارية على صلة بجفاف مصادر تمويل حفتر، مشيرة إلى أن عدداً من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة رفضوا الاستمرار في إمداد حفتر بالمساعدات المالية أو العمل على تلبية احتياجات كتائبه بعد تراكم ديونه.
وأشارت إلى أن "حملة الورفلي ليست الوحيدة، فقد داهمت فصائل من لواء 106 بقيادة نجله صدام، عدداً من المقار الخاصة والعقارات ووضعت يديها عليها، ما سبب انزعاجاً لدى أصحابها، وخصوصاً من ذوي الانتماء إلى القبائل الكبيرة في شرق ليبيا".
في غضون ذلك، قدم محافظ البنك المركزي في مدينة البيضاء شرق البلاد، علي الحبري، لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، طلباً لإحالته على التقاعد.
وعلل الحبري طلبه، أمس الثلاثاء، بصعوبة "توفير التمويل"، و"غياب الحماية الأمنية" للمصرف والعاملين فيه.
وقال الحبري في طلب الاستقالة، إن مصرف ليبيا المركزي قدّم منذ عام 2014 كل ما يمكن قانوناً من توفير الإمكانات في الحدود المتاحة والممكنة، مشيراً إلى وصول الدين العام إلى مستوى يجعل الاستمرار فيه ضرراً اقتصادياً على مستوى القطاع المصرفي وعلى مستوى الاقتصاد الكلي للدولة.
لكن ذات المصادر أكدت أن طلب استقالة الحبري جاء بعد اقتحام جرحى قوات حفتر لمقر فرع البنك المركزي في بنغازي، مساء أمس الثلاثاء، احتجاجاً على عدم توفير السيولة اللازمة لعلاجهم بالخارج، فيما طوّقت مديرية أمن بنغازي مقر البنك وحاولت التفاوض مع المقتحمين، بعد رفض قيادة حفتر التدخل تخوفاً من تفاقم غضب جرحى قواته.
وبعد اقتحام عدد من الجرحى، طلب الحبري أربعة مندوبين منهم للتفاوض وخروج البقية إلى خارج المقر، وأبلغهم بعجزه التام عن توفير الأموال اللازمة لعلاجهم.
وبحسب تقارير إعلامية، فقد بلغ الدين العام في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها حفتر، نحو 35 مليار دينار (25.18 مليار دولار) حتى إبريل الماضي من العام الماضي، وفق تقرير نشرته وكالة "رويترز"، أوضحت خلاله، أن تمويل حفتر يعتمد على الاقتراض من المصارف، إلى جانب استعماله سندات غير رسمية وأموالاً نقدية مطبوعة في روسيا.
ورغم استفادة حفتر من طباعة العملة الليبية لدى موسكو، إلا أن ذلك توقف بعد ضبط السلطات المالطية، في نوفمبر من عام 2019، شحنة ضخمة من العملة الليبية، كانت قد طبعت في موسكو. وبحسب صحيفة تايمز المالطية، فإن الشحنة التي كانت وجهتها شرق ليبيا، عُبئت في حاويتين.
26 ألف مسلح يتقاضون رواتب ثابتة
وفيما ترجح المصادر أن إجراءات حفتر بشأن خفض مرتبات مسلحيه وتقليص عدد الكتائب جاءت تجاوباً مع الأزمة المالية التي يعانيها والضغوط الدولية في اتجاه تجاوبه مع مساعي اللجنة العسكرية المشتركة التي تطالبه بضبط وتحديد عدد كتائبه، أشارت إلى أن إجراءاته قد تأتي بنتائج عكسية وتفاقم الأوضاع إذا لم يتمكن من السيطرة على سلاح الكتائب التي يسعى لتسريحها، إضافة إلى ضرورة تسويته لأوضاع كتائب أخرى انسحبت مع قواته إبان انكسار حملته العسكرية على طرابلس كاللواء السابع القادم من ترهونة والمعروف بـ"الكانيات"، ويتوزع مسلحوه بين بنغازي وأجدابيا.
وحول عدد مسلحي حفتر الذين يتقاضون رواتب ثابتة، كشفت المصادر أن منظومة الحسابات العسكرية تؤكد أنهم قرابة 26 ألف مسلح، من بينهم 5323 عسكرياً نظامياً، فيما لا تتضمن هذه الإحصائية منظومة المرتزقة الأفارقة والتابعين لشركة فاغنر الروسية، الذين يتلقون هم الآخرون مكافآت مالية غير رسمية.
وفي سياق منفصل، يستعد المجلس البلدي لمدينة ترهونة لتسليم رفات ثمانية قتلى عُثِر عليهم في المقابر الجماعية بمدينة ترهونة.
وبحسب بيان للمجلس، فإن رفات الجثث الثماني جرى التعرف إليها أخيراً من طريق تحليل الحمض النووي، وجرى التأكيد أنهم يعودون لأسرة واحدة.
وأشار المجلس إلى أن إجمالي الجثث التي جرى التعرف إليها، ثلاثون جثة، ستُسلَّم لأسرها تباعاً.