لا يزال "جيش" خليفة حفتر "الوطني" يتفنن في ممارسة كل سبل وأنواع خنق الحياة في مدينة بنغازي، بل وخارجها، بتوسيع دائرة الملاحقات والاعتقالات في كل مكان بشرق ليبيا، للقبض على كل ما له شبه صلة بوزير الدفاع السابق المهدي البرغثي، وسط صمت ليبي رسمي وشعبي غريب.
بغض النظر عن تفاصيل كيفية دخول البرغثي إلى بنغازي يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أو حقيقة علاقته بحفتر وغرض الأخير من اعتقاله، لكن المهم هو كيفية مواجهة حفتر لأزمة البرغثي التي لم يحسن في ما يبدو تقديرها.
حتى أن أجهزة أمنه ومليشياته كان لها تحركات وممارسات بشعة في أحياء كالسلماني والكويفية، معقلَي قبيلة البرغثي، من محاصرة البيوت وإهانة النساء ومنع حتى إدخال الحليب للأطفال المحاصرين مع أمهاتهم، وغيرها من الانتهاكات، كما قطعت الاتصالات الهاتفية والإنترنت لمدة أسبوع، قبل أن تعيدها جزئياً، وإعادتها بشكل طبيعي خلال عشرة أيام.
في الواقع لن يجد حفتر ومليشياته ظرفاً أو توقيتاً مناسباً لممارسة ما يريدونه من دون أي متابعة أو استنكار أو حتى التفات أكثر من الظرف الحالي، والذي ينشغل فيه الشارع الليبي وكل الرأي العام بما يحدث في غزة من وقائع العدوان الإسرائيلي بشتى صوره.
ما يحدث في بنغازي انتهاك بمعنى الكلمة، فحتى الآن لا يُعرف كم عدد من تمت تصفيتهم، وعدد ومصير المعتقلين في المدينة وخارجها، ولا حجم الرعب الذي يعيشه المواطن على وقع أخبار التهديدات التي طاولت حتى النشطاء على صفحات "فيسبوك".
أما صمت الجهات الرسمية، القضائية والتشريعية، فيزيد من حال الغموض حول الأوضاع في بنغازي. وقد يُصنف موقف حكومة الوحدة الوطنية التي طالبت مكتب النائب العام بفتح تحقيق في أحداث بنغازي، بأنه موقف سياسي، باعتبار الخصومة بينها وبين حفتر.
لكن ماذا عن المجلس الرئاسي الذي يمتلك صفة القائد الأعلى للجيش؟ وأين مجلس النواب ومقره الرئيسي في ذات المدينة؟ بل والبعثة الأممية التي لم يصدر عنها إلا بيان خجول يطالب بإعادة الاتصالات في بنغازي، وقبل كل هؤلاء، فالنائب العام الذي تحصل أحداث بنغازي في ولايته لا يزال صامتاً.
كل ما يحدث في بنغازي مريب، لكن ما لا يجب أن يقف عنده أهل بنغازي وينتظرونه، هو موقف الأطراف والحكومات والجهات القضائية، فالمبادرة بالانتفاضة من داخل بنغازي صارت مطلباً واستحقاقاً.