استمع إلى الملخص
- **نقد الاستقلالية والمشروعية**: يفتقر البرلمان للاستقلالية والمشروعية، حيث يتطابق خطاب النواب مع الرئيس قيس سعيد، ويقوم بتمرير النصوص بسرعة، مع عدم تمرير قانون تجريم التطبيع.
- **التحديات والانتقادات القانونية**: يعاني البرلمان من تعامل دوني من السلطة التنفيذية وعدم احترام الحصانة البرلمانية، مع ضغوط تمنع إدراج مقترحات مثل المحكمة الدستورية.
بدأ البرلمان التونسي عطلته البرلمانية الثانية بداية شهر أغسطس/آب الحالي، وسط انتقادات حول حصيلة عمله وأدائه الذي وصفه خبراء بالضعيف، مقارنة بما ينتظره التونسيون منه وحساسية الوضع في البلاد. وبدأ مجلس نواب الشعب العمل رسمياً في 13 مارس/آذار 2023، باعتباره الغرفة الأولى في الوظيفة التشريعية، وفقاً للدستور الجديد الذي صاغه الرئيس قيس سعيد بمفرده وعرضه على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز 2021، وتم انتخاب هذا المجلس على دورتين بنسب تصويت وُصفت بالأضعف منذ قيام الثورة التونسية (11.2% في الجولة الأولى و11.4% في الجولة الثانية). ويتقاسم مجلس النواب وظيفته التشريعية مع مجلس الجهات والأقاليم الذي بدأ أعماله رسمياً في 17 إبريل/نيسان 2024 واستكمل أخيراً المصادقة على نظامه الداخلي وتكوين هياكله.
وأعلن رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، يوم الأربعاء الماضي، اختتام الدورة النيابية الثانية، وقال إن "المجلس عقد 49 جلسة للمصادقة على مشاريع القوانين، من دون احتساب جلسات المصادقة على ميزانية الدولة. والجلسة الاستثنائية حول الأوضاع في فلسطين المحتلة" كما "عقد مكتب المجلس 40 اجتماعاً، وبذلت اللجان القارة مجهوداً هاماً، وبلغ عدد اجتماعاتها 312 اجتماعاً"، وأضاف أنه "في إطار ممارسته لدوره التشريعي صادق البرلمان على 57 مشروع قانون. أما في مجال العمل الرقابي فقد بلغ عدد الزيارات الميدانية 19 زيارة، وعدد الأسئلة الشفاهية التي تمّ طرحها في جلسات عامة 57 سؤالاً، في حين بلغ عدد الأسئلة الكتابية التي تمّ توجيهها إلى أعضاء الحكومة 2261".
ويعيب المتابعون على البرلمان عدم تجاوبه مع مطالب الشارع وعدم قدرته على تمرير مبادرات النواب، خصوصاً ذات الطابع السياسي، على غرار مقترح قانون المحكمة الدستورية الذي تم سحبه أخيراُ، ومقترح قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل الذي بقي معلقاً في جلسة عامة، أو مقترح قانون تعديل مرسوم 54 الخاص بالجرائم الإلكترونية، والتي تبدو جميعها مرفوضة من رئيس الجمهورية.
وأكد محلل السياسات العامة في منظمة البوصلة، أمين الخراط، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "البرلمان التونسي نجح في مهمته في السياق الحالي، على اعتباره أشبه بغرفة تسجيل للسلطة التنفيذية، وقام بالمطلوب منه على أكمل وجه؛ فهو يمرر النصوص القادمة من رئيس الجمهورية بأقصى سرعة ويستعجل في مناقشة القوانين المحالة منه، كما يتطابق خطاب النواب مع خطاب الرئيس، مكتفين ببعض النقد، إن وجد، لبعض أعضاء الحكومة وليس للرئيس" وشدد الخراط على أن "هذا البرلمان فاقد لشروط الاستقلالية منذ تأسيسه من ناحية صلاحياته الهزيلة والمحدودة جداً، ومن ناحية المشروعية الضعيفة نظراً لنسب التصويت الضعيغة، ولأنه جاء في سياق إقصاء باقي القوى الحية للمجتمع" واعتبر أن "العدد الهائل للأسئلة الكتابية هو محاولة لإظهار دور رقابي، لأن هناك رغبة في تجاوز مؤشرات وأرقام البرلمان السابق على أساس أنه أفضل من سابقيه"، ولكن "هذا العدد من الأسئلة الكتابية للحكومة غير طبيعي وفيه مبالغة لهذا الإجراء".
وقال الخراط إن "عدم تمرير قانون تجريم التطبيع هو أحد مؤشرات عدم استقلالية هذا البرلمان، فقد تم تعليق جلسة المصادقة على القانون بمجرد إعلان معارضة رئيس الجمهورية للقانون، مهما كانت دوافعه لذلك، وهو ما يؤكد أن الاستقلالية غير متوفرة". وأضاف أن "البرلمان التونسي يتفادى ويتجنب المواضيع المحرجة لرئيس الجمهورية، مثل المحكمة الدستورية والتي هي مسألة حساسة بالنسبة للرئيس، لأن تنصيبها يمكن أن يلقي بظلاله على الانتخابات الرئاسية القادمة وما فيها من نقاط إشكالية، على غرار احتساب المدد الرئاسية والقانون الانتخابي والنصوص الأخرى". واستغرب الخراط "عدم سد الشغورات في البرلمان منذ تنصيبه، فالهيئة والبرلمان يلقيان بالمسؤولية كل على عاتق الآخر، ورغم مرور أكثر من عام على عدم اكتمال النصاب ما يضعف بشدة مصداقية البرلمان كمؤسسة"، مبيناً أن "نواب الغرفة الثانية في مجلس الجهات والأقاليم يحصلون على أجور منذ فترة، ويشتغلون من دون قانون يحدد صلاحياتهم، وهذا يعد شكلاً من أشكال هدر المال العام".
وأكد أستاذ القانون الدستوري، مبروك الحريزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مجلس نواب الشعب لم يتطور كثيراً مقارنة بالسنة الأولى من العمل، بل برزت فقط محاولات وبوادر فك العزلة الدوليةـ من خلال ربط علاقات دبلوماسية برلمانية مع مؤسسات عربية وإقليمية لا تمثل ثقلاً دولياً"، وبيّن الحريزي أن "العيب الأكبر الذي يعاني منه البرلمان يكمن في التعامل الدوني للسلطة التنفيذية مع هذا البرلمان، من خلال عدم احترام فكرة الحصانة البرلمانية وهناك أمثلة كثيرة". وأشار الحريزي إلى أن "هناك إشكالية تبيّن ضعف هذا البرلمان، فهناك مقترحات قدمها نواب من المفروض أن يتم إدراجها مباشرة ولكن يبدو أنها مقلقة للسلطة، مثل المحكمة الدستورية أو تنقيح مرسوم 54، فلم يتم إدراجها أو تسجيلها وتجاوز المكتب صلاحياته ومنع تمرير القانون، وعلى ما يبدو أنه وقع ضغط عليه من السلطة التنفيذية، وهناك ضغط على نواب لسحب توقيعاتهم". واعتبر أن البرلمان التونسي الحالي بمثابة "إدارة ملحقة برئاسة الجمهورية"، وبيّن الحريزي أن هناك "عبثاً تشريعياً وشكلاً من التسيب في مقترحات النواب"، مشيراً إلى أن "هناك مقترحات من النواب لا تنمّ عن جدية ولم يتم استشارة الخبراء والمختصين فيها، مثل مقترح قانون الجمعيات وقانون منع الشعوذة، فالواضح أن الكتابة ضعيفة وصياغة قانونية غير سليمة".