مع قرب انتهاء الصيف، لم يستطع الجيش الأوكراني في هجومه المضاد إحراز التقدم المأمول غربياً، على ما يبدو، الأمر الذي ظهر من خلال تلميحات حول تململ غربي من بطء التحرك الأوكراني، بالرغم من الأسلحة والتدريبات المقدمة. ولكن الجيش الأوكراني يرفض هذه الانتقادات ويرى أنه تمكّن ضمن الإمكانيات المتوفرة والوضع على الأرض من إحراز تقدم ويعد بالمزيد.
وقال العميد في الجيش الأوكراني، أولكسندر تارنافسكي، الذي يقود الهجوم المضاد على الجبهة الجنوبية، إن القوات الأوكرانية تمكنت من اختراق الخط الدفاعي الأول لروسيا بالقرب من زابوريجيا، بعد أسابيع قضتها في إزالة الألغام، متوقعاً تحقيق مكاسب أسرع على الخط الثاني الأضعف.
وقدّر تارنافسكي، في حديث لصحيفة "أوبزرفر" البريطانية، نشرته صحيفة "ذا غارديان" اليوم الأحد، في أول مقابلة له منذ الاختراق، أن روسيا خصصت 60 بالمائة من وقتها ومواردها لبناء الخط الدفاعي الأول، و20 بالمائة لكل من الخطين الثاني والثالث، لأن موسكو لم تتوقع مرور القوات الأوكرانية، مؤكداً "نحن الآن بين خطي الدفاع الأول والثاني".
وأشار تارنافسكي إلى أن القوات الأوكرانية تتقدم الآن على جانبي الثغرة وتعزز قبضتها على الأراضي التي استولت عليها في القتال الأخير "نستكمل الآن تدمير وحدات العدو التي توفر الغطاء لتراجع القوات الروسية خلف خطها الدفاعي الثاني".
وعانت القوات الأوكرانية لأسابيع بسبب حقول الألغام الروسية، واضطر خبراء المتفجرات من المشاة إلى تطهير طريق الهجوم ببطء وسيراً على الأقدام. وشرح الجنرال الأوكراني أن الوحدات الأوكرانية في هذا الوقت وبانتظار تطهير الطريق كانت تتلقى باستمرار القصف الجوي الروسي الذي استهدف المركبات.
Ukraine broke through the first line of russian defense near Zaporizhzhia (!)
— Ukraine Front Lines (@EuromaidanPR) September 3, 2023
This was stated by the commander of the operational and strategic group of troops "Tavria" Oleksandr Tarnavskyi.#counteroffensive 🇺🇦 pic.twitter.com/9YoXrMJJOk
وتم تعيين تارنافسكي في سبتمبر/أيلول الماضي قائداً للقوات التي تقاتل لتحرير خيرسون؛ وبعد شهرين تم تحرير المدينة، وكانت هناك آمال في تحقيق تقدم سريع مماثل في الهجوم المضاد الصيفي، الذي يهدف إلى التقدم نحو بحر آزوف، وفصل القوات الروسية في خيرسون وشبه جزيرة القرم عن القوات الأخرى وقطع خطوط إمدادها.
وبدلاً من ذلك، توقفت لعدة أشهر، مع تزايد الخسائر البشرية، ولكن الخطوط الأمامية كانت ثابتة على ما يبدو، مما أدى إلى تغذية السخط والانتقادات في العواصم الغربية التي قدمت الأسلحة والتدريب.
ولكن تارنافسكي يقول إنه يفضل الحكم على المهمة عند الانتهاء منها، ولكنه يقر باستغراق العمليات وقتاً طويلاً "عندما بدأنا الهجوم المضاد أمضينا وقتاً أطول مما توقعنا في إزالة الألغام من المناطق. وكان إجلاء الجرحى صعباً بالنسبة لنا، وهذا أيضاً أدى إلى تعقيد تقدّمنا".
وعن الوضع الحالي، يوضح تارنافسكي أن الروس اضطرو إلى تغيير أماكن تمركزهم وإعادة انتشار بعد كسر الأوكرانيين للحاجز الأول، وأضاف "العدو يحضر حالياً أفضل جنوده. لكن عاجلاً أم آجلاً، سوف ينفذ أفضل الجنود من الروس".
وأضاف أن القوات الروسية كانت متحصنة في مخابئ خرسانية خلف أفخاخ مضادة للدبابات وخارج حقل ألغام مليء بالمتفجرات، ومكشوفة للغاية، لدرجة أن أي مركبات، لا سيما تلك المخصصة لإزالة الألغام، كانت تقترب من المنطقة وتتعرض للقصف الشديد من مواقع ثابتة، مما دفع قوات المشاة إلى الخروج ليلاً لتطهير ممر عبر الألغام وتحركت متراً بعد متر في الظلام.
“The Armed Forces broke through the first line of Russian defense in the Zaporizhzhia region. The Russians spent 60% of their time building it,” says Oleksandr Tarnavskyi, Commander of the Tavria Operational and Strategic Grouping of Troops pic.twitter.com/Q3k7zuC9yV
— NOELREPORTS 🇪🇺 🇺🇦 (@NOELreports) September 3, 2023
والآن بعد أن تم اختراق حقل الألغام، فقد الروس الكثير من المزايا التي كانوا يتمتعون بها. ويشير تارنافسكي إلى أن الخط الثاني لم يتم بناؤه بشكل جيد، لذلك يمكن للأوكرانيين استخدام مركباتهم، على الرغم من أنه لا تزال هناك حقول ألغام، ونظراً لأن القوات الروسية تعمل أيضاً في هذه المنطقة، فهي في شكل بقع وليس في طوق دفاعي واحد.
خمس خطوات
ولا يبتعد ريتشارد بارونز، الجنرال السابق في الجيش البريطاني، كثيراً عن تارنافسكي، ويتوقع في مقال نشره، اليوم الأحد، في صحيفة الـ"أتلانتيك"، أن طرد روسيا من أوكرانيا لن يتم في الهجوم المضاد الحالي، متوقعاً أن يتم ذلك بين عامي 2024 و2025.
ويشير بارونز إلى أن الدفاع الجوي الأوكراني الحالي لا يغطي أكثر من ثلث البلاد، ويرى أن أوكرانيا تحتاج حتى منتصف عام 2024 لإعادة تشكيل قوة جوية قوية بما فيه الكفاية، مشيراً إلى نقص شديد تعانيه أيضاً في المعدات الأساسية اللازمة لإزالة الألغام، وإصلاح كل هذا سيأخذ الحرب إلى العام المقبل على الأقل.
ويحدد الجنرال الإنكليزي خمس خطوات حاسمة لإنزال الهزيمة بروسيا، وهي:
- لا ينبغي لكييف أن تضغط من أجل تحقيق نجاح كبير في ساحة المعركة قبل أن تتوفر الوسائل اللازمة لتحقيق هذا النجاح: لابد من جعل أوكرانيا أقوى وروسيا أضعف، وإلا فسوف نصل إلى طريق مسدود.
- يجب مواصلة الضغط بلا هوادة على القوات الروسية طوال فصل الشتاء، وهذا يعني الحفاظ على عمليات "الضرب والتوقف" الناجحة، أي التقدم في حدود قصيرة لتقليل الخسائر البشرية والبقاء ضمن غطاء المدفعية والدفاع الجوي. إن تثبيت القوات الروسية في الجبهة سوف يؤدي بشكل مطرد إلى تآكل القوة والإرادة والاحتياطيات.. إذا كانت معنويات الجيش الأحمر سيئة بالفعل، فاجعلها أكثر سوءاً.
- يتعين على أوكرانيا أن تعمل بشكل منهجي على إضعاف قبضة روسيا العسكرية على أراضيها حتى عام 2024 وما بعده، عبر تحطيم ذراع المدفعية والهجمات على أهداف أعمق في جميع أنحاء أوكرانيا، والهدف هو تدمير القدرة العسكرية الروسية بشكل أسرع مما يمكن استبداله، مما يجعلها غير قادرة على الصمود في وجه أي هجوم أوكراني أقوى في المستقبل. إن كييف مقيدة بالقيود الغربية المفروضة على استخدام معداتها وذخائرها في روسيا نفسها، لكن لا يزال يتعين عليها أن تستخدم براعتها وشجاعتها لتوجيه ضربات قوية خارج حدودها.
- يجب تحييد أسطول البحر الأسود الروسي، باعتباره محركاً لضربات صواريخ كروز المدمرة التي تشنها موسكو ومعرقلا أساسيا لتصدير الحبوب، وذلك عبر الضربات الصاروخية الأوكرانية والطائرات بدون طيار البحرية.
- توفير المزيد من الذخائر، فحملة أوكرانيا تعتمد الآن على تكثيف الحلفاء لصناعاتهم الدفاعية، وسوف تستغرق الذخيرة من خطوط الإنتاج الموسعة حديثاً حتى منتصف عام 2024 على الأقل للوصول للكمية المطلوبة، فهذه الحرب تعتمد على القدرة الصناعية الدفاعية للغرب وأوكرانيا باعتبارها العامل الحاسم في النجاح العسكري.