كشف مسؤولون عراقيون في نينوى وأربيل شمال البلاد عن قيام عناصر حزب العمال الكردستاني، بحفر سلسلة من الأنفاق الجديدة داخل جبل سنجار غرب الموصل، بالتزامن مع نشاط واضح لمسلحيه في المدينة الخاضعة لنفوذه منذ عام 2015.
ومن شأن هذه الخطوة، بحسب مراقبين، تعزيز قبضة مسلحي الحزب على سنجار، بما يعيق تنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في المدينة الواقعة ضمن محافظة نينوى والمحاذية للحدود العراقية السورية. ولم تستطع الحكومة، حتى الآن، تحقيق تقدم في تطبيق اتفاق سنجار، الذي وقّعته مع حكومة إقليم كردستان، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، والذي يقضي بتطبيع الأوضاع في المدينة المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وإخراج عناصر حزب العمال الكردستاني وفصائل "الحشد الشعبي" منها، بهدف إعادة النازحين إليها.
استقدم "العمال" متخصصين بحفر الأنفاق من الحسكة السورية
وقال مسؤولان عراقيان، أحدهما في ديوان محافظة نينوى ومركزها الموصل، لـ"العربي الجديد"، إن مسلحي الحزب استقدموا متخصصين بحفر الأنفاق من داخل الحسكة السورية، ونفّذوا عمليات حفر واسعة طوال الأسابيع الماضية، مستغلين الأحداث السياسية والأمنية التي مرت بها بغداد وأربيل. وأشار المسؤول في ديوان نينوى إلى أن "ما لا يقل عن 20 نفقاً وجيباً جديداً لمسلحي الحزب داخل جبل سنجار باتت مقرات محصنة لهم"، معتبراً أن "الخطوة تشير إلى أن الحزب لا ينوي الانسحاب (من المدينة) ويخطط لتحويل المنطقة إلى معقل آخر له، خاصة وأنه نقل، خلال الفترة الأخيرة، جزءاً من قادة الحزب وأسرهم من مناطق سورية، وأخرى داخل إقليم كردستان، إلى سنجار وضواحيها، وتحديداً غرب المدينة وناحية سنوني".
فصائل في الحشد الشعبي غطاء لـ"العمال الكردستاني"
وأكد مسؤول آخر في مدينة أربيل المعلومات. وقال، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من فوز مرشحي الحزب الديمقراطي الكردستاني بدائرة سنجار الانتخابية، وخسارة مرشحي "العمال"، إلا أن المدينة ما تزال خاضعة لقرارات الأخير. وأضاف: "سمعنا أنهم استقدموا عمال حفر سوريين مع آلات ومعدات قبل إجراء الانتخابات بأيام. وهناك فصائل عراقية مسلحة ضمن الحشد الشعبي باتت غطاء للعمال الكردستاني، الذي يفترض أنه قوة غير عراقية تحتل جزءاً من أرض عراقية، في حال أردنا محاكاة خطاب نفس هذه الفصائل بالحديث عن ملف الوجود الأجنبي في العراق".
وكشف أن "أحد مقرات الحزب الجديدة في جبل سنجار بات مستشفى ميداني لعلاج جرحى المواجهات مع القوات التركية". ووصف المسؤول "تحركات الحزب الأخيرة بأنها تتجه لتحويل سنجار إلى قنديل أخرى"، في إشارة إلى سلسلة جبال قنديل العراقية الحدودية مع تركيا وإيران، والتي يتواجد فيها عناصر "العمال" منذ فترة طويلة.
قائمقام مدينة سنجار، محما خليل، رد على هذه المعلومات، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، بأنها "موثوقة للأسف، وبغداد على علم بها". وقال إن "حزب العمال مستمر في حفر الأنفاق، التي غيرت جغرافية ممرات جبل سنجار وكثير من تضاريس المنطقة، لتتحول المنطقة إلى ملاذ جديد آمن لهم".
وبيّن خليل، الذي فاز عن دائرة سنجار في الانتخابات النيابية التي جرت في 10 أكتوبر الماضي، أن "إحدى خططهم الاستراتيجية هي البقاء مدة أطول في المنطقة، مستغلين وجود إمكانيات كبيرة، مادية وعسكرية، وتعاون ودعم بعض الفصائل المسلحة ضمن الحشد الشعبي المتواجدة في ضواحي سنجار". وتابع: "على الرغم من توقيع اتفاق سنجار بين الحكومتين؛ الحكومة المركزية وحكومة الإقليم منذ أكثر من عام، فإنه لا أثر له. وقد طالبنا الحكومة الاتحادية في بغداد بالحفاظ على سنجار، من دون نتيجة".
الاستحواذ على سنجار
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في إقليم كردستان العراق، ماجد شنكالي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العمال" يخطط للاستحواذ على سنجار بدعم خارجي. وأوضح أن مسلحي الحزب "أقاموا أنفاقاً جديدة، يكفي بعضها لدخول سيارات والعيش فيها. إنهم يخططون لأن يكون جبل سنجار منطقة ارتكاز جديدة لهم، لأن سنجار لها أبعاد جيوسياسية مهمة جداً، فهي على الحدود السورية العراقية ومفترق طرق لعدة مناطق من جانب، ومنطقة مرتفعة محصنة طبيعياً من جانب آخر". وأشار إلى أن "الحكومة العراقية والفصائل المسلحة تعلمان بحفر الأنفاق والخنادق". وتابع: "لا يخفى على أحد أنه يتم استغلال سنجار سياسياً أيضاً، كورقة ضغط من قبل إيران على الجانب التركي وحتى الأميركي".
في المقابل، ألقى النائب السابق وليد السهلاني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، باللائمة على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تأزم الوضع في سنجار، معتبراً أن التنسيق معدوم بين بغداد وأربيل حيال المدينة. وتساءل "عن حقيقة عدم علم الحكومة في بغداد بحقيقة التطورات في المدينة وضواحيها، وسبب صمتها عنها".
إخفاق بتنفيذ اتفاق تطبيع سنجار
واعتبر الخبير بالشأن الكردي العراقي، بيستون رسول، أن الخطوة الجديدة لمسلحي "العمال" نتيجة طبيعية لإخفاق تنفيذ اتفاق تطبيع أوضاع المدينة. وقال رسول، لـ"العربي الجديد"، إن "المئات من مسلحي الكردستاني في سنجار لا يريدون الخروج منها. والمكاسب الاقتصادية الكبيرة، من خلال عمليات تهريب النفط والمحاصيل الزراعية والثروات الحيوانية وغيرها، أبرز أسباب تمسّكهم بهذه المنطقة". وأشار إلى وجود "منافع أمنية واقتصادية ومالية للحزب من هذه المنطقة، التي تعتبر طريق الحرير الرابط بين سورية وتركيا والعراق وإيران، الأمر الذي يؤدي إلى تمسك هذه القوات بالبقاء في سنجار".
وكانت حكومة إقليم كردستان العراق ردت، الأسبوع الماضي، على تصريحات للمتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، قال فيها إن الأوضاع في سنجار تحت السيطرة. ونقلت وسائل إعلام رسمية كردية عن مسؤول حكومي قوله إن "سلطات إقليم كردستان تفاجأت من تصريح المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة"، مؤكداً أن "الوضع على الأرض مغاير تماماً لما حاول المتحدث إيصاله للرأي العام".
ماجد شنكالي: "العمال" يخطط لأن يكون جبل سنجار منطقة ارتكاز جديدة له
وأشار إلى أن "جميع أنواع المظاهر المسلحة من قبل حزب العمال الكردستاني، ومجاميع تابعة له تحت مسميات مختلفة، بالإضافة إلى المجاميع المسلحة الأخرى الخارجة عن الشرعية القانونية، لا تزال متواجدة في مركز المدينة ومحيطه، وهذه المجاميع المسلحة هي التي تسيطر على مداخل ومشارف المنطقة". وانتقد التصريحات التي قال إنها "تهدف إلى إخفاء الحقائق وإضاعة المزيد من الوقت والمماطلة في تنفيذ اتفاق سنجار"، مشيراً إلى أن "تنفيذ الاتفاق لا يتم عبر التصريحات التي تهدف إلى إخفاء الحقائق، بل يحتاج إلى الصراحة والجدية في مواجهة التحديات والإصرار على تطبيق الخطوات المتفق عليها".