في ظل أحداث متلاحقة على صعيد الوضع في قطاع غزة، وبعد نحو 50 يوماً من عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة "حماس" في ما يسمّى منطقة "غلاف غزة"، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما تبعها من عدوان إسرائيلي على القطاع، رصد مراقبون تركّز اهتمامات الشعب المصري بجميع أطيافه على أحداث غزة، حيث انصرف عن متابعة الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومستقبل الحكم في البلاد، لصالح حالة من التضامن العميق مع الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل.
وتُجرى الانتخابات الرئاسية داخل مصر، يوم 10 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بينما تبدأ يوم الجمعة المقبل للمصريين المقيمين في الخارج، ويخوضها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ورئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران. وعجز أحمد طنطاوي عن دخول السباق الانتخابي، لعدم تجميعه العدد المطلوب من التوكيلات الشعبية من المواطنين، بسبب "التضييق الأمني" الذي رصدته حملة المرشح.
كما انسحبت رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل من السباق، بعدما قررت الجمعية العمومية لأعضاء وعضوات حزب الدستور في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
ويتولى السيسي رئاسة مصر منذ عام 2014، واستمر فترتين متتاليتين: الأولى 4 سنوات والثانية 6 سنوات، بعد تعديلات دستورية أُجريت في عام 2019 سمحت له بالترشح لفترة ثالثة لمدة 6 سنوات أخرى.
الماراثون الانتخابي لم يأت معبّراً أو عاكساً لحالة التململ الشعبي من الوضع الاقتصادي أو ملاحظاته على أداء السلطة
وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات تجري على وقع أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها مصر منذ عقود، والحديث الدائم عن الارتفاع القياسي لمعدلات التضخم، والنقص الكبير في العملة الأجنبية، وغيرها من الملاحظات الرافضة لأداء السلطة التي تبديها قطاعات واسعة من المواطنين في الشارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الماراثون الانتخابي الحالي لم يأت معبّراً أو عاكساً لتلك الحالة، إذ بدا واضحاً للجميع أنه "لا صوت يعلو فوق صوت الحرب في غزة".
"طوفان الأقصى" تخطف الأضواء من سباق الرئاسة
وخطفت عملية "طوفان الأقصى" في غزة الأضواء من الانتخابات الرئاسية، وتراجعت أخبار حملات الدعاية الانتخابية للمرشحين في مختلف وسائل الإعلام، التي هيمن عليها الوضع الإنساني الاستثنائي والتطورات العسكرية والسياسية التي تفرضها الحرب.
وبعكس الزخم السياسي الذي شهدته البلاد عند فتح باب الترشح في الخامس من أكتوبر الماضي، حول أبرز المرشحين المحتملين، ومدى جدية ونزاهة الانتخابات، احتلت أخبار الحرب في غزة، صدارة مناقشات رواد المقاهي وغيرها من أماكن التجمعات، التي بات واضحاً فيها "الحرص على متابعة القنوات الإخبارية التي تبث على مدار الساعة لمعرفة ما يجري في القطاع".
واتجهت الأنظار إلى ما يدور في العالم من أحداث مرتبطة بالحدث الفلسطيني، لا سيما مع استمرار القصف العشوائي على المدنيين العزل في غزة، ومحاولة التهجير القسري، وهو ما قد يثير مخاوف من إحداث تغييرات تنعكس على الأمن القومي المصري.
وعلى ما يبدو، استسلم المرشحون للرئاسة في مصر، إذ ركّزوا جميعهم خلال خطاباتهم الجماهيرية، على التعليق على القضية الفلسطينية ومساندتهم للشعب الفلسطيني. واستغلت حملة السيسي الأحداث لصالح دعم مرشحها، إذ نظمت حملات للتبرع بمساعدات لصالح غزة.
ويفسر نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، تراجع الاهتمام بالانتخابات في مصر إلى "الحالة المزاجية والنفسية للمواطن المصري، بعدما فرضت تطورات الحرب نفسها على الجميع، وألقت الأحداث الجارية بظلالها على اهتمامات المصريين، وجعلت أولوية الإعلام المصري لما يحدث في غزة على حساب السباق الرئاسي، الذي يرى كثيرون أن نتائجه محسومة مسبقاً، بل إن جميع التوقعات تصب لصالح الرئيس السيسي للبقاء في المنصب حتى 2030 على الأقل".
ويقول ربيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الفارق كبير جداً بين السيسي وباقي المرشحين، سواء من حيث الخلفية العسكرية والشعبية الحقيقية، أو القدرة على التحرك وإقناع المواطنين بالمشاركة والتصويت لصالحه، أو من حيث الإمكانات والقدرات الشخصية، أو تلك التي يفرضها الظرف الزمني الدقيق، وهو ما يساهم في انشغال المواطنين عن الماراثون الانتخابي لصالح أحداث غزة التي تبدو أكثر واقعية وتأثيراً وأهمية".
استغلت حملات الرئاسة أحداث غزة لصالح جمع تبرعات للفلسطينيين
من جهته، يرى الباحث السياسي محمد عبد الدايم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الصور والتقارير المروعة عن القصف الإسرائيلي والدمار الذي يلحق بالمدنيين الأبرياء، أصبحت هي محور اهتمام المصريين، وجعلت التضامن مع أهالي غزة الأولوية الحالية لهم، وخصوصاً أن الرأي العام المصري لا يأخذ السباق الانتخابي على محمل الجد، وذلك بسبب صعوبة منافسة أي مرشح للرئيس الحالي".
ويؤكد عبد الدايم أنه "على الرغم من ذلك، إلا أن هناك العديد من محاولات القائمين على الحملات الانتخابية للمرشحين، توجيه الانتباه إلى الأهمية الكبيرة للانتخابات الرئاسية والمشاركة الفاعلة فيها، والتأكيد على أن الاستقرار السياسي وتعزيز الديمقراطية في مصر، يجب أن تكون هموماً مركزية للجميع، وأنه يجب توفير الفرصة للمصريين للاعتراض والتعبير عن آرائهم من خلال الاقتراع".
غزة "قضية الساعة" للمواطنين والمرشحين
بدوره، يشير نقيب الصحافيين السابق في محافظة الإسكندرية، عامر عيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "من الطبيعي أن ينصبّ اهتمام الشارع المصري على الحرب في غزة، باعتبارها قضية الساعة، لذلك كان من الموضوعي أن تخطف الأضواء من الأحداث والمشاكل الاقتصادية التي كانت تشغل بال المصريين، وليس الانتخابات الرئاسية فقط، وأن تكون محوراً رئيسياً في تعليقات المرشحين للمنصب".
ويوضح عيد أن "واقع الأحداث والحشد الكبير من أوروبا وأميركا لدعم العدوان الإسرائيلي، زاد من سخونة الأحداث، وأحدث نقلة نوعية في اهتمامات المصريين". وبرأيه، فإن ذلك "كان له بالغ الأثر في توجيه بوصلة غالبية الشعب المصري لمتابعة أحداث غزة بشكل دوري عبر وسائل الإعلام التقليدية كالتلفزيون والصحف أو من خلال منصات التواصل الاجتماعي، والتفاعل معها في أشكال عدة، كانت المقاطعة لبعض المنتجات أحدها، وغيرها من حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني".
ويجزم الخبير الإعلامي أن "استمرار الغضب الشعبي من سقوط آلاف الشهداء والمصابين، وتخوفهم من اتساع رقعة الحرب، ومن خطة تهجير أهالي فلسطين، سيكون لها تأثير على الشارع، وهو ما يصعب مهمة مرشحي الانتخابات الرئاسية في إيجاد مساحة لعرض برامجهم أو تقديم خطاب للجمهور يلائم هذه الاهتمامات".
وقال رئيس الحملة الانتخابية للسيسي، المستشار محمود فوزي، في تصريحات صحافية، إن حرب غزة ألقت بظلالها على عملية الانتخابات الرئاسية في مصر، خصوصاً أنه يتم التعامل مع القضية الفلسطينية على أنها قضية القضايا. ولفت إلى أن مرشح الحملة (الرئيس السيسي) أصدر توجيهاً واضحاً لهم بتخفيض الدعاية الانتخابية إلى حدودها الدنيا، ودعوة كل المؤيدين إلى توجيه التبرعات لحساب مؤسسات المجتمع المدني، وخصوصاً مؤسسة "حياة كريمة" لدعم الأشقاء في فلسطين. وأكد أن السيسي كان له موقف واضح من دعم القضية الفلسطينية، واتخذ كل الإجراءات اللازمة من دافع وطني منذ اللحظة الأولى للأحداث المؤسفة في غزة، رافضاً تصفية القضية الفلسطينية، والتهجير القسري لأهالي غزة على حساب أراضي سيناء، ورفض سياسات العقاب الجماعي وقصف المدنيين.
عامر عيد: التخوف من اتساع رقعة الحرب وخطة التهجير سيكون لهما تأثير على الشارع
بدوره، رأى المتحدث باسم المرشح حازم عمر، الدكتور زاهر الشقنقيري، "وجود تأثير للأحداث على الانتخابات، وأنه ستكون لها انعكاسات على واقع العملية الانتخابية إذا طال مداها الزمني". وقال الشقنقيري في تصريح صحافي إن الحملة الانتخابية للمرشح عمر "تجاوبت مع الأحداث في غزة بإعلان ترشيد النفقات تقديراً لظروف الحرب، وعلقت أعمالها لمدة يومين، تأكيداً للتعاطف مع القضية الفلسطينية التي تمثل أولوية لدى الشعب المصري باعتبارها أمنا قوميا، بالإضافة إلى التنديد بالاعتداءات على المدنيين".
بدوره، قال المتحدث باسم حزب الوفد، وباسم الحملة الانتخابية للمرشح عبد السند يمامة، الدكتور ياسر الهضيبي، إن "أحداث غزة تؤلم كل المصريين وتتصدر اهتماماتهم، ما قلّل من الزخم المعتاد الخاص بالانتخابات الرئاسية". وأكد الهضيبي في تصريح صحافي أن الحملة "تسابق الزمن لاستغلال الأسابيع الثلاثة المتبقية قبل التصويت، لحث المواطنين على المشاركة والتصويت لمرشحها".
وأعرب المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية، خالد داود، في تصريحات، عن رأيه في الوضع الحالي، بقوله إن "طغيان الحرب الدائرة في غزة للشهر الثاني على التوالي، على الانتخابات الرئاسية في مصر، هو انعكاس حقيقي لشعور المصريين بالخوف والخطر على بلدهم والممزوج بالخزي والضعف بسبب عجز جميع البلدان العربية عن مساندة الشعب الفلسطيني الأعزل أمام جرائم العدوان الإسرائيلي المدعوم من البلاد الغربية".
وأضاف داود، أن "الشعب المصري استبدل حالة النقد وانتظار المبارزات السياسية التي وجب وقتها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية بالاصطفاف خلف القيادة السياسية، وذلك بعد الحديث الصريح من قبل المجتمع الدولي عن المطالب بتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر، عبر تهجير أهالي غزة إلى سيناء، وهو ما يتسبب في وجود أخطار وجودية تهدد مصر".