"نيويورك تايمز": حرب غزة تختبر العلاقات الأميركية الإسرائيلية كما لم يحصل منذ نصف قرن

01 يناير 2024
بايدن لدى وصوله إلى تل أبيب في زيارة تضامنية مع إسرائيل (Getty)
+ الخط -

قالت صحيفة "نيويورك تايمز الأميركية، في تقرير مطول نشرته الأحد، إن الحرب الإسرائيلية على غزة وضعت العلاقات الأميركية الإسرائيلية في اختبار مكثف لم تشهده أي مرحلة في نصف القرن الماضي.

وتحدثت الصحيفة بإسهاب عن المداولات التي جرت في البيت الأبيض قبيل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل لإظهار التضامن بعد هجوم المقاومة الفلسطينية على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، مشيرة إلى أن خلافات واسعة سادت بين مساعديه قبيل الزيارة.

وأكدت "نيويورك تايمز" نشوب نقاش حاد بين مستشاري بايدن للأمن القومي والمستشارين السياسيين قبيل زيارة بايدن إلى إسرائيل، لافتة إلى أن بعض مستشاريه حثوه على إلغاء الزيارة بسبب عدم وضوح ما الذي يمكن تحقيقه من الزيارة، وتخوفات أمنية من الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة عند وصوله إلى مطار بن غوريون الدولي. 

وذكرت الصحيفة أن بعض مساعدي بايدن أصروا على أن الزيارة ضرورية، وهو الرأي الذي أخذ به بايدن، وقرر في نهاية المطاف الذهاب ولقاء المسؤولين الإسرائيليين وجهاً لوجه.

دبلوماسية معقدة

وحسب "نيويورك تايمز"، فإن قرار بايدن الذهاب إلى إسرائيل كان أكثر من أي قرار لتحديد نهجه تجاه ما أصبح أزمة في السياسة الخارجية الأكثر إثارة للخلاف في رئاسته. ولم يسبق لأي حدث آخر، خلال نصف القرن الماضي، أن اختبر العلاقات الأميركية الإسرائيلية بهذه الطريقة المكثفة والمؤثرة. وقد برزت الدبلوماسية المعقدة بين واشنطن وإسرائيل عبر الحكومتين، في تفاعلات مباشرة بين المسؤولين وجهود مكثفة بين الهيئات العسكرية والاستخباراتية.

وذكرت الصحيفة أن بايدن أجرى، خلال زيارته إلى إسرائيل مكالمات هاتفية محبطة واجتماعات ماراثونية منهكة، مشيرة إلى أنه تدخل وفريقه مراراً وتكراراً لإبعاد إسرائيل عما يعتبرونه تجاوزات في ردها الانتقامي على غزة. 

وقد شهد بايدن معارضة داخلية متزايدة لدعمه لإسرائيل، بما في ذلك تلقيه رسائل معارضة متعددة من دبلوماسيين في وزارة الخارجية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، بعث أكثر من 500 من السياسيين والموظفين الأميركيين الذين يمثلون حوالي 40 هيئة حكومية رسالة إلى بايدن احتجاجاً على دعمه الحرب الإسرائيلية في غزة. كما ضغط الديمقراطيون في الكونغرس عليه للحد من الهجوم الإسرائيلي، ووجدت الولايات المتحدة نفسها على خلاف مع دول أخرى في الأمم المتحدة.

ويبدو أن أزمة العلاقات الأميركية الإسرائيلية والخلاف مع إسرائيل قد وصلا إلى الذروة مع حلول العام الجديد. ويدرك فريق بايدن أن التحدي الذي يواجهه لا يقتصر على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فحسب، بل إن الإسرائيليين، من توجهات مختلفة، يدعمون الحرب على غزة التي أدت، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص. وعلى الرغم من ذلك، ذكرت "نيويورك تايمز" أنه ليس هناك أي نقاش جدي إلى الآن داخل الإدارة الأميركية حول تغيير حقيقي في السياسة، مثل قطع إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل. 

وخلال محادثة متوترة قبل أسبوع، ضغط بايدن على نتنياهو لتقليص الحرب إلى عملية تعتمد بشكل أكبر على غارات القوات الخاصة التي تستهدف قادة حماس والأنفاق في غزة بدلاً من القصف واسع النطاق. وعقب ذلك أرسل نتنياهو، أحد أقرب المقربين منه، وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، إلى واشنطن لحضور اجتماع استمر ما يقرب أربع ساعات في البيت الأبيض، حيث أكد لوزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، أن إسرائيل ستنتقل قريباً إلى المرحلة التي يدعو إليها بايدن. 

وقال لهم ديرمر إن المؤشرات الأولى لهذا التحول يمكن رؤيتها في الأسابيع المقبلة عندما تنهي القوات الإسرائيلية عملياتها في شمال غزة، وتبدأ في سحب العديد من القوات من تلك المنطقة، لكنه لم يقدم جدولاً زمنياً ثابتاً، وضغط عليه الأميركيون للشروع في ذلك عاجلاً وليس آجلاً. ويخطط بلينكن للعودة إلى إسرائيل في أوائل يناير/كانون الأول، حيث يأمل المسؤولون الإسرائيليون في إعطائه قرارًا بشأن الخطوات التالية. 

العلاقات الأميركية الإسرائيلية.. المحادثات الأخيرة أكثر توتراً 

وطبقا لـ"نيويورك تايمز"، فإن المحادثات الأخيرة بين بايدن ونتنياهو أصبحت أكثر توتراً، حيث يقول المسؤولون إن كل مكالمة تكون متوترة وحادة في بعض الأحيان، لكنها في الوقت نفسه أمر واقع. "صعبة ولكنها بناءة" هي العبارة المستخدمة في كثير من الأحيان.

وأجرى بايدن مكالمة هاتفية مع نتنياهو يوم السبت، 23 ديسمبر/كانون الأول، لحث إسرائيل على الابتعاد عن القصف العسكري المكثف، واقتصار الغارات على مواقع محددة، لكن نتنياهو وغيره من القادة الإسرائيليين استمروا في الرد علناً. وبعد ذلك بيومين، نشر نتنياهو مقال رأي في صحيفة "وول ستريت جورنال" نفى فيه فكرة أن السلطة الفلسطينية يمكن أن تقوم بتجريد غزة من السلاح ووصفها بأنها "حلم بعيد المنال".

وبالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين، فإن هناك ضغوطاً لطمأنة الداخل الإسرائيلي بأنهم لن يتراجعوا عن الحرب على غزة، لكن هناك تلميحات إلى أن نتنياهو يمكن أن يقبل في نهاية المطاف دوراً للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحها في غزة، مع الاعتراف بالحاجة إلى وجود إدارة فلسطينية من نوع ما. 

وفي يوم الجمعة، بعد ثلاثة أيام من اجتماعات ديرمر في واشنطن، وافقت وزارة الخارجية على إرسال 147.5 مليون دولار في شكل قذائف مدفعية "عيار 155 ملم" ومعدات ذات صلة، متذرعة بقواعد الطوارئ لتجاوز مراجعة الكونغرس للمرة الثانية، مما أثار غضب المشرعين الديمقراطيين مرة أخرى.

مخاوف من حرب أوسع من غزة

وبحسب "نيويورك تايمز"، كان الأسبوع الأول من هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل هو الأكثر اضطرابا وخطورة،  وساد لدى بايدن، وفقًا للمستشارين، خوف من اندلاع حرب موسعة تعمل فيها إيران على تمكين وكلائها، بالإضافة إلى حماس، من مهاجمة إسرائيل، أو أن تشن إسرائيل حربًا استباقية. 

وعندما علم بايدن بالهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أجرى بايدن مكالمات مكثفة مع قادة عدة دول واجتماعات واسعة داخلية واسعة، وسيواصل إرسال الوفود بشكل منتظم إلى المنطقة. وقد أجرى بلينكن ثلاث رحلات إلى المنطقة، منها خمس زيارات إلى إسرائيل، بل انضم ذات مرة إلى اجتماع لمجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي. 

وبينما يشعر المسؤولون الإسرائيليون بالغضب من القيود التي حاول بايدن فرضها عليهم، فإنهم يدركون أنه الحليف الأكثر أهمية لديهم وسط انتقادات عالمية متزايدة، ويفهمون أنه الشيء الوحيد الذي يمنع الأمم المتحدة من فرض العقوبات.

وقال السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هرتسوغ: "نقدر بشدة دعم إدارة بايدن لإسرائيل في هذه الحرب وفي هذه الأيام الصعبة. لدينا حوار وثيق ومثمر للغاية بين حكومتينا في ما يتعلق بهذه الحرب".

المساهمون