حرب جديدة في ليبيا؟

15 اغسطس 2024
عقيلة صالح في الرباط، سبتمبر 2021 (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلن عقيلة صالح انتهاء شرعية اتفاق جنيف 2021، مما ينهي شرعية المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، ويركز على نقل صلاحيات القائد الأعلى للجيش إليه شخصياً.
- القرار أثار جدلاً واسعاً، خاصةً بعد مرور أكثر من عامين على انتهاء مدة الاتفاق وسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، ويتزامن مع تحركات عسكرية لخليفة حفتر في الجنوب الغربي.
- بيان حفتر المرحب بنقل صلاحيات القائد الأعلى للجيش إلى صالح يعزز الشكوك حول نوايا انقلاب عسكري جديد، مع تحركات عسكرية محتملة للسيطرة على طرابلس.

كان يكفي رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح أن يعلن أن قراره، الذي أصدره الثلاثاء الماضي حول إطاحة حكومة الوحدة الوطنية، قضى بانتهاء شرعية اتفاق جنيف، الصادر عن ملتقى الحوار السياسي عام 2021، لتسقط معه شرعية كل مخرجات هذا الاتفاق، بما فيها المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة. لكن اللافت أنه كرر تركيزه، خلال كلمته التي طرح فيها قراره على النواب للتصويت عليه، على أمرين محددين فقط، وهما سحب صلاحيات القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي ونقلها إليه، وإنهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية.
إذا كانت مدة المجلس الرئاسي قد انتهت بانتهاء مدة اتفاق جنيف الذي جاء به، فلماذا نصّ القرار على نقل صلاحيات القائد الأعلى للجيش إلى مجلس النواب، بل إلى عقيلة صالح نفسه، إذ من الطبيعي أن تنتقل هذه الصلاحيات إلى مجلس النواب وفقاً للإعلان الدستوري الذي يجعل هذه الصلاحيات بيد الجهة التشريعية بعد انتهاء مدة اتفاق جنيف؟ ولماذا نصّ القرار على انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية دوناً عن المجلس الرئاسي، فبانتهاء مدة اتفاق جنيف تنتهي شرعية السلطة التنفيذية كاملة بشقيها، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.

ذلك قد يدل على أن في قرار صالح ارتباكاً، لكنه قد يشير أيضاً إلى ترتيبات تقف وراء القرار مقدمةً لشرعنة حرب جديدة على صلة بتحركات اللواء المتقاعد خليفة حفتر العسكرية في الآونة الأخيرة، وهو ما قد تبرزه محاولة الجواب عن العديد من الأسئلة التي يفرضها هذا القرار الجدلي. أولى تلك الأسئلة: لماذا استند صالح إلى المدد الزمنية لاتفاق جنيف لإصدار قراره، وقد مرّ أكثر من عامين على انتهاء مدته المقررة في الاتفاق بـ18 شهراً من توقيعه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020؟ ولماذا أعلن صالح انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية مرة أخرى بعد أن سبق وسحب الثقة منها في سبتمبر/أيلول 2021؟

أليس من اللافت أن يصدر قرار نقل صلاحيات قيادة الجيش إلى يد صالح بالتزامن مع التحركات العسكرية الأخيرة لحفتر في الجنوب الغربي للبلاد، التي عارضها المجلس الرئاسي وأصدر أوامره بـ"عودة كافة القوات إلى ثكناتها بشكل فوري ومنع أي تحرك دون إذن من القائد الأعلى"، وأن الإذن بتحرك أي قوة "اختصاص أصيل للقائد الأعلى للجيش الليبي دون غيره"، بل وأكد أن أي حراك عسكري "يعتبر خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار" الذي صدر بالتزامن مع صدور اتفاق جنيف؟ أليس من اللافت أن يسارع حفتر لإصدار بيان رسمي للترحيب بقرار نقل صلاحيات قائد الجيش إلى صالح؟ وأليس من اللافت أن إعلان انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية، جاء بالتزامن مع أوامرها لـ"الجهاز الوطني للقوى المساندة"، الذي يجمع كافة القوى المسلحة في غرب البلاد، للاستنفار وتعبئة قواه لمواجهة أي هجوم محتمل، ما يحيل قوات هذا الجهاز إلى مجرد مليشيات لا شرعية لها؟

حمل بيان حفتر المرحب بنقل صلاحيات القائد الأعلى للجيش إلى صالح ما يؤشر إلى رغبته في تنفيذ انقلاب عسكري جديد، إذ أكد أن قواته ستقوم "بواجباتها الوطنية المنوطة بها لحماية الحدود الليبية مع الدول المجاورة ضمن المهام الاعتيادية للقوات المسلحة"، وهو التبرير الذي أعلنه عندما حرك قواته باتجاه حدود جنوب غرب البلاد قبل أيام.

لكن السؤال الذي يثير مخاوف كبيرة، هو إلى أين ستكون وجهة حفتر الجديدة، وباعتبار الأحاديث المتواترة عن عزمه اقتحام مدينة غدامس بحجة تأمين الحدود مع دول الجوار، خصوصاً أن حراكه العسكري الحالي يجري في الجنوب الغربي. فهل سيكتفي بالسيطرة على هذه المدينة الغنية بمناجم الغاز والنفط، لدواعٍ وأهداف اقتصادية تمكنه من تمويل مليشياته وفرض نفسه على المجتمع الدولي شريكا قويا، أم أنها ستكون محطة للاقتراب من العاصمة طرابلس وانتظار توافقات إقليمية ودولية تلوح في الملف الليبي للانقضاض عليها؟