"حرب الشاباك" بعهد أرغمان: من تصفيات "حماس" إلى السايبر

01 سبتمبر 2018
أرغمان مؤيد للتنسيق الأمني مع السلطة(من "تايمز أوف إسرائيل")
+ الخط -
في خطوة غير مسبوقة، ومع مرور عامين ونصف العام على تولّي نداف أرغمان رئاسة جهاز الاستخبارات الإسرائيلية العامة "الشاباك"، أفردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريراً مطولاً عن التغييرات في عمل الجهاز مع تولّي أرغمان لرئاسته، مبتدئة بالإشارة إلى انضمام الأخير للجهاز قبل 35 عاماً، ومشاركته الفعلية في التخطيط لعملية تصفية القيادي في كتائب القسّام، الشهيد يحيى عيّاش، وصولاً إلى رئاسة الجهاز. وبحسب الصحيفة، فإنّ جهاز "الشاباك" مرّ في العامين والنصف الأخيرين، بـ"ثورة حقيقية" في أساليب عمله من دون إهمال الأساليب القديمة والتقليدية التي تعتمد على تجنيد عملاء للجهاز في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة؛ سواء في الضفة الغربية والقدس المحتلة، أم في قطاع غزة.

ووفقاً لـ"يديعوت أحرونوت" التي اعتمدت على تصريحات ومعلومات من رؤساء سابقين للجهاز، أبرزهم آفي ديختر، الذي كان رئيساً للجهاز في فترة تصفية عياش، ومن آمن بعقيدة التصفيات الجسدية لقادة "حماس"، وجهات ومسؤولين سابقين امتنعت الصحيفة عن ذكر أسمائهم، فإنّ أرغمان "أدرك مع تولّيه مسؤولياته أنّه في ظلّ عهد التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت، لا يمكن للجهاز الإسرائيلي أن يحقّق أهدافه بدون اتباع هذه الأساليب واعتمادها، من خلال رصد ميزانيات لتجنيد عقول في مجال السايبر والهاكرز والإنترنت، للعمل في الجهاز، وبناء وحدات سايبرية ووحدات للتجسس الإلكتروني، بشكل غيّر من صورة الشاباك بشكل شبه كامل تقريباً، لجهة الاعتماد على هذه الأساليب بدرجة تفوق الأساليب التقليدية التي كان يتبعها جهاز الشاباك".

وقالت الصحيفة في هذا السياق، إنّ أرغمان مع توليه منصبه في مايو/ أيار 2016، "عقد اجتماعاً لقادة جهاز الاستخبارات العامة وعرض عليهم أول خطة لتغيير شامل في مبنى الجهاز ومهامه، تقوم بالأساس على دمج كافة أذرع الجهاز التكنولوجية والسايبر والاستخبارات اللاسلكية والإشارات، في جسم مركّز، في عملية تغيير وصفها رئيس الشابك الأسبق، أفي ديختر، بأنها كانت الأكثر حدة في السنوات الأخيرة". ووفق الصحيفة، فإن أرغمان يعتقد مثلاً أن هاكرز صينياً لا يقلّ خطراً على أمن إسرائيل من ناشط فلسطيني يخطّط لتنفيذ عملية فدائية. وبالتالي، فإنّ العمل، برأيه، يجب أن يكون بهدف تغطية شاملة لمكامن الخطر، بما في ذلك الخطر الآتي من الشبكة العنكبوتية وشبكات التواصل الاجتماعي.

لكن الخطوة الأكثر فعالية، بحسب زعم الصحيفة، هي تمكّن أرغمان، مع توليه منصبه، من وضع حدّ للحرب التي كانت دائرة بين جهاز "الشاباك"، من جهة، وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" من جهة ثانية، والتي وصلت إلى ذروتها بعد فشل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في حملة "الجرف الصامد"، في رصد ومحاربة الأنفاق الهجومية التي حفرتها حركة حماس. وتبادل كل من "الشاباك" و"أمان" التهم حول مسؤولية الفشل، وإن كان "الشاباك" أثبت من خلال تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي، بعد العدوان، أنه كان قد أشار إلى خطر الأنفاق الهجومية.

ووفق "يديعوت أحرونوت"، فقد تمكّن أرغمان من إقناع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً، الجنرال هرتسل هليفي (وهو اليوم نائب رئيس أركان الجيش)، بوقف التنافس بين الجهازين الذي تسبب في أحيان كثيرة بأضرار للأمن الإسرائيلي، بسبب عدم تدفق المعلومات وتبادلها بين الجهازين، ومحاولة كل منهما نسب الإنجازات الاستخباراتية لنفسه. كذلك، تمكّن أرغمان من وقف حالات الشقاق والخلاف في الرأي بين الجهازين عند مناقشة التطورات المختلفة في الكابينت الأمني والسياسي للحكومة، مع محاولة التوصّل إلى مواقف وتحليل مشترك، أو على الأقل الحدّ الأدنى المشترك في تحليل التطورات المختلفة والسيناريوهات المحتملة عند عرض الأمور أمام الكابينت، وإن كان هذا الأمر لا يزال قائماً.

ولعلّ من أبرز نقاط الخلاف في هذا المضمار، هو ما تجلّى من فرق بين موقف الجيش وشعبة الاستخبارات العسكرية، المؤيد والداعي إلى ضرورة تقديم تسهيلات إنسانية في قطاع غزة، بما في ذلك زيادة عدد العمال الفلسطينيين من القطاع الذين يسمح لهم بالعمل في الأراضي المحتلة، مقابل معارضة شديدة من قبل جهاز "الشاباك" لذلك، بدعوى أنّ هذا الأمر يحمل في طياته خطر أن تقوم حركة "حماس" والفصائل الأخرى بتجنيد ودسّ عناصر لها بين العمال، وبالتالي تمكّنهم من تنفيذ عمليات داخل الأراضي المحتلة. ويشكّل موقف أرغمان هذا إلى اليوم عائقاً أمام موافقة الاحتلال على تسهيلات إنسانية لغزة، وخصوصاً في ما يتعلّق بإصدار تصاريح للعمل في الأراضي المحتلة.

إلى ذلك، يبيّن التقرير أنّ أرغمان من أشدّ المناصرين لسياسة الاغتيالات والتصفيات لقادة "حماس"، وكان مشاركاً في عملية اغتيال الشهيد يحيى عياش، والقائد العسكري لكتائب "عزّ الدين القسام"، أحمد الجعبري. وفي هذا السياق، يبرز التقرير قرار أرغمان في أوج عدوان "الجرف الصامد"، في 19 أغسطس/ آب عام 2014، بتنفيذ محاولة اغتيال محمد ضيف في العملية التي نجا منها الأخير لكنها أسفرت عن استشهاد زوجته واثنين من أطفاله بعدما ألقى سلاح طيران الاحتلال قنبلة بزنة طن على بيت توفّرت معلومات أنّ ضيف موجود فيه.

في المقابل، يدّعي التقرير أنّ أرغمان ألغى في حالات سابقة عمليات تصفية مشابهة "خوفاً من إصابة عدد كبير من الأبرياء"، وهو ما يلحق بإسرائيل ضرراً أكبر من الفائدة التي ترجوها من عملية التصفية لعناصر "حماس" والمقاومة.

وعند هذه النقطة، تسوق الصحيفة ادعاء رئيس الشاباك الأسبق، آفي ديختر، من أنه في 6 سبتمبر/ أيلول 2003، وبفعل ضغوط من الجيش، والخوف من أضرار كبيرة عند قصف مبنى تجمّع فيه قادة "حماس"، وبينهم محمد ضيف وأحمد الجعبري والشيخ أحمد ياسين، تمّ خفض كمية المتفجرات التي أراد الجيش استخدامها لقصف البيت المذكور، إلى ربع طن، ما أدى في نهاية المطاف إلى فشل المحاولة، وفرار الناجين من عناصر الحركة وقادتها بعد إصابتهم بإصابات طفيفة. لكن أرغمان اعتبر لاحقا، بحسب ما تقول الصحيفة نقلا عن رئيس الجهاز السابق، يوسي كوهين، أنه "لا مفرّ أحياناً من أن يدفع الأبرياء الثمن"، كما حدث عند اغتيال الجعبري واستشهاد سائقه في العملية، أو عندما قام "الشاباك"، في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأوّل عام 2003، بتصفية الشهيد سرحان سرحان في قلب مدينة طولكرم بدعوى أنه من نفّذ عملية "كيبوتس ميسر" قبل ذلك بعام، والتي أسفرت عن مصرع خمسة إسرائيليين.

وتنقل الصحيفة عن مصدر أمني قوله إنّ أرغمان الذي يركّز جهوده في الفترة الأخيرة على ملف قطاع غزة، يرى أنّه "ينبغي ليس فقط ضرب حماس، وإنما خلق واقع نوعي لذلك في القطاع أيضاً، من خلال ضرب مصادر تمويل الحركة من جهة، والتركيز على ملف المصالحة الفلسطينية من جهة ثانية". وتجدر الإشارة إلى أنّ أرغمان على اتصال دائم مع السلطة الفلسطينية، كما مع الأميركيين والطرف المصري، وهو يعتبر عودة السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس لبسط سيطرتها على قطاع غزة، مصلحة إسرائيلية إلى جانب تحسين الأوضاع الاقتصادية فيها وخفض نسبة البطالة.

وأرغمان من أنصار التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، ومن أنصار تشديد القبضة على حركة "حماس" في الضفة الغربية، وشنّ حملات اعتقال للناشطين في الحركة. وفي هذا السياق، تشير الصحيفة إلى أن رئيس الاستخبارات العامة قال أخيراً إن "حماس تواصل نشاطها لتنفيذ عمليات من داخل الضفة الغربية"، وأنّ الشاباك "أحبط أكثر من 500 محاولة لتنفيذ عمليات مختلفة، بينها عمليات لاختطاف جنود، ناهيك عن اعتقال نحو 3000 شخص" تدّعي إسرائيل أنهم حاولوا تنفيذ عمليات ضد جنودها وضد المستوطنين.

ويصرّ أرغمان على أنّ أيّ تسوية في قطاع غزّة "يجب أن تتم بمشاركة كاملة مع السلطة الفلسطينية، وليس فقط مع حماس لوحدها". في المقابل، كان أرغمان قد عارض نصب البوابات الإلكترونية أمام المسجد الأقصى في الصيف الماضي، ودعا إلى إزالتها من الأساس من أجل المحافظة على العلاقات الأمنية مع الأردن ولتفادي اندلاع موجات العنف وامتدادها إلى الداخل الفلسطيني في الجليل والمثلث.

إلى ذلك، فإنّ أرغمان كان المسؤول في الفترة الأخيرة عن سياسات التحقيق مع نشطاء يساريين من إسرائيل والخارج لدى وصولهم إلى مطار بن غوريون، عبر التحقيق معهم حول مواقفهم السياسية ونشاطاتهم في مجال مقاطعة إسرائيل. ولعلّ أبرز هذه الحالات أخيراً، ما حدث مع الصحافي اليهودي الأميركي، بيتر باينريط، الذي تمّ توقيفه والتحقيق معه حول زياراته لمدينة الخليل، رغم أنه كان قد وصل لتل أبيب في زيارة عائلية. وقد اضطر جهاز "الشاباك"، في وقت لاحق، بعدما نشر باينريط ما حدث معه، إلى الاعتذار والادعاء بأن المحققين تجاوزا الصلاحيات الممنوحة لهم بحسب القانون.

المساهمون