- التوسع الجغرافي للاحتجاجات حتى في الجامعات بالولايات المحافظة يدحض الادعاءات بأن الحركة محصورة في أوساط ليبرالية، مما يزيد من قلق المعارضين الذين حاولوا تقليل شأنها.
- الإدارة الأمريكية وبعض الجهات السياسية حاولت تصوير الحركة على أنها معادية للسامية، متجاهلة الأسباب الحقيقية وراء الاحتجاجات المتعلقة بالدعم الأمريكي لإسرائيل والانتهاكات في غزة.
اشتدت تظاهرات حراك الجامعات الأميركية دعما لفلسطين هذا الأسبوع، رغم التضييقات وعمليات التوقيف والتهديدات بالطرد وخسارة الفصل الدراسي، حيث امتدت إلى جامعات في الجنوب وشمال الوسط، ووصلت موجتها، الخميس، إلى واشنطن في جامعتي جورج واشنطن وجورج تاون. وبذلك، يبدو وكأن التظاهرات تتحول إلى حركة تضامن جامعي واسعة، ولو من غير تنظيم مركزي موجِّه.
اعتراض التظاهرات في الجامعات الأميركية على دعم إسرائيل في حرب غزة لاقى التجاوب حتى في جامعات بولايات محافظة معروفة بأجوائها المنحازة بقوة لإسرائيل، مثل تكساس ونورث كارولينا وجورجيا وأوهايو. وكان في ذلك ردّ على المزاعم التي سارعت منذ البداية إلى تقزيم الاحتجاجات وتصويرها بأنها هبّات متطرفة انطلقت من جامعات ليبرالية ذات مناخات يسارية وتنشط فيها جهات أكاديمية محسوبة على هذا الخط.
اعتراض التظاهرات الجامعية في أميركا لاقى التجاوب حتى في جامعات بولايات محافظة معروفة بأجوائها المنحازة بقوة لإسرائيل
لكن انتشار الحركة كذّب هذا التصنيف وزاد من قلق المعنيين، الذين حشدوا لتطويقها عبر حملة شاركت فيها قيادات بشكل غير مسبوق. أبرزها كان رئيس مجلس النواب في الكونغرس مايك جونسون، الذي قام بزيارة غير اعتيادية لجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، وألقى كلمة طالب فيها باستقالة رئيسة الجامعة نعمت شفيق لو تعذر عليها إخماد الانتفاضة، التي رأى أنها تستهدف الطلبة اليهود وتعادي السامية! مبادرته أثارت الاستغراب، لأن المسالة ليست من صلاحياته وبحيث بدت زيارته "خطوة رخيصة"، حسب النائب السابق دافيد جولي.
لكن في المقابل حظيت الزيارة بالثناء من جانب الجهات والمنظمات التي تعزف على نفس الوتر، ومنها البيت الأبيض بشكل خاص. فالتركيز على تصوير الطلاب اليهود هدفاً للمنتفضين كان نقطة التقاطع لمعظم الردود بهدف التشويه والتأليب ضد التظاهرات الطلابية في أميركا.
وتكثّف التصويب في هذا الاتجاه بعد أن أشار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى انتفاضة طلاب الجامعات الأميركية بطريقة تفيد بأنه من الضروري قمعها لكونها معادية للسامية. وزارة الخارجية الأميركية لم ترَ في كلامه تدخلاً في شأن اميركي داخلي. "لا نفسر كلامه بأنه تدخل" كما قال فيدانت باتيل، نائب المتحدث الرسمي في الوزارة، مضيفاً أن "التوضيح متروك لرئيس الحكومة الإسرائيلية".
وكذلك، ترك أمر التحقيق الطبي الشرعي لإسرائيل في قضية الجثث التي جرى نبشها من المقابر الجماعية في غزة التي عثر عليها أخيراً، والتي أفادت الكشوفات بأن أصحابها، ومن بينهم أطفال، "تعرضوا للتعذيب قبل تصفيتهم". الإدارة الأميركية بلسان الخارجية والمستشار جيك سوليفان اكتفت بطلب إجراء تحقيق "كامل" في الموضوع. أي أن تقوم به إسرائيل وليس جهة مستقلة. دائما في حالات من هذا النوع تتبنى الإدارة الموقف الرمادي الذي يكفل لفلفة وتدوير زوايا جرائم إسرائيل. وهذه سياسة اعتمدتها إدارة الرئيس جو بايدن منذ البداية في التعامل مع انتهاكات ضرب المستشفيات واستباحة المدنيين وحرب التجويع. ومؤخراً، لجأت إليها في قضية التحقيق في ما إذا كانت إحدى وحدات الجيش الاسرائيلي قد انتهكت "قانون ليهي" الذي يحظر استخدام السلاح الأميركي بصورة مخالفة للقانون الدولي.
وزير الخارجية أنتوني بلينكن وعد، قبل أيام، بمتابعة هذا الموضوع للتأكد مما إذا كان قد جرى الالتزام بهذا القانون. ردا على الاستفسار، قال المستشار سوليفان: "اسألوا وزارة الخارجية عنه". وبسؤالها، قال باتيل: "لا جديد حتى الآن". تابعت هذا الموضوع مجموعة مستقلة شاركت فيها الأستاذة الجامعية نورا عريقات ومعها مسؤولون سابقون في الخارجية (مثل جوش بول) استقالوا اعتراضا على سياسة الإدارة في غزة، وخرجت بخلاصة أن الإدارة سكتت عن استخدام إسرائيل أسلحة أميركية خلافا للقانون الدولي.
وأكثر من ذلك، ذكرت شبكة "إن بي سي نيوز" أن القوات الإسرائيلية قتلت مدنيين في مناطق كان قد جرى تحديدها من جانب هذه القوات بأنها آمنة. وبالرغم من ذلك، وهو غيض من فيض، يتساءل الرئيس بايدن عن السبب الذي يدعو الطلبة الفلسطينيين في أميركا "للتصرف بهذا الشكل؟" ولا يجد تفسيرا لتحركهم ومعهم كتلة كبيرة من الطلبة الأميركيين وبعضهم يهود، إلا معاداة السامية والطلاب اليهود. مزاعم ينقضها توسع انتفاضة طلاب الجامعات الأميركية ولو أن بعض شعاراتها أو تعبيراتها، بخروجها عن الخط في لحظة انفعال، قد فسحت المجال لتوجيه هذه التهمة التي لو كانت في محلها لما انتشرت عدوى الاحتجاج بهذه الرقعة والسرعة. والعارفون في واشنطن يدركون واقع الحال وحيثياته.