مع سخونة الأحداث السياسية في ليبيا، تزداد وتيرة الحراك الإقليمي الداعم لأحد أطراف الصراع، وبدا ذلك واضحاً في تضاد مواقف أكبر جارتين لليبيا، مصر والجزائر. ففي حين باركت مصر موقف مجلس النواب الليبي من تشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، بدا واضحاً وقوف الجزائر في صف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، كما يظهر تنافس الدولتين على قيادة ملف الانتخابات في البلاد.
وكانت القاهرة قد استضافت على أرضها منتصف إبريل/نيسان الحالي سلسلة اجتماعات للجنة الدستورية المشكّلة من مجلسي النواب والدولة، برعاية أممية، وبناء على مبادرة تقدمت بها مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي ستيفاني وليامز لصياغة قاعدة دستورية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة من العام الماضي.
ويتهم المحلل السياسي مروان ذويب، القاهرة بـ"المساهمة مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في تحييد جدول أعمال الاجتماعات عن محوره الذي حددته المبادرة، وتحويله لما يخدم خريطة الطريق التي أقرها النواب، وذلك عبر مناقشة المواد الخلافية في مشروع الدستور". وفي تصريحاته لـ"العربي الجديد"، يعتقد ذويب أن "هذا ما دفع وليامز لفض الاجتماعات بعد الاتفاق على لائحة داخلية للجنة، وقبل نهاية الاجتماعات بثلاثة أيام، وقامت بتحديد يوم 10 مايو/أيار المقبل موعداً جديداً لاستكمال النقاش".
وكان رئيس حزب التغيير الليبي جمعة القماطي، قد نقل، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" عن ممثلي مجلس الدولة المشاركين في اجتماعات القاهرة، وجود تدخل مصري في أعمال الاجتماعات، قائلاً: "المؤسف أن مجلس الدولة تجاوب مع مبادرة وليامز، ليكتشف عند الوصول أن الأجندة تغيرت بتأثير مكان الاجتماع والدولة المستضيفة التي تدعم وجهة نظر مجلس النواب".
في المقابل، يعتقد الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، الدوكالي الهاين، أن وليامز "تريد الوصول لصيغة سريعة، وقد يدفع التسرع فيها لولادة مشوهة لاتفاق لا يستطيع الصمود في ظل التباين الكبير لتصورات المرحلة المقبلة من قبل الخصوم"، وهذا ما قد يدفع لتجدد الصراع، كما حدث في اتفاق جنيف الذي سرعان ما انهار، وفق رأيه.
ويعلل الهاين سبب تصرف وليامز بالقول: "هي تعلم أن منصبها مؤقت، وجاء نتيجة عدم الاتفاق على من يخلف مكان المبعوث الأممي السابق يان كوبيتش، وتريد تحقيق نصر في ملفها الشخصي قبل تعيين مبعوث جديد، خصوصاً أن هذا الأمر طرح في اجتماع مجلس الأمن المغلق يوم الثلاثاء الماضي، وسيطرح في اجتماع هذا الأسبوع قبل نهاية مهمة البعثة بنهاية إبريل الحالي".
ويبدي الهاين دعماً للموقف المصري، ويرى ضمن حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الموقف المصري ينطلق من حرص القاهرة على أمن مصر القومي، كما أن لها ثقلها في الملف الليبي، ونعرف أن مجلس النواب أكثر الأطراف المتعنتة في قبول أي توافق سياسي، ولنا أن نتساءل لولا القاهرة من يمكنه تليين مواقف عقيلة صالح وحليفه حفتر وكتلة الشرق الليبي على العموم".
وحول موقف القاهرة الحالي، خصوصاً في ملف الانتخابات، يرى الهاين أنه ينطلق من أن خريطة الطريق التي اعتمدها مجلس النواب جاءت بالتوافق بين لجنتين كُلفتا من مجلسي النواب والدولة، وقال: "بالتالي فليس من المقبول القول بوجود تدخل مصري في اجتماعات القاهرة، خصوصاً وأنها بإشراف البعثة الأممية، التي أثنت على نتائج الاجتماعات"، لافتاً إلى أن "تصريحات ممثلي مجلس الدولة تسير في ركاب مواقف الأخيرة غير الثابتة، إذ وافق على خريطة طريق مجلس النواب، ثم تحول عن هذه الموافقة ليصدر عدة مواقف ضبابية وغير مفهومة".
في مقابل الموقف المصري المائل لدعم مجلس النواب، كشفت الجمهورية الجزائرية عن موقفها الذي ظهر من خلال تأكيد رئيسها عبد المجيد تبون، أن "حكومة الوحدة الوطنية هي التي لديها الشرعية الدولية، وأن الجزائر تذهب مع الشرعية الدولية". وفي مقابلة تلفزيونية، وصف تبون التمثيل السياسي في ليبيا بـ "النسبي"، في إشارة على ما يبدو لمجلس النواب الذي يرى نفسه الجسم التشريعي الوحيد، فيما يعتبره خصومه السياسيون طرفاً سياسياً، يقابله المجلس الأعلى للدولة الممثل للطرف الآخر.
وجاءت تصريحات تبون عقب لقائه الدبيبة، خلال زيارة قام بها الأسبوع الماضي، وأُعلِن خلالها عن نية الجزائر عقد مؤتمر وزاري على مستوى الدول المنخرطة في الملف الليبي من أجل دعم الانتخابات، وهو موقف اعتبره ذويب "مضاداً تماماً ومناكفاً للدور المصري، وكفيلاً بضبط موازين المعادلة بين الطرفين لحين الوصول لانتخابات تعيد الأمر للشعب".
وكانت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا قد أُجلت لأجل غير معلوم، بعدما كانت مقررة نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، وجاء التأجيل على خلفية صراع حول قوانين الانتخابات التي صاغها مجلس النواب منفرداً بدون التوافق مع مجلس الدولة.
وفي هذا الشأن، يبدي أستاذ العلاقات السياسية الدولية والسياسات المقارنة بجامعة تكساس إبراهيم هيبة شكوكاً في إمكانية الوصول لانتخابات قريبة، ويقول لـ"العربي الجديد" إن "كل القوى السياسية ستسعى دائماً للتمسك بالسلطة، ولهذا لن تحصل انتخابات قريبة، بغض النظر عمّن يسيطر على الحكومة. ووجود حكومة جديدة مؤشر أقوى على أن الانتخابات أمر وهمي يراد به ذرّ الرماد في العيون".
ويضيف: "أي حكومة ستستلم لن تكون أولوياتها إجراء الانتخابات، وكان من المفترض توافق الليبيين على قاعدة دستورية حتى قبل توحيد الحكومة في اتفاق جنيف، وأظن أن ستيفاني وليامز أدركت ذلك أخيراً، ومبادرتها الحالية هي الفرصة الوحيدة للوصول إلى الانتخابات، ولذلك لا بد من نجاحها، وإلا فإننا سندخل منعرجات أخطر".