يردد قادة الجيش الجزائري، منذ فترة، حديثا مستمرا عن ضرورات الاستعداد للأشكال الجديدة من الحروب، خاصة ما يتعلق بالحرب الإلكترونية والافتراضية، واستحقاقات الأمن السيبراني.
وخلال إشرافه على تخرج الدفعة الـ15 للاستراتيجية العليا الحربية، مساء الخميس الماضي، قال الفريق السعيد شنڨريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، إن الجزائر "تعيش على وقع تحديات ورهانات جديدة غيرت مفهوم الأمن والدفاع، وهو ما تطلب تبني مقاربة مدروسة لتحيين التكوين الموجه للإطارات العسكرية العليا، من أجل استيعاب التحولات الطارئة في فنون الحرب وعلوم تسيير قضايا الدفاع، وفي ظل الوضع الجيوسياسي والتقدم التكنولوجي المتسارع وتوسع مجالات الصراع".
وأضاف المسؤول أن الأشكال الجديدة من الحروب تغلب عليها الحروب التكنولوجية، وقال "في خضم ما يشهده عالم اليوم من نزاعات وتجاذبات غير مسبوقة، وفي ظل التحديات الأمنية الكبرى التي تعرفها منطقتنا وفضاؤنا الإقليمي، نعيش على وقع تحديات ورهانات جديدة، زادت من تعقيداتها التطورات الهائلة التي تشهدها تكنولوجيات الإعلام والاتصال، حيث تلاشت معها كل الحدود بين الدول، وتغيّر معها مفهوم الأمن والدفاع، خاصة مع بروز ما يعرف بحروب الجيل الجديد أو الحروب الهجينة".
وواضح أن القيادات العسكرية في الجزائر تتحفز منذ ثلاث سنوات على الأقل لمواجهة تحديات تتصل بالحروب الافتراضية، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019 استحدث الجيش الجزائري مركزاً خاصاً لأنظمة المعلومات والحرب الإلكترونية، لتحضير الجيش والأجهزة الأمنية لحروب المستقبل والحروب الإلكترونية، وحرصت قيادة الجيش منذ عهد القائد الراحل أحمد قايد صالح على تطوير اهتمام الجيش الجزائري بهذا المجال الحيوي، حيث تم إنشاء قيادة عسكرية لقسم الحرب الإلكترونية والإشارة وأنظمة المعلومات.
وفي العام الذي سبق ذلك، كانت وزارة الدفاع الجزائرية قد أبرمت صفقة لشراء تجهيزات إلكترونية متطورة تعمل في مجال الكشف الافتراضي للهجمات الإلكترونية ووسائل صدها، تزامنا مع إعلان قيادة الجيش عن تطوير قدرات تتعلق بتقدير المخاطر المحدقة بالأمن والدفاع الوطنيين وتحسين طرق التخطيط والتحضير والتنفيذ، لمواجهة التهديدات الناشئة في الحقلين الواقعي والافتراضي لمسارح العمليات، وتكوين الضباط ونخبة من القيادات العسكرية على مختلف الأساليب العسكرية والأمنية، في إطار تقليدي أو غير تقليدي، "لمواجهة ما تعرف بالحروب الجديدة، ولإكساب هذه النخبة قدرات عالية للمقاومة وتكييف منظومة الدفاع والسياسات الدفاعية".
ويعتقد الباحث في الشؤون الأمنية عريبي بومدين أن انتباه قيادة الجيش الجزائري في السنوات الأخيرة إلى أهمية الاهتمام بالقدرات التقنية والتكنولوجيا العسكرية المتعلقة بالحروب الإلكترونية والافتراضية، "جاء نتيجة عاملين أساسيين، يتعلق الأول بكون هذا النوع من الحروب بات يفرض نفسه في نسق الصراعات الراهنة وما يشهده العالم من مواجهات، والعامل الثاني يخص الضرورات المحلية والتهديدات الخاصة التي تواجهها الجزائر إقليميا، خاصة مع تحول لافت في بنية التحالفات القائمة في المنطقة، وتمركز جديد للكيان الصهيوني في الجوار المغاربي، خاصة بعد اتفاقات التعاون في مجال الأمن السيبراني التي وقعها المغرب مع تل أبيب".
ويعتقد مراقبون للتطورات ذات الصلة أن الجيش الجزائري يحاول جديا استدراك نوع من التأخر النسبي في الإحاطة وامتلاك القدرات التكنولوجية للحروب الافتراضية والسيبرانية الجديدة، وهو تأخر فرضته ظروف خاصة بالجزائر، حيث كان الجيش مستغرقا لأكثر من عقد ونصف العقد في محاربة الجماعات الإرهابية، وكان المجهود الأمني والعسكري موجهاً بالأساس في هذا السياق ولتحقيق غايات إعادة استتباب الأمن والاستقرار في البلاد.