حدود ردّ إيران على استهداف قنصليتها في دمشق: موقف حرج يخضع لاعتبارات معقدة

02 ابريل 2024
دمّر الهجوم الإسرائيلي مبنى القنصلية بالكامل (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الهجوم الإسرائيلي على قنصلية إيران في دمشق أسفر عن مقتل سبعة ضباط إيرانيين، مما أثار تهديدات بالرد من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، وسط دعوات لاستهداف مقرات دبلوماسية إسرائيلية وتحذيرات من التسرع.
- تغيير في الخطاب الإيراني حيث تجنبت طهران الإشارة إلى "الزمان والمكان المناسبين" للرد، مما يعكس ربما تقييماً لخطورة الهجوم وتأثيره على السيادة الإيرانية.
- يواجه الرد الإيراني خيارات صعبة بين التصعيد المباشر أو الحفاظ على قوة الردع، مع إمكانية الاعتماد على حلفاء في المنطقة أو "حزب الله" لتوسيع نطاق النار مع إسرائيل، مستبعداً اندلاع حرب مباشرة.

كالمعتاد بعد كل هجوم إسرائيلي، ثمة ردود فعل إيرانية وتهديدات متصاعدة بالردّ على استهداف قنصلية إيران في دمشق، أمس الاثنين، والذي أودى بحياة سبعة ضباط إيرانيين، من بينهم جنرالان.

كانت طهران في أعقاب الهجمات السابقة، تحيل الردّ إلى "الزمان والمكان المناسبين"، لكن على غير العادة هذه المرة، تجنبت السلطات استخدام المصطلح الذي بات يثير انتقادات وتحفظات، وسخرية أحياناً من نشطاء محافظين من أنصار "الحرس الثوري" وقاعدته الشعبية من قوات التعبئة (الباسيج) على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام محلية.

سرّ تجنب الإيرانيين إحالة الرد إلى "الزمان والمكان المناسبين"، لعلّ مرده أن الهجوم الأخير لم يكن كسابقاته، فهو استهدف مقراً دبلوماسياً إيرانياً يمثل رمزاً للسيادة الإيرانية ودمّره بالكامل، الأمر الذي يشكل تصعيداً خطيراً من جانب الاحتلال الإسرائيلي.

تهديد رسمي

هذه المرة، صدر التهديد من أعلى هرم السلطة في إيران، حيث توعد المرشد الأعلى علي خامنئي، في رسالة نعي لمقتل العسكريين الإيرانيين في الهجوم الإسرائيلي، بمعاقبة الاحتلال، قائلاً: "الكيان الخبيث سيعاقب على يد رجالنا الأشاوس، وهم سيندمون على ارتكاب هذه الجريمة وأمثالها".

كما قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، اليوم الثلاثاء، إنّ "جريمة الكيان الصهيوني لن تبقى من دون رد".

وخلال الساعات التي أعقبت استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، والملاصق لسفارة إيران التي تضررت أيضاً نتيجة الهجوم، تعالت دعوات مشفوعة بانتقادات، للرد من خلال توجيه ضربات داخل إسرائيل، واستهداف سفاراتها في الخارج، إذ دعا البرلماني الإيراني رشيدي كوجي في منشور على موقع "إكس"، إلى استهداف "أحد المقرات الدبلوماسية للصهاينة في إحدى دول المنطقة"، قائلاً: "يفضل أن تكون أذربيجان".

كما دعا غيره إلى قصف سفارتي إسرائيل في البحرين والإمارات، في وقت دعا آخرون إلى التريث وعدم الاستعجال، لتجنب الوقوع في ما وصفوه بـ"الفخ" الإسرائيلي لجرّ إيران إلى حرب تورط الولايات المتحدة أيضاً.

كما طالب آخرون بالتصعيد نووياً، وإعلان التوجه إلى صناعة قنبلة نووية، في حين رأى بعضهم أن التهديدات مصيرها سيكون كسابقاتها، ولن تنفذ.

موقف حرج

في السياق، يقول الخبير الإيراني صلاح الدين خديو، إن هجوم أمس وضع إيران في "موقف صعب وحساس وخطير"، مؤكداً في حديثه مع "العربي الجديد"، أن إيران باتت على مفترق طرق بعد قصف قنصليتها.

ويضيف خديو أن إيران، إذا ما أرادت أن ترد مباشرة بمستوى الهجوم نفسه، فإنها ستواجه مخاطر تصاعد التوتر، ووقوع مواجهة مع إسرائيل، وربما مع أميركا أيضاً، لافتاً إلى أنه في الوقت نفسه، "إذا لم ترد إيران، فسيكون ذلك على حساب قوة ردعها، وربما نشهد وقوع المزيد من الهجمات، حتى في داخل الأراضي الإيرانية".

ويؤكد المحلل الإيراني أن تجنب الدخول في حرب مباشرة بأي شكل من الأشكال، هو جزء من الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية، مشيراً إلى أن الإيرانيين، باستثناء الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، لم يدخلوا مباشرة في أي حرب منذ الحروب الإيرانية الروسية (1826 ـ 1828) والحرب مع هرات الأفغانية منتصف القرن التاسع عشر.

ويوضح أن إيران اعتادت، في تاريخها المعاصر، على استخدام أوراقها وأدواتها بطريقة غير مباشرة ووكلائها، لتحقيق أهدافها السياسية، معتبراً أن الحرب الإيرانية العراقية حملت أيضاً درساً ذكّر طهران بالعودة إلى استراتيجيتها التقليدية بعدم الدخول في أي حرب.

وفي حين يستحضر خديو هذه الخلفية التاريخية، يصوّب على الرد الإيراني على اغتيال قائد "فيلق القدس" السابق، الجنرال قاسم سليماني، قائلاً إن الجانب الإيراني توعد بـ"انتقام صعب"، لكنه استهدف قاعدة "عين الأسد" الأميركية في العراق باعتباره جزءاً منه بطريقة راعت ملاحظات سياسية استراتيجية، ولكي لا يجلب رداً أميركياً. علماً أن طهران أعلنت حينها أنها أبلغت الجانب العراقي قبل نصف ساعة من الهجوم بنيتها استهداف "عين الأسد"، وقيل إن رئيس الوزراء العراقي آنذاك عادل عبد المهدي قد أخبر الأميركيين أيضاً بالأمر، ما دفعهم إلى اتخاذ إجراءات احترازية لمنع وقوع ضحايا في صفوف القوات الأميركية في القاعدة.

ويضيف الخبير الإيراني أن إيران ربما ترد على هجوم دمشق على طريقة الهجوم على "عين الأسد" الأميركية، لكنه في الوقت ذاته، ينبّه إلى أن هذا المستوى من الرد لن يرضي أنصار الحكومة، حتى المنتقدين لها من القوميين الإيرانيين.

ويعبّر خديو في حديثه مع "العربي الجديد" عن قناعته بأن إيران على الأغلب لن تقوم برد بمستوى هجوم دمشق نفسه، قائلاً إن طهران ربما ترد من خلال جماعات حليفة لها في المنطقة أو من خلال توسيع "حزب الله" نطاق النار مع إسرائيل.

إجمالاً، يستبعد الخبير خديو أن يؤدي الرد الإيراني، أياً كانت طبيعته، إلى اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل.

المساهمون