حالة صدمة وقلق في الشارع اللبناني بعد اغتيال حسن نصر الله

28 سبتمبر 2024
أنصار نصر الله يرفعون صورته في بيروت بعد إعلان اغتياله، 28 سبتمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

صدمة كبيرة يعيشها الشارع اللبناني بعد إعلان حزب الله استشهاد أمينه العام حسن نصر الله في الغارات الإسرائيلية التي استهدفت، أمس الجمعة، الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث نزل الخبر كالصاعقة على المواطنين، سواء الموالون أو المعارضون له، الذين يعتبرون أنّ ما حصل حدث أمني وسياسي كبير، سيرسم مرحلة جديدة في لبنان والمنطقة وحتماً ضبابية، وأنّ ما قبل 27 سبتمبر/ أيلول لن يكون كما بعده.

وتشهد الساحة اللبنانية حالة من الغضب والقلق بعد استشهاد نصر الله، خصوصاً أنّ غارات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت متواصلة على المنازل والمدنيين في عددٍ كبيرٍ من المناطق في الجنوب والبقاع وبيروت التي نزح منها عشرات الآلاف خصوصاً في ساعات الليل، والكثير منهم افترشوا الأرض في ظلّ عجز الدولة عن تأمين مراكز إيواء للجميع بالسرعة المطلوبة، خصوصاً أنّ حجم القصف أمس على الضاحية، والذي اعتبر الأعنف منذ فتح جبهة الإسناد اللبنانية وحتى منذ حرب تموز 2006، لم يكن بالحسبان.

في 19 سبتمبر الجاري، كانت إطلالة حسن نصر الله الأخيرة للحديث عن التطورات الأخيرة المرتبطة بموجتي تفجير أجهزة الاتصالات. يومها، أقرّ الأمين العام بأننا "تعرضنا لضربة كبيرة أمنية غير مسبوقة في تاريخ المقاومة". حينها أيضاً، لم يتمكّن حتى من الظهور بالشكل القوي المتماسك المهدّد المعتاد، هو الذي يُعرف بلهجته الحادة، ونبرته العالية، فكانت ملامح الصدمة والحزن واضحة على وجهه وصوته، خصوصاً في ظلّ ما خلفته المجزرتان من شهداء عدا حجم الخرق في صفوفه، وهو ما لمّح إليه بقوله بشكل صريح: "إننا سنحتفظ بالحساب (الرد على إسرائيل) لأنفسنا وفي أضيق دائرة حتى في أنفسنا".

يومها أيضاً، ختم نصر الله كلمته بالقول "الأيام والليالي والأسابيع والشهور وقد تكون السنوات، هذه معركة كبيرة وطويلة مع هذا الكيان، ولكن أفقها ونهايتها واضحان، يراها المجاهدون والمؤمنون والصابرون والمحتسبون والجرحى، ويشهد عليها اليوم الشهداء من عليائهم".

أنصار حسن نصر الله: المقاومة فكرة لن تموت

"المقاومة فكرة، والفكرة لا تموت"، بهذه الكلمات عبرت أوساط حزب الله التي لم تستوعب بعد الخسارة. وأكدت أنّ "المقاومة باقية ولن تموت، وستنتصر على إسرائيل، ولن تهزمها مهما طال الزمن وطالت المواجهة"، مضيفةً: "لا شك، من الصعب أن يملأ أحد مكان نصر الله، هذه الشخصية القيادية المقاومة والاستثنائية التي سيذكرها التاريخ، لكن المقاومة ستستمرّ، على فكره ومبادئه ومسيرته، وستتوارثها الأجيال، والشهادة انتصار وفخر، خصوصاً في سبيل القضية، وعلى طريق القدس".

فضلت الأوساط ذاتها عدم الدخول في من سيخلف نصر الله، خصوصاً أنّ عمليات رفع الأنقاض لا تزال مستمرة في مكان الاستهداف في الضاحية الجنوبية لبيروت، والبحث جار عن مفقودين، كما لم يُعلَن عن هوية القياديين والعناصر الذين كانوا معه أثناء الغارات الإسرائيلية، واكتفت بالقول: "سيعلن كل شيء في وقته، لكن الأكيد أن عمليات المقاومة نصرة لغزة ودفاعاً عن لبنان وشعبه ضد مواقع وتجمعات جيش الاحتلال ستستمرّ وبقوّة، ولن تتوقف، والجبهة مستمرّة".

وتستعين أوساط حزب الله بقول المرشد الإيراني علي خامنئي إن "المُنتصر في هذه المعركة هو الطرف المجاهد في سبيل الله. مقاومة فلسطين منتصرة، وحزب الله منتصر". ويحظى حسن نصر الله بشعبية واسعة سواء في لبنان أو دول عربية وغربية، ويُعدّ من الشخصيات السياسية البارزة التي رغم الانقسام حولها ومعارضتها من الداخل والخارج، بيد أنها مكّنت الحزب أكثر من دخول الميدان السياسي، النيابي والحكومي، إلى جانب العسكري.

ولم يكن أحد في لبنان أو العالم يتوقع أن تصل إسرائيل إلى نصر الله وتغتاله بهذا الشكل، ما يجعلهم يضعون علامات استفهام حول "ضوء أخضر" أعطي "لتصفيته" بهذا التوقيت، أو تركه وحيداً في المعركة وخرق في صفوفه، خصوصاً أنّ إعلام الاحتلال تحدث عما أسماها بـ"المعلومة الذهبية" التي وصلت إلى إسرائيل، وعلى أساسها استُهدف المقرّ في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وتظل الشكوك بشأن كيفية معرفة الاحتلال مكانه لا سيما في ظلّ الإجراءات التي اتخذت عقب تفجيرات أجهزة الاتصال والعدوان على الضاحية الجنوبية واغتيال قادة بارزين في حزب الله، باعتبار أن لا أحد كان يعرف المكان الذي يوجد فيه، فوق الأرض أو تحتها. ومنذ حرب يوليو/تموز 2006 بشكل خاص، قلّل حسن نصر الله كثيراً من إطلالاته المباشرة أمام أنصاره، فهو غالباً ما يخاطبهم عبر شاشة عملاقة حيث يشاهده من الساحات والمجالس السياسيون والأمنيون والموالون لحزبه.

وقال حزب الله في بيان النعي إنّ "نصر الله التحق برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحو ثلاثين عاماً، قادهم فيها من نصر إلى نصر مستخلفاً سيد شهداء المقاومة الإسلامية عام 1992 حتى تحرير لبنان 2000، وإلى النصر الإلهي المؤزر 2006 وسائر معارك الشرف والفداء، وصولاً إلى معركة الإسناد والبطولة دعمًا لفلسطين وغزة والشعب الفلسطيني المظلوم".

حزب الله بين المسيرة السياسية والعسكرية

انضم نصر الله إلى حركة أمل (يرأسها الآن نبيه بري، رئيس البرلمان)، خلال دراسته الثانوية، وتدرج بالمناصب حتى أصبح عضواً في المكتب السياسي للحركة عام 1979، قبل أن ينشق مع مجموعة من الشخصيات في عام 1982 عنها ويُؤسَّس حزب الله، الذي تولى فيه مهمة التعبئة وإنشاء الخلايا العسكرية. وعام 1985، تولى نصر الله منصب نائب مسؤول المنطقة في بيروت، ثم المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات مجلس الشورى، إلى أن تولى منصب الأمين العام في 16 فبراير/شباط 1992، بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في هجوم إسرائيلي. وتمكن خلال مسيرته من تدعيم ترسانة وقدرات حزب الله العسكرية، وقد حظي بدعم إيراني كبير من حيث المال والسلاح، ليصبح الأكثر تهديداً للاحتلال الإسرائيلي، والجهة القادرة على إلحاق الأذى به.

وعلى الرغم من أن جميع الأحزاب في لبنان سلّمت سلاحها بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990)، إلا أنّ حزب الله بقي الجماعة الوحيدة المسلحة إلى جانب الجيش اللبناني، فاعتبر قوة غير شرعية من قبل معارضيه، بينما تمسّك هو بترسانته لمقاومة إسرائيل وتحرير الأراضي اللبنانية، وقد خاض بوجهها العديد من الحروب على مرّ السنين، آخرها عام 2006، قبل فتحه في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي جبهة لبنان إسناداً لغزة.

وتمكّن حزب الله مع حسن نصر الله من دفع الاحتلال إلى الانسحاب من لبنان عام 2000 بعد احتلال استمرّ أكثر من عشرين عاماً، الأمر الذي رفع من شعبيته لبنانياً وعربياً، وجعله من القادة الذين وقفوا بوجه إسرائيل وألحقوا بها الهزائم، بيد أن السياسة التي اتبعها داخلياً وسّعت دائرة معارضيه، الذين يتهمونه بأن مرجعيته هي "ولاية الفقيه" وليس لبنان، وأنه يخدم المصالح الإيرانية لا اللبنانية، كما أنه يتحكّم بقرار السلم والحرب متجاوزاً الدولة اللبنانية، وهي من الاتهامات التي طاولته أخيراً بفتحه جبهة الإسناد.

حزب الله الذي لم تقتصر مشاركته على الميدان العسكري، وكان له "جناح سياسي" داخل الحكومة عبر حصة من الوزراء، إلى جانب كتلة نيابية وازنة في البرلمان باسم "الوفاء للمقاومة"، تعرّض أيضاً لمعارضة واسعة لبنانياً، في ظلّ اتهامه بفرض الرؤساء مع إيران وحليفته سورية، وتعطيله البلاد لسنين حتى إيصال الشخصية التي يريدها ويشترط فيها ألا تطعن ظهر المقاومة، وهو الحاصل اليوم رئاسياً مع تمسّكه برئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

تراجع الشعبية والإسناد

كذلك، تراجعت شعبية حزب الله وأمينه العام في ظلّ الاغتيالات الواسعة التي طاولت لبنان، وعلى رأسها اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، إذ أشارت أصابع الاتهام إلى الحزب، وصدر قرار دولي يدين مناصرين تابعين له بهذا الشأن، وقد سرت أنباء عن أنه يقوم بحمايتهم ويمتنع عن تسليمهم، كذلك اتهامه من قبل قسم من اللبنانيين، ولا سيما معارضيه، بمسؤوليته عن تخزين النيترات التي انفجرت في مرفأ بيروت.

ومن أسباب تراجع شعبية حزب الله "المعاقب أميركياً ودولياً" أيضاً، منطق القوة الذي كان يُفرض سواء على بيئته الشيعية لا سيما في فترة الانتخابات النيابية، أو من قبل حزبه ومناصريه خصوصاً بوجه مخالفي الرأي ومعارضيه في الشارع اللبناني وفي التظاهرات، حيث دائماً ما كان شبان محسوبون عليه يتعرّضون للمتظاهرين بالضرب والاعتداء، آخرها في انتفاضة أكتوبر 2019.

كذلك، تعرّض نصر الله لانتقادات كبيرة لمساندته نظام بشار الأسد في سورية، وهذا ما وسّع دائرة معارضيه في لبنان والخارج، واتهامه بارتكاب جرائم بحق السوريين، عدا عن الانتقادات التي طاولته أيضاً لسياسة الهجوم التي كان ينتهجها ضد دول عربية، لا سيما الخليجية منها على رأسها السعودية، ما عرّض العلاقات بينها ولبنان الرسمي للكثير من الاهتزاز وحتى القطع، إلى جانب انتقادات واتهامات تطاوله بوضع يده على مرافئ الدولة، ومؤسساتها، ومعابرها، لا سيما غير الشرعية. وعلى الرغم من معارضة داخلية لفتح حسن نصر الله جبهة إسناد غزة في 8 أكتوبر، إلا أنّ وقوفه بوجه الاحتلال الإسرائيلي وإلى جانب الشعب الفلسطيني أعاد بعضاً من شعبيته لبنانياً وعربياً، خصوصاً بعدما تخلت دول عدة عن فلسطين.