على الرغم من الغموض الذي يكتنف حادثة مقتل ثمانية عسكريين مصريين داخل مقر الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، حسب المعلن حتى الآن، إلا أن ما تسرب عنها كان كافياً لإثارة القلق في سيناء مجدداً، سواء كان ذلك على صعيد قوى الأمن أو المواطنين، بعد أن شهدت المدينة، خلال الأسابيع الماضية، الكثير من الأنشطة الترفيهية والإعلامية الهادفة لاستجلاب السياحة الداخلية إلى شمال سيناء، وللتأكيد على تحسن الوضع الأمني فيها.
موقوفون أطلقوا النار
وفي تفاصيل الحادثة، قالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن عدداً من الموقوفين في زنازين مقر الأمن الوطني، تمكنوا، الأحد الماضي، من الوصول إلى غرفة السلاح في المقر، وبدأوا بإطلاق النار في ممراته، ومن ثم صعدوا إلى سطحه واستخدموا سلاحاً ثقيلاً وأطلقوا النار على ساحة المقر، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الإصابات في صفوف الأمن.
مصادر محلية: الاشتباك استمر لأكثر من 6 ساعات داخل المقر
وأوضحت المصادر أن مقر الأمن الوطني يقع داخل "المنطقة الخضراء"، وهي من أكثر المناطق تحصيناً في شمال سيناء، ويصعب الوصول إليها.
وأضافت أنه بالتزامن مع الحدث انقطعت خدمات الإنترنت عن غالبية مناطق شمال سيناء، للحفاظ على عدم تسرب المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما دوت أصوات الرصاص في "المنطقة الخضراء"، فيما بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى المحافظة، خصوصاً في موسم الصيف الحالي، بقدوم مئات المصريين من المحافظات الأخرى لقضاء الإجازة في العريش، وحضور مجموعة فنية وترفيهية.
وأشارت المصادر إلى أن الاشتباك استمر لأكثر من 6 ساعات متواصلة داخل المقر، حتى تطلب الأمر استدعاء قوات أمنية من المقار الملاصقة لمقر الأمن الوطني، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوفها، ومن ضمن ذلك مقتل عقيد في القوات الخاصة بوزارة الداخلية، وعدد من المعاونين في جهاز الشرطة.
وأكدت المصادر وجود تكتم كبير على العدد الحقيقي للضحايا والمصابين، وكذلك على عدد المهاجمين للمقر، ومصيرهم بعد انتهاء الاشتباكات وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً.
30 عسكرياً بين قتيل وجريح
وحول خسائر الحادثة، قالت مصادر عسكرية طبية، إنّ عدد ضحايا الهجوم المسلح على مقر مبنى الأمن الوطني بلغ أكثر من 30 عسكرياً، بين قتيل وجريح، ويشمل ذلك عددا من الضباط برتب رفيعة.
وأوضحت أن القتلى هم عقيد أمن مركزي عمليات خاصة محمد مؤنس، وأمينا شرطة في الأمن الوطني محمد عبدالله، ووحيد أبو المكارم، ومعاونا شرطة أمن مركزي محمد عبدالمطلب عبدالرؤوف ومحمد صلاح شامه، وأمين شرطة أمن وطني محمد صالح محمد هلالي، وجندي أمن وطني محمد أبو العينين عطالله، وجندي أمن وطني عبدالرحمن محمد عبد الظاهر.
أما المصابون، فهم رائد أمن مركزي أحمد السيد أبو المعاطي، والرائد محمد مدحت محمد، والنقيب في الأمن المركزي أحمد عبدالرحمن إبراهيم، والنقيب في مكافحة الإرهاب محمد محمود جعفر، ومعاون أمن وطني هاني محمد فهيم، والمجند في قوات الأمن محمد منصور السيد، ومقدم أمن مركزي حسن حسين بكر، ومقدم أمن مركزي محمد صبري.
مختص بشؤون سيناء: الحديث عن هجوم من الداخل يعني وجود ثغرات أمنية
كما أصيب معاون أمن وطني عاطف فؤاد سيد، والمعاونون ياسر فاروق زكي ومصطفى محمد تسن وأحمد إبراهيم أحمد، وعميد أمن مركزي محمد أحمد الشامي، وعقيد أمن مركزي أحمد يحيى صابر، ومعاون شرطة كريم صابر شوقي، والمعاون مصطفى شحاته، والمجند محمود أحمد إبراهيم، والمجند أحمد سعد محمد، والمجند محمود علي محمد، والمعاون شريف أشرف فهيم، والمجند السيد محمد السيد، بالإضافة إلى مجند مجهول الهوية.
رواية الأمن
وكان مصدر أمني قد كشف، لـ"العربي الجديد"، الأحد الماضي، أن المقر تعرض لهجوم من قبل مسلحين، أسفر عن مقتل ضابط شرطة من القوات الخاصة (قبل أن ترتفع الحصيلة)، وإصابة 6 آخرين بإصابات خطيرة، نقلوا على أثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وبحسب المصدر، فإن العقيد محمد مؤنس مأمون، من قوات العمليات الخاصة (وهو أحد القتلى) سبق أن خدم في قوات حفظ السلام في السودان، وهو خريج كلية الشرطة دفعة 2001، موضحاً أن قوات أمنية من الجيش والشرطة وصلت إلى مكان الهجوم المسلح، وأخذت تسجيلات الكاميرات للوقوف على حيثيات الهجوم، كما جرت الاستعانة بطائرات لتمشيط المكان وتتبع المسلحين.
وقال أحد المختصين في شؤون سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن الحديث عن الهجوم من الداخل يعني وجود ثغرات أمنية في أشد المناطق تحصيناً في سيناء، وكذلك في أحد أهم المقرات الأمنية فيها.
وأشار إلى أن الثغرات الأمنية تشمل عدم تأمين الموقوفين بشكل جيد، وعدم تأمين غرفة السلاح، وضمان عدم الوصول إليها من أي شخص خارج دائرة العمل، مضيفاً أن من ضمن الأسباب التي دفعت الأمن لتقديم هذه الرواية، إمكانية وجود شخص أو أشخاص ساعدوا الموقوفين على التحرك والتنقل داخل المقر، واستخدام السلاح بهذا الشكل.
ولم تعلق أي جهة أمنية مصرية على الحادثة بشكل رسمي، ما يزيد الشكوك حول طبيعة ما جرى. كما أن تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، لم يعلّق على الهجوم، رغم أن التنظيم بات غير نشط في محافظة شمال سيناء، منذ العملية العسكرية الواسعة التي خاضها الأمن المصري، وبمعاونة ذات ثقل من القبائل في سيناء، والتي أدت في نهاية المطاف لطرد التنظيم من معاقله في مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد وغرب ووسط سيناء أيضاً.