لم يرافق الحاخام الأكبر ليهود فرنسا حاييم كورسيا الوفد الرسمي المرافق للرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته للجزائر، وهو ما فتح المجال للتساؤل عما إذا ما كان السبب تصريحاته الأخيرة التي اعتبر فيها زيارته المفترضة إلى الجزائر بوابة للسماح بعودة يهود الجزائر لزيارة البلاد، وفي خضم مواقف سياسية رافضة في الجزائر لحضوره بسبب مواقفه المؤيدة للصهيونية.
أم أن السبب، كما أعلن في العاصمة الفرنسية باريس، أن رئيس الجالية اليهودية في فرنسا والحاخام الأكبر سيتعذر عليه الحضور إلى الجزائر ضمن وفد ماكرون بسبب إصابته بفيروس كورونا.
من جانبها، قالت مصادر من الوفد الرسمي المرافق للرئيس ماكرون لـ"العربي الجديد"، إن "هذا مخرج لجأت إليه باريس لتبرير غياب حاييم كورسيا عن الوفد، تجنبا لمزيد من التشويش على الزيارة، وعدم تحويل النقاش والهدف من الزيارة عن الأهداف المرسومة".
وحملت لائحة الوفد التي تم توزيعها على الصحافيين شخصيتان دينيتان فقط، هما غالب بن شيخ، رئيس مؤسسة "الإسلام في فرنسا"، وقس الجزائر جون بول فيسكو.
ولم تعلق السلطات الرسمية في الجزائر على القضية، لكن مصادر جزائرية مسؤولة تحدث إليها لـ"العربي الجديد"، ذكرت أن "الرئاسة الجزائرية ربما تكون قد طلبت حذف اسم الحاخام من قائمة المشاركين واعتباره شخصا غير مرغوب في حضوره".
وأشارت المصادر، التي فضلت عدم ذكر هويتها، إلى أن "الحاخام كان قد حصل، الثلاثاء الماضي، على التأشيرة فعلا، لكن السلطات الجزائرية أعادت تقدير الموقف، واعتبرت أن حضوره سيشكل عبئا كبيرا على الزيارة ويلقي بكل الضوء على ذلك، خاصة بعد تصريحاته الأخيرة".
ويعتقد أن تصريحات كورسيا (له أصول في الجزائر، يتحدر والده من مدينة وهران، ووالدته من تلمسان، أقصى غربي الجزائر) الأخيرة التي عبر فيها عن "أمله في أن تكون هذه الزيارة بداية لتسمح السلطات الجزائرية ليهود الجزائر بزيارة البلاد التي ولدوا فيها"، ربما تكون سببا في تحييده من المشاركة في الوفد الرسمي، وخاصة أنها أثارت مواقف سياسية من أحزاب وتنظيمات رافضة لوجوده في الجزائر بسبب مواقفه المؤيدة للصهيونية ودفاعه عن الممارسات الدامية لدولة الاحتلال.
وكانت حركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية والمعارضة في الجزائر، قد دانت حضور الحاخام كورسيا إلى الجزائر، وأكد بيان للحركة، صدر مساء أمس، أنها "تنبِّه إلى خطورة مرافقة رجل الدِّين الحاخام اليهودي الداعم للصهيونية من استغلال مثل هذه الزيارات الديبلوماسية من دولةٍ تدَّعي اللائكية، والمكر في التوظيف السياسي لها، ومحاولات الاختراق الخطير في موضوع التطبيع، والذي تلعب فيه فرنسا دور الأداة الراعية والحامية له".
واعتبرت أن "تصريحات هذا الحاخام عشية زيارته للجزائر هي تصريحات استفزازية خطيرة، تمسُّ بالموقف الرسمي الجزائري ضدَّ التطبيع، تقتضي الرَّد عليه، ومنعه من دخول الجزائر".
وفي السياق نفسه، عبرت الحركة الديمقراطية الاجتماعية (حزب يساري)، عن رفضها لمشاركة كورسيا في الزيارة بسبب دعمه للاحتلال الصهيوني.
وأكد رئيس الحركة فتحي غراس، في منشور له، أن "زيارة كبير حاخامات فرنسا المعروف بمواقفه المؤيدة للدولة الاستيطانية الصهيونية وللجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، طريقة ملتوية لإقحام دولة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية في النقاش العام في الجزائر، والواقعية السياسية تفرض أن تحافظ الجزائر على سمعتها الثورية من التدنيس، لأن أكبر سلاح تملكه الجزائر للتأثير على الشعوب لصناعة دور عالمي لها، هو تاريخها التحرري".
وتبدي الجزائر تشددا لافتا في رفض استقبال وزيارة أي من الشخصيات الاعتبارية المؤيدة للصهيونية، حيث كانت قد رفضت محاولات حثيثة للمغني اليهودي الفرنسي إنريكو ماسياس (ولد في قسنطينة، شرقي الجزائر) زيارة البلاد عام 2005، بسبب مواقفه المؤيدة للكيان الصهيوني ووصفه لقوى المقاومة بالإرهاب، بينما لم تمانع في استقبال رجال دين يهود غير متصهينين في مؤتمر دولي حول الأسرى عقد في الجزائر عام 2012، وقبلها السماح بإقامة شعائر دينية يهودية على جنازة الممثل الفرنسي روجي حنين، الذي دفن في الجزائر.
تبدي الجزائر تشدداً لافتاً في رفض استقبال وزيارة أي من الشخصيات الاعتبارية المؤيدة للصهيونية
وقال المحلل السياسي عمار سيغة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، تعليقا على تحييد الحاخام الأكبر من الوفد المرافق لماكرون، إن "الجزائر تفرق كثيرا بين ما هو ديني عقائدي وما هو عنصري استعماري تمتاز به الصهيونية القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وأضاف سيغة أن الجزائر "تحافظ دوما على علاقاتها مع المؤسسات الدينية في العالم، في إطار المبادئ الإسلامية السمحة وضمن علاقتها بالديانات السماوية، والجزائر تدرك جيدا هذه الاعتبارات والالتزامات، لكنها تتشدد أيضا في الحفاظ دوما على مبادئها الراسخة في دعم القضايا التحررية العادلة".