عشية انعقاد جلسة الغرفة القضائية المختصة بتحريك الدعوى الجنائية ضد الضباط المصريين الأربعة المتهمين بقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، غداً الثلاثاء، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، أن المحامين الذين تمّ التعاقد معهم من قبل السفارة المصرية في روما لتمثيل الضباط، يستعدون للتعامل مع القضية على مسارين مختلفين. يتمحور المسار الأول حول محاولة الإرجاء لأطول فترة ممكنة من دون صدور قرار ببدء المحاكمة الغيابية الفعلية التي قد يترتب عليها الأمر بالقبض عليهم.
أما المسار الثاني فيتعلق بتقديم مذكرات مستقاة من ملفات التحقيقات المصرية التي قُدمت منذ نحو عامين، للسلطات القضائية الإيطالية، لإضفاء شكوك، ليس على حدث الخطف والتعذيب والقتل نفسه، بل على الاتصالات والأنشطة والعلاقات التي كان ريجيني منخرطاً فيها خلال وجوده في القاهرة. وستعقد جلسة استماع للادعاء العام في بداية نظر تحريك الدعوى ضد الضباط المصريين، غداً، بعد تأجيلها في نهاية الشهر الماضي، بسبب تقديم أحد المحامين من المكتب الذي تعاقدت معه السفارة المصرية للدفاع عن الضباط الأربعة ما يثبت أنه مصاب بفيروس كورونا، وعدم قدرته على مباشرة الجلسة.
لامت إيطاليا مصر على نشر فيلم وثائقي يناقض رواية روما
وذكرت المصادر أن السفارة المصرية في روما رفعت تقريراً إلى ديوان الخارجية في القاهرة يحمل لوماً شديداً لخطوة نشر الفيلم الوثائقي المصري، الذي أعدته المخابرات العامة ونشرته على موقع "يوتيوب" بعنوان "قصة ريجيني"، الذي يتبنّى سردية مغايرة للوقائع التي تستقر عليها التحقيقات الإيطالية. ويروج فكرة المؤامرة وتعرّض ريجيني للخطف والقتل مطلع عام 2016 على يد جهة معادية للدولة المصرية، من دون إفصاح عن هوية صانعي الفيلم ومنتجيه، غير أنه تم إغلاق القناة التي نشرته لاحقاً وحُذف الفيلم من "يوتيوب"، بالتزامن مع عرضه على قناة الإعلامي نشأت الديهي الموالي للنظام.
وأوضحت المصادر أن السفارة المصرية رصدت تصاعد الغضب الشديد في أوساط النواب والسياسيين الإيطاليين خلال الأسبوعين الماضيين بسبب تلك الخطوة، بما يعرقل الخطوات التي يحاول بها الدبلوماسيون إعادة بناء جسور الثقة مع النخبة السياسية الإيطالية الجديدة، التي رسخت سيطرتها في تشكيل حكومة ماريو دراغي، بقيادة وزير الخارجية لويجي دي مايو والأحزاب الموالية لحركته "النجوم الخمس" والتي تؤيد المضي قدماً في المحاكمة الجادة للمتهمين بقتل ريجيني.
وذكرت المصادر أن بعض الشخصيات الإيطالية التي ظهرت في الفيلم الوثائقي المصري، قد تحدثت للنواب ووسائل الإعلام المحلية بأنهم وقعوا ضحية "تلاعب من صناع الفيلم"، إذ تم إيهام بعضهم بأن الفيلم يسجل لمصلحة قنوات فضائية عربية معروفة، من بينها "الجزيرة". ولكن ما حدث أنه قد تم اجتزاء كلامهم، خصوصاً ما يتعلق بقوة العلاقات الاقتصادية والعسكرية المصرية الإيطالية، لتوضع في سياق ادعاء تجاوز البلدين لأزمة ريجيني. وبينما انتقد رئيس مجلس النواب الإيطالي روبرتو فيكو الفيلم الذي بلغت مدته 51 دقيقة، وصفه أخيراً النائب اليساري إيراسمو بالازوتو، رئيس لجنة التحقيق البرلمانية، بأنه "عمل حقير".
التقى رئيس الحكومة الإيطالية والدَي ريجيني معلناً دعم حكومته لهما
ورغم امتناع أعضاء الحكومة عن التعقيب، فإن رئيس الوزراء دراغي، الذي لم يتواصل بعد مباشرة بأي مسؤول مصري منذ توليه السلطة في فبراير/شباط الماضي، استبق جلسة التحقيق بلقاء منذ ثلاثة أيام بوالدي ريجيني، وأعلن دعم حكومته لهما. والضباط الأربعة المتهمون بقتل ريجيني هم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبدالعال شريف. وبحسب القانون الإيطالي يمكنهم جميعا مخاطبة الادعاء العام لنفي الوقائع، كما يمكنهم المطالبة بالمثول أمام الادعاء للإدلاء بأقوالهم. وصابر، أصبح حالياً مساعد وزير الداخلية للأحوال المدنية، وكان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر.
أمّا كمال، الذي كان يعمل رئيساً لمباحث المرافق في العاصمة، وتوجد دلائل على أنه هو الذي أشرف على رسم خطة تعقّب ريجيني في إطار التنسيق بين الأمن الوطني والأمن العام، وقد تمّ نقله بعد الحادث بأشهر عدة للعمل بمحافظة أخرى. وبالنسبة إلى شريف فقد سبق ونشر ادعاء روما اسماً رباعياً تقريبياً له هو "مجدي إبراهيم عبدالعال شريف"، وهو الضابط الذي أبلغ عنه ضابط أفريقي بأنه سمع منه حديثاً عفوياً أثناء تدريب للضباط الأفارقة في كينيا عام 2017، اعترف فيه بتورطه في قتل ريجيني.