جوزيب بوريل والخطاب حول غزة... كبير الدبلوماسيين الأوروبيين لا يغرّد خارج السرب

19 مارس 2024
بوريل أمام مقر الاتحاد في بروكسل، أمس (كنزو تريبويار/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- جوزيب بوريل، مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، يعبر عن مواقف متباينة تجاه الحرب على غزة، موجهًا انتقادات لـ"حماس" ومظهرًا دعمًا للفلسطينيين، ما يعكس انقسامًا داخل الاتحاد الأوروبي.
- يضغط بوريل لاتخاذ القمة الأوروبية موقفًا حازمًا ضد إسرائيل، مشددًا على الحاجة لهدنة إنسانية ووصول المساعدات لغزة، ويسلط الضوء على الوضع الإنساني الكارثي.
- ينتقد بوريل ازدواجية المعايير الأوروبية ويطالب بتحقيق دولي في انتهاكات غزة، مؤكدًا على أهمية حل سياسي للصراع ودعم إقامة دولة فلسطينية لتجنب تداعيات سلبية على العلاقات الدولية.

لم يعد يمرّ يوم، دون أن يدلي مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بدلوه، حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ورغم مواقفه العديدة التي أظهرت ازدواجية المعايير الغربية، بعدما أدان هجوم حركة "حماس" على مستوطنات غلاف غزة واعتبره "جريمة حرب"، رافضاً بمقابلة مع قناة "الجزيرة" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اتهام جيش الاحتلال بارتكاب جرائم حرب في غزة، إلا أن بوريل اتخذ سلسلة من المواقف الجريئة نسبياً دعماً للفلسطينيين، والتي تنمّ بشكل أو بآخر عن إدراك للمصلحة الأوروبية على المدى البعيد، حيث يسود انقسام واضح بين صنّاع القرار في الاتحاد حول الحرب وأفقها وطبيعة الاصطفافات، في وقت لم تعد المجازر التي ترتكبها إسرائيل في القطاع، تسمح حتى لأكثر صقور السياسة في الغرب بالصمت.

جوزيب بوريل يبتعد عن "انحياز" فون ديرلاين

وليس بوريل، صاحب مقولة "أوروبا هي الحديقة وبقية العالم هي الغابة"، والذي حذّر في خريف 2022 من أن "تغزو الأدغال أوروبا"، والتي حملت دلالات عنصرية، وحيداً في القارة الذي يطلق مواقف من خارج الإجماع شبه التام الغربي لإسرائيل، إذ تنسجم مواقفه بشكل أو بآخر مع موقف بلده إسبانيا، ويتقارب من رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار. وهو يبدو في ذلك حالة أوروبية "شاذة" على المستوى الرسمي، مقارنة برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين المنحازة بالكامل لدولة الاحتلال.

سيبحث قادة أوروبا الوضع بغزة في قمتهم هذا الأسبوع

وكثّف بوريل أخيراً مع اقتراب موعد القمّة الأوروبية في بروكسل (يومي الخميس والجمعة المقبلين)، ضغطه على إسرائيل. ومن المتوقع أن تتبنى القمّة لغة أكثر حزماً نسبياً تجاه دولة الاحتلال، لكنها تبقى أدنى بكثير من المطلوب فلسطينياً. وبحسب موقع "بوليتيكو" فإن قادة أوروبا يخطّطون للدعوة إلى "هدنة إنسانية فورية في غزة تقود إلى وقف دائم للنار"، مجددين إدانتهم لـ"هجمات حماس الإرهابية والوحشية"، وتأكيدهم على "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها بانسجام مع القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي"، فضلاً عن الدعوة إلى "إطلاق سراح جميع الرهائن دون شروط". لكنهم سيعبرون عن قلقهم من "الوضع الإنساني الكارثي في غزة، وخطر المجاعة الكبير"، مشددين على أهمية "وصول سريع وآمن ومن دون عوائق للمساعدات إلى القطاع".

ويعدّ ذلك أقلّ مما يطالب به بوريل، وفق تصريحاته الرسمية، بعدما عبّر عن خشيته من اتهام أوروبا باعتماد ازدواجية المعايير، نظراً لموقفها المتشدد من الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويطلق مفوض السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل مواقف متصاعدة منذ بداية الحرب، تعتبر معارضة لحكومة الاحتلال، وبعضها يذهب لانتقاد سياسة واشنطن تجاه الأزمة.

ورأى بوريل، أمس الاثنين، أن إسرائيل تتسبب في حدوث مجاعة في غزة وتستخدم التجويع سلاحاً في الحرب. وقال في افتتاح مؤتمر بشأن المساعدات الإنسانية لغزة في بروكسل: "لم نعد على شفا المجاعة، نحن في حالة مجاعة يعاني منها آلاف الأشخاص"، مضيفاً أن الأمر "غير مقبول أن تستخدم المجاعة سلاح حرب، إسرائيل تتسبب في المجاعة" في قطاع غزة الذي وصفه بأنه أكبر سجن مفتوح في العالم.

وردّد بوريل كلاماً مشابهاً في 13 مارس/آذار أمام مجلس الأمن، داعياً إياه إلى إصدار قرار يؤيد حلّ الدولتين. ويوم الجمعة الماضي، قال بوريل إن هناك أدلة على منع إسرائيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة. وفي 14 مارس، قال إن إسرائيل هي الجهة التي تعيق دخول المساعدات لغزة. ورأى أنه "علينا فعل أكثر من الحزن". وفي 12 مارس، قال إن غزة تعيش "أزمة إنسانية من صنع البشر". وفي 2 مارس، طالب بالتوصل إلى هدنة، داعياً لتحقيق دولي محايد في مجزرة النابلسي التي استشهد فيها 117 فلسطينيا برصاص الاحتلال أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية.

وفي 19 فبراير/شباط الماضي، حذّر جوزيب بوريل من هجوم على رفح، وقال إنه يجب "الانتقال إلى حل سياسي". وفي 23 يناير/كانون الثاني، اعتبر أنه "لا مجال لأن يكون لإسرائيل حق النقض في أن تكون هناك دولة للفلسطينيين". وفي 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، انتقد بوريل "تكتيكات إسرائيل العسكرية" في جنوبي القطاع، التي رأى أنها أسوأ مما اعتمدته شمالي القطاع. وقال بوريل إن نسبة تدمير المنازل في غزة أعلى من تلك التي شهدتها المدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، كما رفض أن تدير غزة بعد الحرب أي جهة غير السلطة الفلسطينية.

حذّر بوريل من الهجوم على رفح ودعا إلى حلّ سياسي

تبادل أدوار بين الحمائم والصقور

واتهم بوريل، فون ديرلاين، بـ"الانحياز التام" لإسرائيل، ورأى أنها "باتخاذها موقفاً حازماً مؤيداً لإسرائيل، لا تمثل إلا نفسها من حيث السياسة الدولية، وخلفت تكلفة جيوسياسية باهظة بالنسبة لأوروبا". وقال لصحيفة "إل باييس" الإسبانية: "حماس فكرة، والفكرة لا يمكن محاربتها إلا بفكرة أخرى. خُطط نتنياهو بشأن غزة غير مقبولة. إنها تزرع بذور الكراهية لأجيال مقبلة". وفي نوفمبر قال أمام اجتماع دولي: "لا حاجة لإعطائي الطعام اليوم، إذا كنت ستقتلني غداً، يجب العمل على حلّ سياسي للصراع". ودعا بوريل في أحد تصريحاته الرئيس الأميركي جو بايدن، لمراجعة سياسات بيع السلاح لإسرائيل.

يضع البعض تصريحات بوريل في خانة تبادل الأدوار أوروبياً، بين الجناح المتشدد في بروكسل، الداعم لإسرائيل، والآخر الذي يسعى إلى امتصاص غضب الشارع الداعم للفلسطينيين، فضلاً عن أن بوريل يخشى من ارتدادات ذلك على الوضع الأوروبي عموماً، وفقدان القارة مصداقيتها "الأخلاقية"، وأن تدفع بشكل أساسي فاتورة ذهاب الحرب إلى تطهير عرقي أو حرب إقليمية، قد تستفحل معها أزمة الهجرة، من دون الحديث عن تهديد الإرهاب المتزايد.

وبدا ذلك واضحاً في 21 نوفمبر الماضي، حين حذّر بوريل من مواجهة الاتحاد مشاعر عداء متزايدة من العالم الإسلامي وخارجه بسبب اتهامات الانحياز لإسرائيل وازدواجية المعايير تجاه حرب غزة، ما قد يضر بسمعته. ورأى أنه يتعيّن على الاتحاد الأوروبي إبداء المزيد من التعاطف إزاء ما يتكبده المدنيون الفلسطينيون من خسائر، لافتاً إلى أن ذلك يتحقق عبر توجيه دعوات أقوى لإيصال المساعدات إلى غزة وتجديد المسعى لإقامة دولة فلسطينية. وأكد أن "حياة البشر لها نفس القيمة في الأماكن جميعها".

(العربي الجديد)

المساهمون