جهود إقليميّة ودولية لتهدئة مرحليّة في غزّة

25 يونيو 2023
فلسطينيون ينتظرون فتح معبر رفح (فرانس برس)
+ الخط -

ربّما غادرت وفود فصائل المقاومة الفلسطينيّة الرئيسيّة القاهرة بعد جولة لقاءاتٍ لتثبيت التّهدئة، ومحاولات إيجاد صيغةٍ "لهدنةٍ" لأطول فترةٍ ممكنةٍ، لكن جهوداً إقليميّةً ودوليّةً للتّهدئة وتفكيك بواعث انفجارٍ جديدٍ ما زالت مستمرّةً، وهذا ليس بجديدٍ، إذ اعتادت أطرافٌ إقليميّةٌ ودوليّةٌ على التحرك بعد كلّ عدوانٍ أو تصعيدٍ في قطاع غزّة، لكن يكمن الجديد في السّياق العامّ، وفي الظّروف المُستجدّة للأطراف ذات الصّلة، خاصةً دولة الاحتلال، والإدارة الأميركيّة، كلٍّ لأسبابه وغاياته، وهو ما أعطى جديّةً أكثر هذه المرّة، وربّما جهودا مكثفة بما ينسجم مع الرغبة الجامحة لها. ورغم الأبعاد الإقليميّة والدّوليّة للتحرك الأميركيّ، إلّا أنّ حاجة حكومة الاحتلال لهذه التّهدئة على الأرجح أكثر إلحاحاً.

تتعلق حاجة الاحتلال لتهدئة جبهة غزّة بتعدد الجبهات، والسعي إلى خوض حروبٍ على ساحاتٍ منفردةٍ، وهي مسألة أمنٍ قوميٍّ بالنّسبة لدولة الاحتلال، لأنّ أيّ معركةٍ قادمةٍ قد تشمل أكثر من جبهةٍ، أو تتدحرج الأمور من اشتباكٍ على جبهةٍ إلى معركةٍ على جبهاتٍ عدة، وصولاً إلى حربٍ إقليميّةٍ شاملةٍ، ستختلف نتائجها كلّياً عن الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال منذ نشأتها عام 1948.

تتجه قيادة الاحتلال الأمنيّة والعسكريّة الحاليّة إلى التعامل مع الضّفّة الغربيّة، وتفكيك الفعل العسكريّ في شمال الضّفّة، من خلال عمليّةٍ عسكريّةٍ واسعةٍ تتضمن اجتياحاً واسعاً لمدنها وقراها، واعتقالاتٍ كثيرةً، ومصادرة أسلحةٍ، والبقاء في بعض المناطق أياماً وربّما أسابيع، وهذا يتطلّب من وجهة نظر قيادة الاحتلال السياسيّة والعسكريّة تهدئة غزّة، وجبهة شمال فلسطين المحتلّة على الأقل.

محاولات التّهدئة في غزّة النّشطة حالياً، بدفعٍ إقليميٍّ وتشجيعٍ أميركيٍّ، قد تنعكس إيجابيّاً على الحالة الإنسانيّة في قطاع غزّة، ولكن لن تُحدث تحوّلاً حقيقيًّا

ورغم تعاظم المخاطر على دولة الاحتلال، إلا أن أكثرها إلحاحاً، في هذه المرحلة، مدن وقرى محافظات نابلس وجنين وسلفيت وطولكرم في شمال الضّفّة، التي تشهد عمليّات مقاومةٍ وإطلاق نارٍ يوميّاً، أسفرت منذ بداية العام عن مقتل 7 من المستوطنين والجنود، وعن إصابة العشرات، هذا لا يعني أنّ غزّة بعيدة عن الأجندة العسكريّة، فهي من وجهة نظر فصائل المقاومة مسألة وقتٍ ليس إلّا، وليس أدل على ذلك من أزيز طائرات الاستطلاع دون طيارٍ، التي تكاد لا تفارق سماء غزّة، وربّما تكون المقاومة في غزّة الهدف التالي بعد الضّفّة الغربيّة، للتفرغ أكثر للجبهة الأكثر خطراً، بالنّسبة للاحتلال، وهي جبهة لبنان.

وليس من نافل القول إنّ بعض تسهيلات قطاع غزّة المحدودة، ذات الطّابع الإنسانيّ من ناحية معابر الاحتلال أو معبر رفح، ووعود المشاريع الاستراتيجيّة المتكررة لتحسين شروط الحياة اليوميّة بتمويلٍ دوليٍّ، تصب في اتجاه تعزيز فرص تهدئةٍ لأطول فترةٍ ممكنةٍ، ولكن الكلّ يعرف، بمن فيهم فصائل المقاومة، أنّها مسكناتٌ، لأنّ واقع غزّة المعقد مرتبطٌ بالمقاومة وسلاحها والبنية التّحتيّة الخاصّة بها، والجنود المفقودين الأربعة، ولا مجال لتغيّير ذلك الواقع إلّا بتخلّي المقاومة عن سلاحها، وإحداث تحوّلٍ في وظيفة فصائل المقاومة ومواقفها الأيديولوجيّة من الكيان الصّهيونيّ.

بالنّسبة للإدارة الأميركيّة، التي ألحت على أطرافٍ إقليميّةٍ عدةٍ، بعد العدوان الأخير على غزّة، في مايو/ أيّار الماضي، لممارسة نفوذها على فصائل المقاومة في غزّة للتهدئة، وللشّروع في محاولات مصالحةٍ داخليّةٍ، كرافعةٍ لهدف التّهدئة، إن تحقّقت، وذلك لإبعاد احتمال تفجر صراعاتٍ أو حروبٍ جديدةٍ في المنطقة، وذلك لاعتباراتٍ خاصةٍ بالولايات المتّحدة وسياستها الخارجيّة، لعل أبرزها طيّ صفحة الحروب في الشّرق الأوسط، التي قد تضطر إلى أنّ تتورط بها مباشرةً (دولة الاحتلال)، وانشغال الإدارة الأميركيّة بالتّوصّل لتفاهمٍ أو اتّفاقٍ نوّويٍّ جزئيٍّ مع إيران، وتكريس الجهود الأميركيّة للصراعات الاستراتيجيّة في شرق آسيا مع الصين، والحرب في أوكرانيا.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

إنّ محاولات التّهدئة في غزّة النّشطة حالياً، بدفعٍ إقليميٍّ وتشجيعٍ أميركيٍّ، قد تنعكس إيجابيّاً على الحالة الإنسانيّة في قطاع غزّة، ولكن لن تُحدث تحوّلاً حقيقيًّا في واقع القطاع المحاصر، لأنّ هدف حكومة الاحتلال عسكريّاً تكريس الجهود حاليّاً للضّفّة الغربيّة، وربّما لاحقاً العودة مرّةً أخرى لقطاع غزّة.

المساهمون