جنوب لبنان: مواجهة انتخابية استثنائية رغم الترهيب

13 مايو 2022
تُقلق لائحة "معاً نحو التغيير" حزب الله و"أمل"(حسين بيضون)
+ الخط -

يشهد الجنوب اللبناني في الانتخابات التشريعية المقررة بعد غد الأحد، معركة استثنائية في دوائره الثلاث: الجنوب الأولى (صيدا ـ جزين)، الجنوب الثانية (صور، قرى صيدا المعروفة بالزهراني)، الجنوب الثالثة (بنت جبيل، النبطية، مرجعيون وحاصبيا).

وتُقلق هذه المعركة "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون) وتُرهبه، في معقله جزين، بعد تراجع شعبيته داخلياً واغترابياً، وخسارته أصوات الناخب السنّي بفعل مقاطعة "تيار المستقبل" بقيادة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الانتخابات، في قرار يُخرج عمّة الحريري، بهية، للمرة الأولى منذ عام 1992 من تمثيلها النيابي لصيدا.

أيضاً، تدقّ المعركة باب حزب الله وحركة "أمل" بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، وتُدخل منافسين جدّيين إلى ملعبهما، قادرين على تهديد ساحتهما واختراقها بمقعدٍ على الأقل، بعدما تمكن المجتمع المدني وقوى يسارية ومستقلة من تشكيل فريقٍ واحدٍ، استطاع رفع الصوت المعارض في معقل الثنائي والوصول بأفكاره وبرامجه إلى الناخب الجنوبي.

وهي مشهدية خلقت إرباكاً لدى الثنائي ودفعته في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، إلى رفع حدّة المواقف والإيحاء بتعرضه لـ"حرب تموز سياسية"، في إشارة إلى العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2006، ولعب ورقة المقاومة لتجييش مناصريه وشدّ العصب.

مشهد مختلف في جنوب لبنان

البداية، مع دائرة الجنوب الأولى التي تضمّ صيدا – جزين وتتمثل برلمانياً بخمسة مقاعدٍ، مقعدان للطائفة السنّية في صيدا ممثلان اليوم بالنائبين بهية الحريري وأسامة سعد، و3 مقاعد لجزين، اثنان للطائفة المارونية، ممثلان اليوم بالنائب في تكتل "التنمية والتحرير" (بزعامة بري)، إبراهيم عازار، ونائب التيار الوطني الحر زياد أسود، ومقعد للروم الكاثوليك الذي حصده أيضاً نائب التيار سليم خوري.

ويختلف المشهد في صيدا – جزين في هذه الدورة عن انتخابات 2018، فالنائب أسامة سعد يغرد خارج لائحة إبراهيم عازار، إلى جانب عبد الرحمن البزري، الذي خاض الانتخابات الماضية على لائحة التيار الوطني الحر.

أما النائبة بهية الحريري فأصبحت خارج المعركة "حضورياً"، وسط ترقّب لمسار أصوات ناخبيها الذين بلغوا 13739 صوتاً في عام 2018، فيما لو اختاروا المشاركة بالانتخابات، في حين أن حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع يعوِّل على تراجع باسيل لإحداثِ خرق في جزين.

وتتنافس في دائرة الجنوب الأولى 7 لوائح، أبرزها، "الاعتدال قوتنا" المدعومة من بري، المؤلفة من 3 مرشحين ويترأسها إبراهيم عازار، و"ننتخب للتغيير" التي تضم 5 مرشحين بينهم أسامة سعد وعبد الرحمن البزري، و"وحدتنا في صيدا وجزين" التي تضم 4 مرشحين وتمثل القوات اللبنانية، و"معاً لصيدا وجزين" التي تضم 5 مرشحين وتمثل التيار الوطني الحر، الذي يعوّل على أصوات ناخبي حزب الله للحفاظ على مقعديه.

كما يتمثل المجتمع المدني والقوى المستقلة بـ3 لوائح، والتي بحسب استطلاعات الرأي، لا تملك حظوظاً كبيرة بإحداث أي خرق في دائرة وصل الحاصل الانتخابي فيها في عام 2018 إلى 13 ألفاً.


يعوّل التيار الوطني الحر على حزب الله للحفاظ على مقعدين في جزين

بالانتقال إلى دائرة الجنوب الثانية، التي تضم صور وقرى صيدا (الزهراني)، فهي ممثلة بـ7 مقاعد نيابية، صور بـ4 مقاعد للطائفة الشيعية، و3 مقاعد لقرى صيدا موزعة على مقعدين للطائفة الشيعية ومقعد للروم الكاثوليك.

وتعد هذه الدائرة التي يتربع على عرشها رئيس البرلمان نبيه بري، من معاقل حزب الله وحركة "أمل"، وتعتبر النتائج فيها على مرّ الدورات الانتخابية محسومة لصالح الثنائي، القادر وحده على تأمين الحاصل الانتخابي الذي وصل في عام 2018 إلى 21 ألفاً، وأدى إلى فوز جميع مرشحي لائحته.

مع العلم أن 150 ألف شخص من أصل 311953 ناخباً اقترعوا في الدورة الماضية، وسُجّلت فيها 1753 ورقة بيضاء. أما اليوم فتتنافس في هذه الدائرة 4 لوائح، وهي "الأمل والوفاء" التي تمثل الثنائي وتضم 7 مرشحين يترأسها بري، و"الدولة الحاضنة" وتضم 4 مرشحين بينهم رياض الأسعد وبشرى الخليل، وتعرّف عن نفسها بأنها من اللوائح المعارضة، على الرغم من الحديث المستمر عن قربها من "حزب الله".

وتتمثل قوى المجتمع المدني بلائحتين، "القرار الحر" و"معاً للتغيير"، التي تعدّ الأوفر حظاً لإحداث خرقٍ، خصوصاً أنها تضم شخصيات معروفة بمعارضتها لحزب الله و"أمل" والأحزاب التقليدية وعدم غيابها عن ساحات الحراك.

حظوظ الخرق بوجه حزب الله وحلفائه

وفي هذا السياق، يقول أيمن مروة، من لائحة "معاً للتغيير"، لـ"العربي الجديد"، إن "حظوظ الخرق مقبولة، ولكنها ليست أكيدة وتبقى رهن الناس الذين لا شك أن مزاجهم تغيّر.وهناك توجه لدى كثير من الناخبين للمقاطعة، ولكننا نأمل بتبدّل اتجاههم لأنهم يملكون خياراً بانتخاب قوى التغيير".

ويلفت إلى أن "ما يمكنه أن يرفع حظوظنا هو أصوات الاغتراب، التي وفق الاستطلاعات، صبت بالجزء الأكبر منها لصالح المجموعات المستقلة".

في المقابل، يشير مروة إلى أنه "بغض النظر عن النتيجة، فإنها حتماً ستكون مشرّفة، لأننا نهدف إلى تسجيل موقف ووضع رؤيتنا الخاصة وتعريف الناس بمشروعنا وبرنامجنا والأسباب التي تدفعنا إلى طرح أنفسنا في موقع المسؤولية".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويعتبر أن مجرد انخفاض نسبة الاقتراع لصالح لوائح السلطة وحده سيشكل حدثاً مهماً من شأنه أن يغيّر المعادلة في الدورات المقبلة، مشدّداً على أنه "نعلم أن التغيير لا يمكن أن يحصل بهذه السرعة، وهناك جولات كثيرة يجب خوضها وعدم الاستسلام للوصول إلى التغيير الذي نطمح إليه".

ويتحدث مروة عن أبرز التحديات التي واجهت لائحتهم في المرحلة الانتخابية، منها عدم توفر الإمكانات المادية والعينية والموارد البشرية، والتهديدات المستمرة والضغوطات والاتهامات بالتخوين التي تمارسها أحزاب السلطة على القوى المعارضة.

ويؤكد أن الخطاب الذي لجأ إليه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على مسافة أيام من الانتخابات، من شأنه أن يؤثر سلباً عليهم، باعتبار أن القدرة التجييشية للزعماء الطائفيين كبيرة وعالية، لكنه يعوّل على أن قسماً من الناس بدأ يعي التناقضات الموجودة في الخطابات والشعارات، خصوصاً عندما يتحدثون عن أن المعارضة تلتفت فقط إلى سلاح المقاومة ولا يهمها أموال المودعين (في المصارف اللبنانية) في وقتٍ يقوم الثنائي بضم رجل المصارف مروان خير الدين، الذي سرق أموال المودعين، إلى لائحته.

ويتوقف مروة عند انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، التي "دخلت مناطق تعدّ معاقل حزبية وحركت المارد الصغير عند الناس وجعلت قوى سياسية تخلق حديثاً وأخرى تتمدد، وهذا دليل عافية، والأهم أنها ساهمت بشكل أساسي في عملية تجميع القوى على المستوى السياسي بوجه المافيا الحاكمة".


أيمن مروة: صبت غالبية أصوات الاغتراب لصالح المجموعات المستقلة

أما دائرة الجنوب الثالثة، فهي تضم بنت جبيل – النبطية – مرجعيون وحاصبيا، وتتمثل في البرلمان اللبناني بـ11 مقعداً، 3 للطائفة الشيعية في بنت جبيل، و3 للطائفة الشيعية في النبطية، ومقعد للطائفة السنّية ومقعدان للطائفة الشيعية ومقعد درزي ومقعد للروم الأرثوذكس في مرجعيون وحاصبيا.

وتنافست في هذه الدائرة في عام 2018 ست لوائح، لم تتمكن سوى لائحة واحدة من تأمين الحاصل الانتخابي الذي بلغ حوالي 20 ألفاً، وبالتالي فوز جميع أعضائها، وهي لائحة حزب الله و"أمل"، مع الإشارة إلى أن عدد الذين اقترعوا في حينه بلغ 228 ألفاً من أصل 490 ألفاً، مع تسجيل 1980 ورقة بيضاء.

في المقابل، تشهد هذه الدائرة اليوم معركة صعبة ومواجهة جدية بين المعارضة التي تمثل القوى المدنية المستقلة، والثنائي حزب الله وحركة "أمل"، الذي يستمر في استفزاز الناس، سواء على صعيد إعادة ترشيح النائب علي حسن خليل، الصادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية في قضية انفجار مرفأ بيروت (في 4 أغسطس/ آب 2020)، أو لناحية ضمّ الوزير السابق مروان خير الدين، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لـ"بنك الموارد"، إلى لائحته.

وخير الدين هو ابن شقيقة النائب المنتهية ولايته أنور الخليل، الذي كان عضواً في كتلة بري النيابية "التنمية والتحرير". مع العلم أن حزب الله رفع مراراً راية الدفاع عن المودعين ومواجهة "مافيا المصارف"، كما تجدر الإشارة إلى أن خير الدين متهم أيضاً بالاعتداء على الصحافي المتخصص بالشأن الاقتصادي محمد زبيب، في 12 فبراير/ شباط 2020.

جيش حزب الله الإلكتروني

وتتنافس في هذه الدائرة التي لم تشهد ترشيح أي امرأة، 3 لوائح، والمعركة الأبرز فيها بين لائحتي "الأمل والوفاء" برئاسة النائب محمد رعد، رئيس كتلة حزب الله النيابية "الوفاء للمقاومة"، وتضم 11 مرشحاً، ولائحة "معاً نحو التغيير" التي تضم 11 مرشحاً.

ويتعرض مرشحو اللائحة الأخيرة لحملات منظمة من جيش حزب الله الإلكتروني، الذي يعمد إلى نبش ماضي تغريدات أعضاء اللائحة وفبركة أخبار لتشويه صورتهم، خصوصاً تلك التي طاولت المرشح عن المقعد الشيعي في بنت جبيل علي مراد، الذي تمكن من حصد شعبية لافتة رفعت أسهمه في الانتخابات.

وكذلك هاجم الجيش الإلكتروني للحزب المرشح عن المقعد الدرزي في لائحة "معاً نحو التغيير" فراس حمدان، وقد وصل الأمر بهم إلى حدّ تركيب صور له بالزي العسكري للاحتلال الإسرائيلي، وذلك قبل أيام قليلة فقط من الاستحقاق. وأكبر حظوظ الخرق بالنسبة للائحة المعارضة هي في المقعدين الدرزي (عبر فراس حمدان) والأرثوذكسي (عبر إلياس جرادي).


يفبرك حزب الله أخباراً لتشويه سمعة معارضيه في الجنوب

في السياق الانتخابي الجنوبي، يقول الكاتب السياسي يوسف دياب لـ"العربي الجديد"، إن لكل دائرة في الجنوب حيثياتها، التي بدّلتها بعض الشيء "انتفاضة 17 تشرين"، التي جعلت حزب الله وحركة "أمل" يخشيان فعلاً من المفاجآت، بعدما بدأ الصوت الاعتراضي يعلو جنوباً حتى في معاقل حزب الله، على الرغم من إطلاق النار والترويع الذي حصل في النبطية وساحة العلم في صور.

وقد وصل الأمر إلى كلام وُجِّه إلى نصر الله بأن "الناس بدأت تجوع والصواريخ لم تعد تشبعنا". ويشير دياب إلى أن الثنائي يملك خبرات وإلماماً بالمعارك الانتخابية بشكل كبير، ولديه الداتا والإحصاءات التي تظهر له خريطة الناخبين وميولهم السياسية، لكن هناك أمراً تغيّر على الأرض بعد 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وبات يُقلق الحزب ويجعله غير مرتاح لأقصى الحدود، بدليل أن نصر الله خرج بثلاثة خطابات متتالية بهدف خلق حالة استنهاض شعبية.

ويلفت دياب إلى أنه في صيدا – جزين لا تأثير قوياً للثنائي، لكن لا شك أن المعركة مرتبطة بحليفه التيار الوطني الحر بالدرجة الأولى، إذ إن حزب الله يحرص على أن يكون للتيار مقعدان في جزين، كونه يخوض معركة "الغطاء المسيحي" (التغطية السياسية التي أمّنها التيار الوطني الحرّ لسلاح حزب الله في الوسط المسيحي).

من هنا يريد حزب الله أن تكون للتيار كتلة وازنة برلمانياً، ويسعى إلى تجيير أصوات الناخبين الشيعة لمرشحي التيار الوطني الحر، زياد أسود وأمل أبو زيد.

ويرى دياب أن حزب الله مستفيد من مقاطعة جمهور "المستقبل" للانتخابات، إذ بمجرد حصول انكفاء سني فذلك يعني تدني مستوى الحاصل الانتخابي، ما يجعل حزب الله متمكناً أكثر وقادراً على توزيع أصواته على مرشحي حلفائه، كما أن الانكفاء يعني تلقائياً تعزيز حظوظ حلفائه من المرشحين السنة.