في تكرار لخطوات مماثلة في مواقف سابقة في مصر، سارعت الأجهزة الأمنية المصرية إلى إنهاء إجراءات تنظيم تظاهرة دعم "حاشدة" للرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الجمعة، أمام النصب التذكاري (المنصة) في ضاحية مدينة نصر، رداً على التظاهرات الغاضبة التي عمت الكثير من القرى والنجوع المصرية، وعُرفت إعلامياً بـ"ثورة القرى". وخاطب جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية الهيئات والوزارات الحكومية، بغرض إلزام موظفيها بالتجمع أمام دواوينها في ساعة مبكرة من صباح اليوم، لحشدهم في حافلات تقلهم إلى منطقة النصب التذكاري، وذلك لتنظيم فعالية دعم "مصنوعة" للرئيس المصري، في مواجهة حالة الغضب المتصاعدة تجاهه في الشارع، جراء العديد من القرارات التي أثقلت كاهل الأسر المصرية بمزيد من الأعباء، لا سيما الفقيرة منها. وحسب مصادر حكومية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن الخطابات أُرسلت إلى كل وزير، الذي عممها بدوره على الإدارات المختلفة، وتم إبلاغ الموظفين بضرورة توقيع حضور وانصراف أمام ديوان الوزارة، مع توجيه تحذيرات شديدة اللهجة لمن ينوي التخلف عن الحضور، بتعرضهم لجزاءات، وتحقيق إداري، قد يصل إلى حد الفصل من العمل بـ"اتهامات الانتماء لجماعات محظورة"، والتي تلاحق المعارضة المصرية حالياً.
حشد الأمن موظفي الوزارات للمشاركة في تظاهرات اليوم
وكشفت المصادر أن الأمن الوطني نسق كذلك مع عدد من كبار المستثمرين، ورجال الأعمال، وشركات المقاولات الضخمة من العاملة في المشروعات القومية، لتسهيل نقل موظفيها، والعاملين في مصانعها، إلى منطقة النصب التذكاري للمشاركة في الفعالية، مع صرف مكافآت مالية وعينية لها نظير ذلك. وأضافت أن محيط منطقة المنصة يشهد إجراءات أمنية مشددة، لمنع دخول أي معارضين بين الموظفين أو المشاركين في الفعالية، منبهة إلى التشديد على كافة الموظفين التواجد في المواعيد المحددة بدقة أمام دواوين الوزارات، نظراً لأن الحافلات التي سيتم نقلهم بها ستكون الوحيدة المسموح بدخولها لمنطقة الفعالية، مع توفير وجبتي إفطار وغداء لجميع المشاركين فيها. وتابعت المصادر أن هناك حالة من الغضب في صفوف موظفي الدولة، الذين عبّر كثيرون منهم عن تذمرهم من تلك الخطوة، لتأثرهم بالقرارات الاقتصادية الأخيرة، ومعاناتهم كباقي أفراد الشعب من تداعياتها. وأبرزها رسوم التصالح في مخالفات البناء، وإزالة العقارات المخالفة، وخصم نسبة من رواتب الموظفين في القطاعين الخاص والعام، بدعوى مشاركتهم في تحمل التبعات الاقتصادية لمواجهة فيروس كورونا، على الرغم من تضاعف قيم الضرائب خلال السنوات المنقضية.
وتهدف دائرة السيسي من وراء تنظيم الفعالية، لنقلها بصورة مكثفة عبر وسائل الإعلام المصرية الموالية للنظام الحاكم، وكذلك وسائل الإعلام الأجنبية، في محاولة للتدليل على أن تظاهرات القرى المناوئة للسيسي صغيرة العدد نسبياً، على الرغم من استمرارها لمدة تزيد على 10 أيام رغم القبضة الأمنية، ومواجهتها بعنف شديد من جانب قوات الشرطة، وفق المصادر. وانفردت "العربي الجديد" قبل أكثر من أسبوع، بالكشف عن تحركات أجهزة الأمن إزاء حث الأحزاب الموالية على تنظيم فعالية مؤيدة للسيسي، بدعوى الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لقطع الطريق على دعوات التظاهر التي أطلقها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "جمعة الغضب الثانية"، للمطالبة برحيل الرئيس الحالي من الحكم. في السياق نفسه، دعا حزب "الوفد" الذي يرأسه عضو البرلمان المعين من السيسي، بهاء الدين أبو شقة، كل أعضائه، وكافة جموع الشعب المصري، للمشاركة في احتفالات ذكرى نصر أكتوبر عقب صلاة الجمعة، سواء في الميادين الرئيسية في المحافظات المختلفة، أو في الفعالية الرئيسية أمام النصب التذكاري الواقع على طريق النصر (شرقي القاهرة). وجدد الحزب "العهد والثقة بشأن دعم جهود رئيس الجمهورية في حماية الوطن، ومقدراته، والسير دوماً نحو التقدم، والازدهار، وفق مشروع الرئيس (السيسي) في بناء دولة ديمقراطية عصرية حديثة، يسود فيها الاستقرار الأمني، والاقتصادي، والسياسي".
وأفادت مصادر سياسية مسؤولة، بأن حزب "مستقبل وطن" المدعوم من السلطة سيلعب دوراً بارزاً في الحشد للفعالية، من خلال نقل المواطنين من المحافظات للمشاركة في الاحتفال أمام المنصة. وسيتم توزيع وجبات عليهم أثناء مشاهدة العروض الغنائية، في مشهد يعيد للأذهان تنظيم الحزب نفسه فعالية مؤيدة للسيسي في 27 سبتمبر/ أيلول 2019، وتوزيع أنصاره "كراتين" تحتوي على مواد غذائية على المشاركين فيها، بالتزامن مع التظاهرات المناوئة للرئيس التي شهدتها البلاد آنذاك.
"مستقبل وطن" سيلعب دوراً بارزاً في الحشد للفعالية
وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن ضباطاً في جهاز الأمن الوطني في وزارة الداخلية تواصلوا مع رؤساء وقيادات أحزاب مصرية، مثل "مستقبل وطن"، و"الشعب الجمهوري"، و"الوفد"، بالإضافة إلى عدد كبير من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ (البرلمان) في المحافظات، بهدف حشد الآلاف من المواطنين في فعالية جماهيرية لإعلان تأييد السيسي أمام المنصة، في حضور عدد من نجوم الفن والغناء. وتأتي فعالية دعم السيسي في مواجهة منطقة عسكرية مؤمنة بالكامل، بعيداً عن أطراف القاهرة الكبرى، والمناطق التي شهدت مسيرات احتجاجية رفضاً لاستمرار الرئيس الحالي في الحكم، إذ ترتكز قوات الجيش والشرطة بكثافة في مناطق شرق القاهرة.
وتشهد غالبية المحافظات المصرية تظاهرات محدودة منذ 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، تتصاعد حدتها تدريجياً يوماً بعد يوم، على وقع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تحت حكم السيسي، واتساع رقعة الاحتقان في الشارع بسبب قانون التصالح في بعض مخالفات البناء، والذي يفرض رسوماً ضخمة على الفقراء المعنيين بحملات الإزالة مقابل "التصالح" مع أجهزة الدولة. وتصاعدت الدعوات الإلكترونية للتظاهر الجمعة للمطالبة برحيل السيسي، ونظامه، والعودة إلى الاصطفاف الوطني الذي عاشته مصر إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والتي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، وسط توقعات بتأجج الاحتجاجات المتواصلة منذ أكثر من عشرة أيام، واتساع رقعتها، لا سيما مع اشتعال حرب الوسوم على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.