جمال الجزائري... شهيد الوحدة الوطنية

18 اغسطس 2021
كانت التظاهرات قد نبذت كل خطابات التفرقة (العربي الجديد)
+ الخط -

يدرك الجزائريون أكثر من غيرهم، وقبل غيرهم أيضاً، مآلات التعصب للرأي والتطرف في الموقف والانغلاق المناطقي والشطط في الدين، ويدركون مآلات محاولة مجموعة ما، أي مجموعة كانت ومهما كانت طبيعتها السياسية والدينية والمناطقية، فرض نمط تفكيرها وخياراتها على العقل الجمعي، وتجاوز المسلّمات وقواعد العيش المشترك.
وأكثر من غيرهم، خبِر الجزائريون كيف قادهم تعصّب السلطة لخياراتها السياسية والاقتصادية إلى نكبة وفساد عظيم، دمر البنية التحتية للدولة وأهدر الأموال والمقدرات والوقت، وضيّع فرص الإقلاع الاقتصادي على البلاد. كما خبِروا كيف قادهم الشطط في الدين إلى نكبة دامية، استولى فيها الجنون على عقول مريضة بالدين والسلطة، وكيف أهدر التطرف في المواقف فرص الإجماع الوطني، وكيف أحدث الانغلاق والتنابز المناطقي والعرقي والمذهبي، خروقات جسيمة في النسيج الاجتماعي (أحداث غرداية عام 2014 مثال على ذلك) واختلاق جحيم لم يسلم من شره أحد، ويصعب مداواته أيضاً.

إذا كان مقتل جمال بن إسماعيل في حادثة العاشر من أغسطس/آب المهولة في منطقة القبائل (شاب جاء ليساعد في إطفاء الحرائق فاتهمه السكان بحرق الغابات وتم قتله)، بكل ظروفها وملابساتها التي تتقاطع فيها جملة من العوامل، وفي ظل هيجان الصوت الذي يرافع للنزعة العرقية، هو كل الكلفة التي يتوجب أن تُدفع ثمناً لينتبه الجزائريون إلى خطر داهم بالدولة لنفسها، وإلى مأزق كان يُطبِق على البلد ويشعل التعقيدات الاثنية، فليكن. هي كلفة مؤلمة لكنها تضحية فريدة من عائلة افتدت الوطن بابنها، وهي أقل بكثير من كلفة كان يمكن أن تكلف الجزائر التمزيق.

وإذا كان مقتل جمال هو الثمن الضروري الذي كان يجب أن يُدفع، للانتباه إلى ذلك المشروع التخريبي الذي يستهدف النسيج السياسي والاجتماعي للجزائر، باستغلال النوازع العرقية والمناطقية، وتحويل الثراء الثقافي والمجتمعي إلى فتيل فتنة وتمزيق، فليكن. تلك كلفة وطنية دفعتها عائلة بالنيابة عن كل الجزائريين الذين كانوا بحاجة إلى صدمة أخرى، للانتباه إلى أن الدولة ضرورة ومتى اختطف الشارع الدولة أو جماعة كيفما كانت عقيدتها السياسية وبنيتها الذهنية، كان الجحيم على الباب بالتأكيد، وأن اختلاف الأعراق والأنساب والألسن هبة تُغني ولا تفني، تربط ولا تفك.

بغض النظر عما حدث، وعن شواهد تدل على إذكاء قوى حاقدة لنوازع الفرقة والاستثمار فإن ثمة مسؤولية على السلطة السياسية التي استحكمت في شؤون البلاد منذ عقود في هذا الوضع والمآلات الخائبة. فالإخفاقات السياسية والاقتصادية، والفشل في تحويل مجموع المقدرات المادية والبشرية والمكوّنات الثقافية الكامنة في الجزائر إلى منجز تحرير البلد من قيود التبعية، بعد منجز تحرير الأرض، وزرع كل أنواع التسلّط وأساليب الحكم البالية والسياسات الفاشلة، هي المزرعة الخصبة التي نبتت فيها "جماعات الجهل العرقي".