عُقدت، اليوم الثلاثاء، جلسة اليوم الثاني لمحكمة العدل الدولية، للاستماع بشأن العواقب القانونيّة للاحتلال الإسرائيلي، بمشاركة 52 دولة، في أكبر مشاركة دوليّة لقضية رأي استشاري في تاريخ محكمة العدل الدولية.
وقدّمت دولة جنوب أفريقيا المداخلة الأولى التي افتتحها بدايةً سفير جنوب أفريقيا في هولندا فومزي مادونزيلا، بالربط بين تاريخ جنوب أفريقيا في النضال ضد نظام الفصل العنصري والنضال الفلسطيني ضد ما أسماه نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، مؤكدًا دعم جنوب أفريقيا حل الدولتين وعودة اللاجئين إلى وطنهم.
ودعا السفير الجنوب أفريقي المجتمع الدولي لأخذ دوره في إنهاء الاحتلال وإنهاء عقود من المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، والتي تكثفت خلال الأشهر الأخيرة، متسائلًا "متى ينتهي انتهاك إسرائيل للقانون الدولي؟". وأكّد السفير أن جنوب أفريقيا ترى ممارسات إسرائيل ضمن سياسات الفصل العنصري (الأبرتهايد) التي حددتها الأمم المتحدة، مستعرضًا تقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" للدلالة على ذلك.
الاحتلال استمر لوقت طويل
وشدد ممثل جنوب أفريقيا سيموزي مادونسيلا، في إحاطته أمام محكمة العدل الدولية على وجوب عودة اللاجئين، وتفكيك المستوطنات، وقال إن عدم القيام بذلك أدى إلى الظروف الحالية في فلسطين، وأدى إلى الظلم وتكريس نظام الفصل العنصري وحكم الاستيطان، وإن التأخير في الحل العادل أدى إلى دورة غير متناهية من العنف.
وأضاف أن الموقف من نظام الفصل العنصري يجب أن يكون واضحاً، وأن الاحتلال استمر لوقت طويل ومضى عليه 56 عاماً، في تحدٍّ لكل الأنظمة والقوانين الدولية والمئات من قرارات الأمم المتحدة وإدارة الظهر لكل المجتمع الدولي.
وقال مادونسيلا إن "التأخير في إنهاء الاحتلال أدى إلى هذه الدورة من العنف، وسقوط شهداء في قطاع غزّة، ونتحدث اليوم والشعب الفلسطيني يدفع الدم، وإسرائيل تنتهك حقوق الإنسان ومعايير القانون الدولي وتتمتع بحصانة، وإن العالم يعيش حالة من الذعر والخوف بسبب الهجمات المستمرة من إسرائيل على قطاع غزّة، وهناك سفك للدماء وممارسات غير أخلاقية، ما يحدث إبادة جماعية، وأمام البيانات المقدمة للمحكمة أصدرت قرارا بمنع إسرائيل من ارتكاب الإبادة الجماعية بناءً على القضية المرفوعة من جنوب أفريقيا، لكن إسرائيل استمرت في الأفعال نفسها".
وشدد على أن المجتمع الدولي يجب أن يضمن أن نظام الفصل العنصري وممارسته البشعة بحق الشعب الفلسطيني يجب أن ينتهيا، وأن من يرتكب هذه الأعمال يجب أن يساءل، ويجب تفكيك الجدار والمستوطنات، لكن إسرائيل لم تأبه بكل تلك النداءات والتشريعات والقوانين وبقيت تحارب قرار المحكمة.
ممارسات إسرائيل من الأبرتهايد
وقال الفريق القانوني الممثل لدولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، إن التجربة المريرة في ماضي بلادهم دفعتهم إلى المطالبة بتطبيق القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية، معتبراً أن ممارسات إسرائيل بحق الفلسطينيين نموذج أفظع من الأبرتهايد (الفصل العنصري) الذي عانَته جنوب أفريقيا.
وأوضح الفريق القانوني أن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الفلسطينيين شكل من أشكال الاستعمار ولا مكان له في هذا الزمان، مستحضراً أن محكمة العدل الدولية أصدرت حكماً في السابق بأن جدار إسرائيل العنصري ينتهك القانون الدولي.
وأضاف ممثل جنوب أفريقيا أن الاعتقال الإداري الذي يتعرض له الفلسطينيون غير قانوني، وتجب محاسبة المستوطنين على انتهاكاتهم، محذراً من أن فشل المجتمع الدولي في تحميل إسرائيل المسؤولية وما تقوم به في غزّة والضفة يشجع على ارتكاب جرائم إبادة.
وقدّم القانوني الجنوب أفريقي بيتير ستيميت مداخلة عن حق تقرير المصير، وأهمية تحقيقه للفلسطينيين من أجل تحقيق السلام والعدالة، استنادًا إلى القانون الدولي، قائلًا إن "حق تقرير المصير هو حق أساسي لكل الشعوب، وللشعب الفلسطيني الحق في الحصول على السيادة وإدارة موارده والاستقلال وهذا ما اعترف به المجتمع الدولي في الأمم المتحدة في العديد من القرارات".
وأكد ستيميت في مداخلته أن إسرائيل تُمارس الفصل العنصري بكافة نشاطاتها الاحتلالية التي تشمل تغيير الطابع الديمغرافي والاستيطان، داعيًا إلى إنهاء الاحتلال وانسحاب القوات العسكريّة الإسرائيليّة من الأراضي المحتلة. وتناول في مداخلته شرحًا مطولًا عن طبيعة نظام الفصل العنصري وتجليه في ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
الأفق السياسي بحاجة لأساس قضائي
وأكد ممثل الجزائر لدى محكمة العدل الدولية، أحمد لعرابا، أن على محكمة العدل الدولية أن تصدر قرارها بشأن عواقب الاحتلال الإسرائيلي وتتابعه، قائلًا: "خصوصًا بوجود قرار سابق للمحكمة عام 2004 حول الجدار الذي لم تطبقه دولة إسرائيل".
وأضاف: "إسرائيل ضربت بعرض الحائط الرأي الاستشاري السابق، والرأي الاستشاري السابق يعطي أسبابًا قانونيّة كي تُصدر المحكمة رأيًا استشاريًا بحق الاحتلال الإسرائيلي المستمر، وذلك من أجل التمهيد لخلق أفق سياسي، وهذا الأفق يحتاج إلى أساس قضائي والمحكمة هي المسؤولة عنه".
وأكد لعرابا أنه تجب الاستجابة لنداء الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، وأن أفعال إسرائيل على الأرض هي دليل على وجود نية للاحتلال الذي "صاغ تشريعات قانونيّة لترسيخ الاحتلال وجعله أمرًا واقعًا، الأمر الذي يتناقض مع القانون الدولي".
ودعا باسم الجزائر إلى أن تقوم المحكمة بممارسة ولايتها، وأن تُصدر قرارًا بعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي.
السعودية: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزّة
وألقى سفير السعودية لدى هولندا زياد العطية كلمة، قال فيها إن ممارسات إسرائيل في غزّة هي عقاب جماعي لأكثر من مليوني فلسطيني وإن إسرائيل "تنزع الإنسانية عن الفلسطينيين، وتقوم بتجويع وتشريد المدنيين"، واصفًا ما تقوم به إسرائيل في غزّة بـ"الإبادة الجماعية".
وأشار السفير إلى "تنكّر إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية السابق عام 2004 وعملت خلافًا له"، مؤكدًا أن هذه الممارسات في الأراضي المحتلة "لا يمكن الدفاع عنها وهي تُرتكب من أعلى المستويات"، داعيًا المحكمة إلى إصدار قرارها. واعتبر أن أي مرافعة ضد ذلك (في تلميحٍ للدول المشاركة التي دافعت عن إسرائيل في مرحلة المرافعات المكتوبة وهي الولايات المتحدة وفيجي) ستكون "غير مستندة إلى أي أساس قانوني".
وقال العطية إن "إسرائيل فرضت أمرًا واقعًا لعدم قيام دولة فلسطينيّة، وضمّت القدس الشرقيّة وأعلنت القدس عاصمة موحدة غير قابلة للتقسيم، وازداد عدد المستوطنين بشكل كبير جدًا في الضفة الغربيّة، وهدمت المنازل الفلسطينيّة وكل ذلك موثَّق. هذه الإجراءات الإسرائيلية تحبط أي مبادرات لمفاوضات من أجل السلام. إسرائيل لا تريد مفاوضات جادة، بل تريد الحصانة وتستمر في حالة التعجرف".
وأضاف: "نحن هنا لسنا متفرجين، بل مشاركون من أجل تحقيق السلام العادل والشامل. ووضعت السعودية مبادرة السلام العربيّة، وأكدت عليها القمة العربية في سنوات لاحقة. إسرائيل عارضت المبادرة بشكل صريح، وقالت إنها ليست نقطة بداية لأنها طالبت بإعادة الأراضي الفلسطينية مقابل السلام".
وخلص السفير إلى القول إن "السلطات الإسرائيليّة تعمل على التطهير العرقي وتوسيع المستوطنات وتعارض الدولة الفلسطينية في أراضي عام 67، وتستمر في الإبادة الجماعيّة في غزّة منذ أكتوبر الماضي. إسرائيل رفضت كل نداءات الأمم المتحدة، وانتهاك القانون الدولي أمر غير مقبول ولا يمكن أن يستمر وله عواقب جسيمة بحق الفلسطينيين. نطلب من المحكمة أن تقرّ أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني".
كلمة بنغلادش
وفي كلمة بنغلادش، التي قدّمها سفيرها رياز حبيب الله، قال إن بلاده حصلت على استقلالها بعد حرب دموية دفع فيها 3 ملايين شخص حياتهم، مستشهدًا بمقولة لزعيم بنغالي تُفيد بأن "الحرب مُقسّمة بين المُضطهِدين والمضطهَدين.. نحن نقف مع المضطهَدين". وأكد السفير أن بنغلادش تقف مع "من يحارب الإمبريالية والاستعمار، وهذا جزء من دستورنا. وانطلاقا من ذلك، نشارك في هذه الدعوى لدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتحرره من الاحتلال".
وأشار السفير إلى موقف بنغلادش المنادي بإقامة الدولة الفلسطينيّة، وموقفها بإنهاء المعاناة في غزّة التي أصبحت "أسوأ مكان في العالم للعيش وأسوأ كارثة إنسانيّة معيبة في التاريخ الحديث". وشدد أن "الشعب الفلسطيني ليس مختلفًا عن باقي شعوب العالم ويحق له تقرير مصيره، وأن ممارسات إسرائيل الاستعماريّة تتنافى مع القانون الدولي".
وقدّم كلٌّ من هولندا وبلجيكا مداخلات قانونيّة بحتة حول الاحتلال بموجب القانون الدولي وحق تقرير المصير، فيما ركّز المتداخلون عن بلجيكا على سياسة الاستيطان الإسرائيليّة وكيفية تحولها إلى نظام قائم بحد ذاته، داعين إلى إنهاء عمليات الاستيطان ووقف عنف المستوطنين بحق الفلسطينيين.
موقف لافت لدولة بليز
وفي مداخلة لافتة لدولة بليز، وهي دولة صغيرة المساحة عدد سكانها قرابة 400 ألف نسمة تقع في أميركا الوسطى، قال سفير بليز أسعد شومان إن للشعب الفلسطيني حقاً في تقرير المصير، وهو "غير قابل للتنازل. كل الشعوب حظيت بالاستقلال ما عدا فلسطين. الفلسطينيون معظمهم هجروا عام 1948، وأغلب الأراضي أُخذت منهم وأصبحت لدولة أخرى. وفي عام 1967، استمرت إسرائيل في الاحتلال الأراضي، لتحتل جميع الأراضي الفلسطينيّة، ومنذ ذلك اليوم تستمر إسرائيل في الاضطهاد، بمنع الفلسطينيين من حق تقرير المصير".
وأضاف "عملت إسرائيل بشكل منتظم على نقل الفلسطينيين من أرضهم، وفصلت الضفة عن غزّة وقيدت حرية الحركة للناس، وأقامت المستوطنات في الضفة والقدس الشرقيّة". وأشار السفير شومان إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين تُنكر وجود الشعب الفلسطيني.
وخصص شومان، في مداخلته، قسماً عن ممارسات إسرائيل التي تستهدف الحياة الثقافيّة الفلسطينية والتعليميّة بهدف ما وصفه "تدمير الفلسطينيين كشعب" من خلال استهداف المدارس والجامعات، معتبراً ما يحصل في غزّة هذه الأيام أكبر دليل على ذلك.
وطالب شومان إسرائيل بإنهاء احتلالها بشكل شامل وحالي ودون شروط وانسحابها من جميع الأراضي الفلسطينيّة، داعياً إسرائيل إلى التصرف كـ"دولة متحضرة تحترم القانون الدولي".
وتحدث بعد ذلك عضوان من الطاقم القانوني لدولة بليز شرحا في مداخلتهما بشكل مفصل انتهاك إسرائيل للقانون الدولي، وسياسات التفوق العرقي على الفلسطينيين والفصل العنصري.
بوليفيا تدعو لسحب الاستثمارات من إسرائيل
وافتتح ممثل دولة بوليفيا السفير روبرت سارامنتو مداخلته موجهاً كلامه للقضاة قائلاً: "العالم الآن ينظر إليكم كأعلى جسم قضائي دولي، ينظر في حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بعد سنوات طويلة من الاحتلال والاستيطان والانتهاكات المستمرة للقانون الدولي".
وأضاف "الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي وعلى إسرائيل التوقف عن ممارسة الإبادة في غزة وتمتثل للقانون الدولي". واستعرض في مداخلته قوانين ومعاهدات دولية يتم انتهاكها متعلقة بقضية فلسطين.
ودعا المجتمع الدولي لإدانة إسرائيل التي "تمنع الفلسطينيين من حق تقرير مصيرهم من خلال الاستيطان وجدار الفصل العنصري والفصل العنصري". وقال "يجب أن تكون هناك أفعال من قبل الدول للضغط السياسي على إسرائيل، منها سحب الاستثمارات".
البرازيل: الاحتلال يتناقض مع القانون الدولي
واعتبرت دولة البرازيل، في كلمة قدمتها ماريا كلارا باولو تويسكو، الديبلوماسيّة في وزارة الخارجيّة البرازيليّة، أن "المسألة الفلسطينيّة الإسرائيليّة واحدة من أطول الصراعات غير المحلولة"، وأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينيّة "يتناقض مع القانون الدولي وقرارات عديدة للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة وهو غير مقبول".
وأكدت المتحدثة أن البرازيل ترى أن الوقت الحالي "لا يمكن له أن يكون أكثر إلحاحاً في طلب رأي استشاري من المحكمة حول الاحتلال الإسرائيلي"، واعتبرت أن السبب لذلك "ليس فقط كون إسرائيل محتلة، إنما هناك دور على المجتمع الدولي يجب أخذه في هذه المسألة للمساهمة في وقف الاحتلال، ومشاركة أكثر من خمسين دولة في هذه الطلب أكبر دليل على ذلك".
وأشارت ممثلة البرازيل إلى أن "ما حصل في السابع من أكتوبر وما تلاه كارثي، وأن هذا الشكل يجب ألا يستمر بل حل الدولتين؛ دولة فلسطينيّة وإسرائيليّة". وقالت إن البرازيل اعترفت بدولة فلسطين انطلاقاً من إيمان البرازيل بالعدالة والسلام والحوار بين الدول.
تشيلي: على المحكمة تقديم رأيها الاستشاري
أما دولة تشيلي، وهي الدولة الأخيرة التي شاركت في اليوم الثاني، فقالت ممثلتها إكسمينا تورريجو إن على المحكمة تقديم رأيها الاستشاري بهدف "تحقيق علاقات سليمة بين فلسطين وإسرائيل بناءً على القانون الدولي". وقالت إن ما دفع تشيلي للمشاركة أمران: "تشيلي عضو في الأمم المتحدة ولديها مسؤوليات في سير القانون بين المجتمع الدولي وسريان مبادئ القانون الدولي ومسؤولية المساءلة".
وأضافت "الأمر الثاني، هو أن تشيلي أيدت حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتؤمن بحل الدولتين واعترفت بدولة فلسطين منذ أكثر من عشر سنوات".
وأشارت إلى أن تشيلي "أكبر وطن للفلسطينيين خارج الشرق الأوسط، وثالث أكبر وطن لليهود في أميركا الجنوبيّة". واعتبرت أن الرأي الاستشاري للمحكمة "يُساهم في تغيير الوضع القائم ويضع نهاية للاحتلال منذ 56 عاماً ويساهم في حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم".