وفقاً لتقديرات غير رسمية صادرة عن منظمات محلية عراقية، فإن التظاهرات التي شهدتها مدن جنوب ووسط العراق، فضلاً عن العاصمة بغداد، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، واستمرت نحو 13 شهراً متواصلة، خلّفت أكثر من 27 ألف مصاب، أكثر من ربعهم تم تصنيفهم على أن إصاباتهم سيئة، وتسبّبت بإعاقات دائمة، أو تشوهات تحتاج إلى علاج ورعاية، فيما غالبية المصابين غير قادرين على تأمين تكاليفها. كما أن تردي الأوضاع الصحية في المستشفيات الحكومية المجانية يجعل من موضوع علاجهم غير ممكن.
ويطالع العراقيون بين فترة وأخرى حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لجمع مبالغ مالية لعلاج جرحى تظاهرات أكتوبر، أو ما باتوا يعرفون بـ"التشرينيين"، وهو ما تحقق فعلاً في كربلاء والناصرية وبغداد والنجف. غير أن عددهم الكبير، وتكاليف العلاج الكبيرة تبقي المشكلة قائمة، على الرغم من أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي كان قد وعد، في نهاية يونيو/حزيران العام الماضي، برعاية جرحى التظاهرات، وتوفير ما يحتاجونه من علاج، خارج البلاد أو داخلها، لكن ذلك لم يتحقق فعلياً.
الذين تم تسفيرهم من الجرحى إلى الخارج لا يتجاوزون الـ25 شخصاً
وأصدر مجلس الوزراء العراقي، في أغسطس/آب الماضي، قراراً يقضي "بإرسال الحالات الحرجة من جرحى الاحتجاجات إلى الخارج لغرض العلاج، وتقديم منح مالية تصل لـ5 ملايين دينار (نحو 3200 دولار) من خلال شملهم بقانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية. كما أقر المجلس بتشكيل لجان طبية من جميع التخصصات، الغرض منها متابعة الوضع الصحي للجرحى، وتوفير العلاج اللازم لهم مجاناً، حسب كل محافظة".
لكن وفق مصادر خاصة من تنسيقيات الاحتجاجات العراقية، تواصلت "العربي الجديد" معهم في كربلاء والبصرة والناصرية وبغداد، وهي من أعلى مدن التظاهرات العراقية خسائر بشرية، فإن "الذين تم تسفيرهم من الجرحى إلى الخارج لا يتجاوزون الـ25 شخصاً، وغالبيتهم يعانون من مشاكل صحية بالغة الخطورة والاستعصاء، وهي نسبة قليلة، كون المصابين بإصابات خطيرة يتجاوزون الألفي شخص".
وأشارت المصادر إلى أن "فريق الناشطين، الذين عيّنهم الكاظمي لغرض متابعة هذه الحالات، يستقرون في بغداد، ولا توجد زيارات ميدانية إلى الجرحى، والتعرف عن كثب على حالاتهم الحرجة. وهناك جانب من المحسوبية والوساطات أيضاً في عمل اللجنة المشكلة من قبل الحكومة". واتهمت عدداً من أعضاء اللجنة بأنهم يستخدمون الملف لغايات الدعاية السياسية والترويج لأنفسهم.
من جهته، قال كرار أحمد (26 سنة)، من مدينة سوق الشيوخ التابعة لمحافظة ذي قار، إنه "أصيب بشظية في رقبته وقد تم إخراجها، لكنه بحاجة إلى ثلاث عمليات تجميل جراحية. وقد تواصل مع وزارة الصحة بنفسه، وتواصل مع أكثر من مستشار للكاظمي، من خلال الاتصالات الهاتفية، لكنه لم يحصل على غير الوعود". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "عشرات الإصابات الحرجة في مدينة الناصرية لم تتلق أي علاج، ولم تحصل على تعويضات مالية، على الرغم من أن الحكومة كانت قد وعدت بذلك أكثر من مرة. بل إن الحكومة لم تتمكن من توفير أي وسائل لدعم المحتجين الذين خرجوا من أجل إصلاح الأوضاع في العراق، ولكن بعض المستشفيات الأهلية في مدينة كربلاء، استقطبت جرحى، وعملت على إنجاح بعض العمليات الصعبة لهم، لكنها مبادرة لم تُسهم بمعالجة كل المصابين".
المصاب من محافظة القادسية عبد الرزاق مجيد (32 عاماً)، الذي تعرض إلى استهداف بقنبلة دخانية أصابت رأسه وتسببت بكسر في الجمجمة، ما أدى إلى حرمانه من استكمال دراسته الجامعة كطالب دراسات عليا، قال إنه "لم يلتق أي مسؤول خلال الأشهر الماضية، مع العلم أنه حاول كثيراً التواصل مع مكتب رئيس الوزراء". وأوضح، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنه "لا يقوى على الحركة، وأثرت الإصابة على حواسه ونطقه، ولديه الكثير من المشاكل في أطرافه السفلى، ولكن لا يوجد من يهتم. كما أن دائرة صحة الديوانية في محافظته، تعلل عدم معالجة المصابين بالتظاهرات كون هذا الملف من اختصاص مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي".
كرار أحمد: عشرات الإصابات الحرجة في الناصرية لم تتلق أي علاج
لكن المتحدث باسم مجلس الوزراء العراقي حيدر مجيد قال، لـ"العربي الجديد"، إن "المتقدمين لطلب العلاج من المتظاهرين خارج العراق هم 110 مصابين، ولكن الذين شملهم التسفير لغرض العلاج، هم 36 شخصاً فقط، منهم 6 لا يزالون في الهند بسبب حالاتهم الحرجة، والآخرون من الممكن علاجهم داخل البلاد". وأوضح أن "الباب لا يزال مفتوحاً أمام جميع المصابين والجرحى من المحتجين للتقديم من أجل الحصول على العلاج".
من جهته، قال الناشط الحقوقي علي المكدام إن "كل الإعلانات الرسمية، من قبل الحكومة العراقية واللجان الطبية ووزارات العمل والشؤون الاجتماعية والخارجية والصحة، بشأن معالجة جرحى احتجاجات تشرين لم تكن واقعية، ولم يظهر لها أي أثر على أرض الواقع. حتى أن هذه الجهات لم تتمكن من توفير العلاج والرعاية الصحية في داخل العراق". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "تظاهرات تشرين خلفت أكثر من 27 ألف جريح، ولكن حكومة الكاظمي، وعلى الرغم من الاستعراضات الإعلامية التي تبادر بها، لم تتوصل إلى معالجة ربع الذين يحتاجون للعلاج والرعاية".
واتهم المكدام الحكومة بأنها "تاجرت بملف المصابين، والأحزاب بأنها عملت على كسب التعاطف الشعبي لمصلحتها، من خلال نشر بيانات رسمية تهدف إلى معالجة المصابين، ولكن لا شيء حقيقياً حصل". وأوضح أن "الناشطين العراقيين أطلقوا أكثر من مرة حملات للتبرع من أجل معالجة بعض المصابين بإصابات حرجة، فيما تكفلت عوائل بعض المصابين الآخرين وعشائرهم برعايتهم على نفقتهم الخاصة. كما أن هناك الكثير من أسر ضحايا الاحتجاجات لم يتسلموا أي شيء من حقوق أبنائهم، على الرغم من أن الحكومة اعتبرتهم شهداء، ومن المفترض أن تكون لهم حقوق معروفة".
وكانت التظاهرات العراقية قد اندلعت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق. وطوال العام ونصف العام الماضي، شهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة بهذه الأعمال.
وأصدر مرصد "أفاد"، المعني بقضايا حقوق الإنسان في العراق، في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، إحصائية جديدة لعدد ضحايا التظاهرات. وقال إن العدد الكلي لضحايا التظاهرات منذ الأول من أكتوبر 2019 ولغاية نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، تجاوز عتبة الـ 762 متظاهراً، أصغرهم فتى في الرابعة عشرة من العمر، سقط في الأيام الأولى للتظاهرات في العاصمة بغداد. وبحسب المرصد، فقد تم "تسجيل إصابة نحو 27 ألف متظاهر، منهم ما لا يقل عن 900 سترافقهم إعاقات دائمة وتشوهات ومشاكل صحية مدى الحياة". وأشار إلى أن مدن بغداد والناصرية والبصرة تتصدر عدد الضحايا في العراق.