جدل يسبق بدء الحوار السياسي الليبي وسط تمسك قادة طرابلس بالاتفاقات مع تركيا

26 أكتوبر 2020
عراقيل لا حصر لها تواجه الحل الليبي (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه إعلان البعثة الأممية عن انطلاق المشاورات السياسية بين الفرقاء الليبيين ضمن عملية ملتقى الحوار السياسي، جدلا واسعا في الأوساط الليبية، لاسيما بخصوص الأسماء المشاركة فيه، في الوقت الذي ما يزال اتفاق وقف إطلاق النار الدائم يواجه انتقادات محلية.
وطالب آمر "غرفة عمليات تأمين وحماية سرت والجفرة" التابعة لحكومة الوفاق، إبراهيم بيت المال، البعثة الأممية بضرورة "إشراك القوات المساندة الموجودة على الأرض في أي حوار قادم، ما عدا ذلك فإن النتائج ستكون وخيمة وغير مقبولة".
وأعرب بيت المال، في بيان نشرته الغرفة على صفحتها على "فيسبوك" في وقت متأخر من ليل البارحة، عن استغرابه " بشدة الأسماء المطروحة في قائمة الحوار التي خرجت علينا اليوم بوسائل الإعلام المختلفة، ونتساءل بكل أسف من الذي اختار هذه الأسماء"، مطالبا رئيسة البعثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، بـ"الكف عن العبث بمصير الليبيين، ونؤكد لها بأنها لا تملك الحق في فرض أي شيء غير مرغوب فيه من ناحيتنا".


كما رفضت "قوة حماية طرابلس" قائمة الأسماء المعلنة من جانب البعثة، معللة سبب رفضها بـ"تغييب تمثيل عديد القوى العسكرية والسياسية والمناطقية وأهمها طرابلس وجلّ المنطقة الغربية"، متهمة البعثة بأنها "دست أسماء في هذه القائمة لتطبيق أجندة معينة"، وفق بيانها. 
واعتبرت القوة، في بيان مطول نشرته على صفحتها على "فيسبوك"، أن "القائمة تحمل عديد الأسماء الجدلية التي كانت يومًا سببًا في خراب هذه البلاد ومشعل الفتنة فيها"، وتساءل البيان عن ماهية المعايير التي تم من خلالها انتقاء هذه الأسماء. 


من جانبها طالبت كتلة نواب المنطقة الشرقية البعثة الأممية بـ"الالتزام بإعلان آلية اتخاذ القرار بالملتقى وذلك قبل انطلاقه"، مشيرة الى أن قائمة الأسماء المشاركة في الملتقى "لم تراع مسألة تساوي أعداد ممثلي المناطق الثلاث". 

إلى ذلك، أعلن رئيس لجنة المصالحة بالمجلس الأعلى لقبائل ليبيا، زيدان الزادمة، عن انسحابه من القائمة المقترحة وعدم مشاركته في جلسات الملتقى السياسي المزمع عقده في تونس. 
وأوضح الزادمة، في رسالة وجهها للبعثة ونشر نصها على صفحته بموقع "فيسبوك"، أن انسحابه جاء عقب مراجعته للأسماء المقترحة وما ورد بها من شخصيات جدلية. 


وزعم أن جلسات الملتقى السياسي تسعى إلى "إعادة تدوير بعض الشخوص غير المرحب بها في المجتمع الليبي، وكذلك إطالة أمد الأزمة الليبية، وعدم صدق ووضوح رؤية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على إنهاء المشكل الليبي سياسيا"، بحسب تعبيره. 
وكانت البعثة الأممية قد أعلنت، أمس الأحد، توجيهها الدعوة لـ "75 مشاركة ومشاركاً من ربوع ليبيا يمثلون كافة أطياف المجتمع الليبي السياسية والاجتماعية"، للمشاركة في الملتقى السياسي المقرر عقده في تونس الشهر المقبل. 
وأوضحت ويليامز أن الممثلين في الملتقى اختيروا بناءً على مبادئ الشمولية والتمثيل الجغرافي والسياسي والقبلي والاجتماعي العادل، مضيفة أن المجموعة الممثلة تضم ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بالإضافة إلى القوى السياسية الفاعلة من خارج نطاق المؤسستين.
لكن الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، يرى أن قائمة المشاركين في الملتقى السياسي التي أعلنتها البعثة أشعلت الخلافات مجددا، مشيرا إلى تصريحات بيت المال التي هدد فيها بنتائج وخيمة. 
ولفت الأطرش في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أن خطوات الأمم المتحدة بشأن الحل في ليبيا وإلحاقها ببعضها بعضا شكّل عامل عرقلة للوصول إلى الحل، موضحا أن "صياغة بنود حل للجانب العسكري تتطلب وقتا لقبول الأطراف المسلحة على الأرض به، خصوصا أن المنطقة لا تزال في وضع توتر والثقة منهارة بين طرفين مسلحين". 
ولفت إلى أن الأطراف المسلحة شعرت بأن البعثة والمجتمع الدولي يسعيان لتهميشها وإقصائها بسرعة، مضيفاً أن "تمثيل المجموعات المسلحة في لقاءات الحوار السياسي أمر يفرضه الواقع فلا يكفي تبادل الجثامين والأسرى وإخلاء مناطق التماس لوقف دائم للقتال". 

من جهته، يرى سفير ليبيا الأسبق لدى سلطنة عمان والبحرين، محمد خليفة العكروت، أن قائمة الأسماء "مبدئية وسيتم تعديلها"، مشيرا إلى أنها لقراءة المشهد فحسب. 
واعتبر العكروت، في منشور له على "فيسبوك"، أنه "ليست هذه الشخصيات التي تستطيع تقرير مصير البلاد".
في المقابل، يرى الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي، أن القائمة احتوت تمثيلا عادلا لكل الشرائح، مشيرا إلى أن أغلب الوجوه في القائمة سبق أن سربت أسماءهم وسائل إعلام محلية قبيل الإعداد لملتقى غدامس الجامع الذي كان مقررا عقده العام الماضي. 
وذكر الجواشي في حديث لـ"العربي الجديد" بأن كل جهود التوصل لتسويات في السابق لاقت اعتراضات محلية مماثلة بحكم حالة الصراع وشدة الاستقطابات، لكنه لفت إلى أن البعثة أخطأت عندما أسست الحل السياسي على تسوية عسكرية تمثلت في اتفاق اللجنة العسكرية الذي احتوى عيوبا كبيرة. 
ويشير الجواشي إلى أن أهم تلك العيوب مرتبط بتجميد اتفاقات الأطراف مع حلفائها، مؤكدا أنه "من غير المنطقي إقناع طرف مسلح بفك ارتباطه بحليفه الوحيد كقوات الحكومة، بل ومغادرة حلفائه البلاد والجبهات في حال توتر والثقة مفقودة، خصوصا أن مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر معروف عنها سرعة نقضها لأي اتفاق". 
وتابع "لا أعتقد أن البعثة أسست رؤيتها للحل السياسي بشكل واقعي، فهي تعرف أن اتفاقات تركيا مع حكومة الوفاق مرتبطة بصراعات أخرى بين أنقرة وعواصم توالي حفتر"، مؤكدا أن أغلب بنود الاتفاق العسكري لا يمكن تنفيذها ما سيؤثر سلبا على نتائج أي حوار سياسي.
وفي السياق، ما يزال الاتفاق الموقع بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، الجمعة الماضية، يواجه اعتراضات، آخرها بيان للمجلس الأعلى للدولة رحب فيه بالاتفاق، لكنه أكد أنه لا يعني "الاعتراف بشرعية" مليشيات حفتر، مشددا في الوقت نفسه على أن الاتفاق لا يشمل الاتفاقات الموقعة بين حكومة الوفاق والحكومة التركية. 
وجدد وزير الدفاع بحكومة الوفاق، صلاح الدين النمروش، وصف الاتفاق بـ"المبدئي"، مؤكدا أنه "لا يشمل اتفاقية التعاون العسكري مع دولة تركيا حليف الحكومة الشرعية"، بحسب تغريدة على حسابه بموقع "تويتر". 
وشدد النمروش على أن "اتفاقيات التدريب الأمني والعسكري يجب أن يتم التركيز عليها اليوم أكثر من أي وقت مضى خاصة إذا ما تم الالتزام بوقف إطلاق النار وإحلال السلام في ليبيا". 

من جهة أخرى، أكدت مصادر ليبية مسؤولة بأن اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 بدأت في تشكيل لجانها الفرعية بهدف بدء تنفيذ بنود الاتفاق، وتحديدا البنود المعنية بالإشراف على الوقف الدائم لإطلاق النار. 

وشرحت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمها، أن اللجنة تعمل على إنشاء لجان فرعية للإشراف على تبادل الأسرى والجثامين وفتح مسارات الطرق البرية المتصلة بمناطق التماس في الجفرة وسرت، تمهيدا لفتح الطريق الساحلي الرابط بين مصراته وأجدابيا والمار بمدينة سرت. 
وأضافت بأن هذه اللجان مشكلة من أعيان قبليين وشخصيات وطنية للإشراف على فتح مسارات الطرق البرية، فيما ستتولى فرق الهلال الأحمر عملية تبادل الجثامين والإشراف على تبادل الأسرى. 
وأشارت المصادر ذاتها إلى اللجنة العسكرية بدأت بتنفيذ البنود المتوافق حولها بين الطرفين، كخطوة تمهيدية لتنفيذ باقي البنود، ولا سيما المتعلقة بعودة جميع الوحدات العسكرية إلى مراكزها وفض نقاط التماس في مناطق وسط البلاد.