جدل حول مقترح لتعديل المرسوم الرئاسي 54 في تونس

22 فبراير 2024
رأى البرلمانيون أن التعديل يحمي مسار 25 يوليو من الطعن في مصداقية دستور 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

أثار اقتراح مجموعة من البرلمانيين تعديل المرسوم الرئاسي 54 الذي أصدره الرئيس قيس سعيد عام 2022، لمكافحة الجرائم المرتبطة بأنظمة المعلومات والاتصال، جدلاً بين أنصار مسار 25 يوليو/تموز حول أسباب هذا التعديلات وتبعاتها السياسية، وسط تشكيك في ولاء البرلمانيين لرئيس الجمهورية.

وعرض نحو 40 نائباً في البرلمان التونسي، أمس الأربعاء، مقترح قانون لتعديل المرسوم الرئاسي 54 المثير للجدل، والذي أصدره الرئيس سعيد منذ سنتين، بدعوى ما اعتبره بعضهم "توظيفاً لملاحقات قضائية مخالفة لدستور 2022 تمس حرية التعبير والصحافة". 

ويرى البرلمانيون أن هذا التعديل يدخل في سياق حماية مسار 25 يوليو من الطعن في مصداقية دستور 2022، الذي "يحمي الحريات ويكرس الديمقراطية"، فيما يرى مساندون للرئيس من خارج البرلمان أن هذه التعديلات على المرسوم الرئاسي 54 "تحركها أطراف خارجية"، هدفها إرباك "المسار الإصلاحي" الذي ينتهجه الرئيس.

"تجانس" المرسوم الرئاسي 54 مع الدستور

ويرى أمين عام حزب "مسار 25 يوليو" محمود بن مبروك، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا التعديل المطروح يدار من قبل كتلة موالية لأطراف خارجية، قدمت هذا المقترح لإرباك مسار 25 يوليو"، ورأى في المرسوم الرئاسي 54 "ثغرات وسلبيات، وكذلك إيجابيات، ولكن هذه الطريقة التي قُدم بها فيها ضرب لرئيس الجمهورية".

وأكد بن مبروك "بوصفي مسانداً لرئيس الجمهورية، لا يمكن أن أساند مقترحاً مفخخاً الهدف منه ضرب مؤسسة رئاسة الجمهورية وضرب المسار".

وتابع أن "هناك نواباً سحبوا توقيعاتهم قبل عرض المقترح على مكتب رئيس مجلس نواب الشعب"، حسب تأكيده.

في مقابل ذلك، اعتبر رئيس المكتب السياسي لحركة الشعب، نائب رئيس كتلة الخط الوطني السيادي في البرلمان عبد الرزاق عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مقترح التعديل ليس خاصاً بكتلة دون غيرها، وقد قدمته مجموعة نواب من مختلف الكتل البرلمانية، ومن غير المنتمين لكتل، ووقع نحو 40 نائباً على هذا التعديل".

وشدد عويدات على أن "التعديل يهدف إلى تحقيق التجانس والتطابق بين الدستور التونسي الذي يؤكد على احترام الحريات وهذا المرسوم، خاصة بعد التجاوزات التي حصلت ومست بأناس لا يجدر أن يشملهم المرسوم الرئاسي 54. على سبيل الذكر، الطلبة في كلية نابل الذين وجدوا أنفسهم في السجن بسبب أغنية، لولا تدخل رئيس الجمهورية".

وأضاف أن "تونس صادقت على اتفاقية بودابست الخاصة بالجرائم الإلكترونية، ويجب أن يكون القانون التونسي متجانساً ومتناغماً مع هذه الاتفاقية".

واستغرب عويدات الاتهامات الموجهة للبرلمان، قائلاً: "رئيس الجمهورية أكد أن أي قانون أو مرسوم ليس قرآنا منزلاً، وإذا بيّن الواقع قصوراً في قانون ما يمكن تعديله، وقد ذهب البرلمان في نفس توجه الرئيس"، مذكراً بـ"مصادقة البرلمان على تحويل مرسوم الصلح الجزائي إلى قانون بعد تعديله، فليس تعديل المراسيم إشكالاً"، حسب توصيفه.

ونفى عويدات أن "يكون البرلمان ضد مسار 25 يوليو أو ضد الرئيس، ولا مخالفاً، بل هو "يسير في نفس أهداف الدستور الذي ينص على ضمان الحريات واحترامها، وتحديد الحريات وتقييدها يكون في مجال الحدث الضروري".

 

المروسوم الرئاسي 54: صلاحيات التعديل أو الإلغاء

من جانبه، دوّن الناشط السياسي المساند لرئيس الجمهورية رياض جراد، على صفحته في "فيسبوك" أن "المرسوم السيادي عدد 54 (خالد الذكر)، تمّ إصداره بعد الإطّلاع على الأمر الرئاسي 117 المؤرّخ في 22 سبتمبر/ أيلول 2022؛ وعملا بأحكام الفصول (4 و7 و22) من الأمر 117 ولا يمكن إلغاؤه، أمّا إمكانيّة تعديله فهي من الإختصاصات الحصريّة لرئيس الجمهورية (مرسوم الصلح الجزائي نموذجاً)، وبالتالي المسألة محسومة من الناحية القانونيّة"، حسب قوله.

وتابع: "سياسياً، إذ ننزّه أغلب النواب (المغرّر بهم) من الموقعين على هذه المبادرة التشريعيّة الخطيرة الخارجة عن القانون وعن مسار التاريخ، فإن هدف من يقف وراءها هو ضرب شرعيّة ومشروعيّة البناء القانوني والمؤسّساتي لمسار 25 يوليو، والتّشكيك فيه (بما في ذلك مجلس نواب الشعب)".

وعلقت أستاذة القانون الدستوري هناء بن عبدة، في "فيسبوك"، على الجدل الدائر قائلة إن "هناك مجموعة من نادي أحباء هواية القانون الدستوري قالوا لا يمكن للبرلمان تعديل المرسوم 54، مستشهدين بالفصل السابع من الأمر 117 الذي يحصّن المراسيم من دعاوى الطعن بالإلغاء أمام المحكمة الإدارية".

وأوضحت أن "البرلمان هو صاحب السلطة الأصلية في التشريع، ومن واجب البرلمان أساساً أن يمرر المراسيم على أنظاره للمصادقة عليها أو تعديلها أو إلغائها حتى".

بدوره، أكد أستاذ القانون بكلية الصحافة وعلوم الإخبار أيمن الزغدودي، على صفحته في "فيسبوك"، أنه "يحق للبرلمان تنقيح المرسوم 54 سيئ الذكر وفقا لإرادة النواب، لأن الفصل 75 من الدستور ينص على أن المجلس هو الوحيد المخول بالتشريع في مجالات متعددة، من بينها الحريات وحقوق الإنسان، وبالتالي يمكن تعديل المرسوم سيئ الذكر الذي تتعلل به الدولة لمحاربة الجريمة الإلكترونية".

وذكر الزغدودي أن "الدستور التونسي الجديد جاء فيه أن الأمر 117 ينتهي بتولي مجلس نواب الشعب وظائفه، وبالتالي رئيس الجمهورية لم يعد لديه الحق في إصدار مراسيم خارج الفرضيات الثلاث التي جاء بها الدستور. وأبرز دليل على ذلك أن مرسوم الصلح الجزائي مر بالبرلمان لإدخال التعديلات عليه والمصادقة عليها، وغداً المرسوم المتعلق بالانتخابات سينظر فيه البرلمان، وهو الذي سيضع شروط الترشح لرئاسة الجمهورية وفقا لأحكام الدستور"، حسب تفسيره.