جدل حول تمديد حالة الطوارئ في تونس

30 ديسمبر 2023
يتعلق جوهر بنود حالة الطوارئ بتقييد حريات وتحركات التونسيين (Getty)
+ الخط -

يثير قرار السلطات التونسية المتجدد بإعلان حالة الطوارئ في كل تونس، تساؤلات حول دواعي استمرار العمل بهذا الإجراء الذي يصفه الخبراء بغير الدستوري، والذي كان الرئيس قيس سعيد نفسه يعارضه قبل وصوله إلى سدة الحكم.

وصدر أمس الجمعة، أمر رئاسي جديد في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية)، يقضي بتمديد حالة الطوارئ في تونس من 1 يناير/ كانون الثاني 2024 ولغاية اليوم الأخير من الشهر ذاته. 

وتعتمد السلطات التونسية هذا الأمر سنداً لدواع أمنية بالأساس، حيث شهدت البلاد منذ سنوات تمديداً دورياً في حالة الطوارئ، منذ أن قرر الرئيس التونسي الراحل، الباجي قائد السبسي، إعلانها في البلاد، في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2015، إثر العملية الإرهابية التي شهدتها العاصمة تونس وأودت بحياة 12 عنصراً من الأمن الرئاسي.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ورغم الجدل القانوني والحقوقي الذي عرفته تونس خلال السنوات الأخيرة، يتواصل التمديد في حالة الطوارئ بشكل دوري، بفترات تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر وتصل أحياناً إلى ستة أشهر، بالاستناد إلى أمر رئاسي يعود إلى عام 1978، وصدر زمن حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

وصيغ الأمر عدد 50 لسنة 1978 المنظم لحالة الطوارئ في أعقاب ما سمي بـ "الخميس الأسود" يوم 26 يناير/كانون الثاني من عام 1978، إبان تحركات نقابية واجتماعية، ويتعلق جوهر بنوده فقط بتقييد حريات وتحركات المواطنين، خاصة الاجتماعية والسياسية.

وسبق أن أعلنت أحزاب عدة ومنظمات حقوقية ومدنية تحفّظها على هذا الإجراء الذي اعتبرته غير دستوري ومطية للتضييق على حرية الأفراد، داعية البرلمانات المتعاقبة إلى إيجاد إطار قانوني لتنظيم حالة الطوارئ والإجراءات الاستثنائية الموجبة له، ويكفل الحريات الدستورية ولا يمس بالحقوق الفردية والعامة.

وسعى البرلمان السابق إلى صياغة قانون أساسي لتنظيم حالة الطوارئ، جوبه بمعارضة بسبب أحكامه وبنوده التي وُصفت بأنها "خطيرة وتهدد الحقوق والحريات".

وفي السياق، كان الرئيس التونسي قيس سعيد من المعارضين لهذا الأمر، حيث قال خلال كلمة توجه بها للتونسيين سابقاً: إن "حاله عند إصداره قرار تمديد حالة الطوارئ كان شبيهاً بمن يقبض على الجمر"، لافتاً إلى أن دوافع هذا القرار كانت أمنية بالأساس.

وشدد في المقابل، على أن الأمر المنظم لحالة الطوارئ لا يطبق منه سوى جزء قليل متصل بوضع أشخاص رهن الإقامة الجبرية أو الإدارية، أما الاجتماعات والمظاهرات وغيرها من الحريات فلم يتم منعها. 

ويمنح أمر حالة الطوارئ صلاحيات واسعة للسلطات لتقييد حرية الأفراد والجماعات، من خلال وضعهم تحت الإقامة الجبرية، أو حظر التجول، ومنع الاجتماعات، وأشكال الاحتجاج كافة، وتفتيش المحلات، فضلاً عن فرض رقابة على وسائل الإعلام، والعروض الثقافية بدون أمر مسبق من القضاء.

وبين أستاذ القانون الدستوري، خالد عبيد، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "التمديد في حالة الطوارئ المؤرخ في 1978 مخالف للفصل 49 من دستور 2014، والفصل 55 من دستور 2022 الحالي، الذي ينص على أنه لا يمكن الحد من الحقوق والحريات إلا بمقتضى نص تشريعي، وعندما نتحدث عن نص تشريعي فنحن نتحدث عن نص مصادق عليه من قبل البرلمان، والكل يعلم أن النص المطبق هو أمر رئاسي صادر بطريقة أحادية عن السلطة التنفيذية، ومخالف للدستور بطريقة واضحة وصريحة".

وشدد على أنه "لا شيء يمنع من سن قانون، فقد كان هناك قانون في البرلمان السابق، لكنه قُبر في أدراج البرلمان ولم ير النور، واليوم يستدعي الأمر تدخلاً تشريعياً إذا أردنا احترام الدستور، ويطرح من جديد معضلة غياب المحكمة الدستورية، لأنه في غيابها تتواصل الثغرة التي يصبح بموجبها خرق الدستور أمراً عادياً ويسيراً، وحيث يتم التعامل ببساطة مع خرق الدستور فإنه يفقد علويته في سلم القواعد القانونية".

من جهته، اعتبر رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، وأستاذ القانون الدستوري، شاكر الحوكي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التمديد في حالة الطوارئ "أصبح تقريباً إجراء شكلياً منذ أول عملية إرهابية في البلاد، ولا يترتب عنه آثار تذكر على صعيد الحقوق والحريات إذا أخذنا في الحسبان حالة الاستثناء؛ فصحيح أنه بعد الثورة كان هناك من يعارض ذلك الإجراء على أساس مخالفته الحقوق والحريات، ولا يشجع الاستثمار الأجنبي، ولكن اليوم كل تلك الانتقادات تبخرت، لأن حالة الطوارئ شأنها شأن كل القضايا الأخرى كغلاء المعيشة، أو تدهور المقدرة الشرائية، أو التسفير، وملف الاغتيالات، بل قل حتى المساواة في الإرث والإفطار في رمضان، كان الهدف منها النيل من حركة النهضة واستهدافها".

وأضاف الحوكي: "أما الآن فكل ذلك تبخر بمجرد غياب النهضة عن المشهد السياسي، ولو عادت فستعود معها كل تلك الانتقادات"، حسب تفسيره.

المساهمون