جبهة كورسك تضع الكرملين أمام معضلة عناصر الخدمة الإلزامية

28 اغسطس 2024
إجلاء سكان كورسك الروس، 17 أغسطس 2024 (فلاديمير ألكساندروف/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **التوغّل الأوكراني في كورسك ورد الفعل الروسي:** استمرار التوغّل الأوكراني في كورسك منذ أغسطس، وعجز الجيش الروسي عن إقصاء القوات الأوكرانية، دفع الكرملين لمواصلة التقدم في دونباس بشرق أوكرانيا.

- **إشراك أفراد الخدمة الإلزامية في القتال:** تم إشراك أفراد الخدمة الإلزامية في العمليات القتالية في كورسك، مما أثار حساسية لدى الرأي العام الروسي، ودفع موسكو لإجراء صفقة تبادل أسرى بوساطة إماراتية.

- **التعبئة المتوقعة ونقص الأفراد:** مع تزايد الخسائر البشرية، قد تضطر روسيا لإجراء تعبئة جديدة بحلول نهاية العام، وسط ترويج للأجور المغرية والمزايا للعسكريين المتعاقدين.

في موازاة إطالة أمد التوغّل الأوكراني في مقاطعة كورسك الحدودية الروسية، الذي بدأ في السادس من أغسطس/ آب الحالي، وعجز الجيش الروسي عن إقصاء القوات الأوكرانية، قرر الكرملين مواصلة التقدّم، ولو بوتيرة بطيئة، في منطقة دونباس (تضم لوغانسك ودونيتسك)، في الشرق الأوكراني، مع إحكام السيطرة على مزيد من البلدات، ولا يبدو حتى الآن مستعداً للتضحية بمثل هذا النجاح التكتيكي من أجل استعادة سلامة الأراضي الروسية. عززت هذا الوضع الترجيحات بأن الكرملين يواجه نقصاً في الأفراد لا يؤهله لخوض عمليات قتالية ناجحة على الجبهتين في آن معاً، وسط تزايد النقاشات في روسيا حول مسألة إشراك عناصر الخدمة الإلزامية غير المحترفين على نطاق واسع في أعمال القتال في كورسك.

ويتألف الجيش الروسي، البالغ عدد عناصره نحو 1.3 مليون فرد، من قسمين، يضم أحدهما أفراد الخدمة الإلزامية البالغة مدتها عاماً واحداً فقط، والآخر عسكريين متعاقدين يتقاضون رواتب مغرية، ويتدربون بشكل مهني ويشاركون في عمليات عسكرية حقيقية خارج البلاد، مثل العمليتين العسكريتين الروسيتين في سورية وأوكرانيا. أما أفراد الخدمة الإلزامية، فيؤدون مهام غير قتالية داخل روسيا فقط، ولكن انتقال أعمال القتال إلى عمق الأراضي الروسية يفسح المجال على مصراعيه أمام إشراكهم في العمليات القتالية على اعتبار أنه لم يتم إيفادهم إلى الخارج، وقد حدث ذلك بالفعل عند بدء الهجوم الأوكراني المباغت على مقاطعة كورسك في السادس من أغسطس الحالي، والذي أوقع عدداً منهم أسرى في قبضة الجيش الأوكراني.

ونظراً لما يشكله المساس بسلامة أفراد الخدمة الإلزامية من حساسية لدى الرأي العام الروسي، عكس الوضع مع العسكريين المحترفين المتعاقدين الذين اختاروا الذهاب إلى الجبهة بإرادتهم، سارعت موسكو في عطلة نهاية الأسبوع الماضي لإجراء صفقة تبادل بوساطة إماراتية مع أوكرانيا. وجرت عملية التبادل على الأراضي البيلاروسية، يوم السبت الماضي، وشملت 115 عسكرياً من كل جانب. وفي الوقت الذي كان فيه الجنود الروس المفرج عنهم يؤدون الخدمة الإلزامية على الحدود في مقاطعة كورسك، كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن عودة 115 من أفراد القوات المسلحة الأوكرانية والحرس الوطني وحرس الحدود إلى أوكرانيا.


فاديم ماسليكوف: الرأي العام الروسي لا يتقبل مشاركة شباب صغار في الحرب

الجنود الروس في كورسك

وأوضح فاديم ماسليكوف، الخبير في "مكتب التحليل العسكري - السياسي" والأستاذ المساعد في قسم التحليل السياسي في جامعة بليخانوف الاقتصادية الروسية، أن مشاركة أفراد الخدمة الإلزامية في أعمال القتال في مقاطعة كورسك جاءت نتيجة وجودهم فيها بالفعل حينما بدأ الهجوم وليس بسبب إيفادهم إليها من إقليم آخر. وقال ماسليكوف في حديث لـ"العربي الجديد": "جرى إشراك أفراد الخدمة الإلزامية في المعارك لأنهم كانوا بالفعل يؤدون الخدمة في منطقة القتال، بما في ذلك كأفراد حرس الحدود، وأثبتوا كفاءتهم بعدما أدوا القسم وبدأوا بتلقي التدريب والاستعداد لمثل هذا الاحتمال بصورة أو بأخرى، ولا تتعارض مشاركتهم لا مع القانون ولا مع الأخلاقيات العامة". ومع ذلك، أقر ماسليكوف بأن الرأي العام الروسي لا يتقبل مشاركة أفراد الخدمة الإلزامية الذين لا تتخطى أعمارهم في أحيان كثيرة 20 عاماً في العمليات القتالية، مضيفاً: "يقال بين الناس إن الحرب هي مهمة الشباب، ولكن فعلياً مجتمعنا لا يرحب بإيفاد شباب إلى الجبهة لم يحققوا أنفسهم اجتماعياً بعد من جهة تكوين عائلات وإنجاب أطفال، خصوصاً أن هناك أعداداً كبيرة من الذكور من الشرائح العمرية التي تعد أكثر استعداداً للحرب".

كما أن هناك شكوكاً في قدرة أفراد الخدمة الإلزامية على التصدي للجيش الأوكراني، الذي اكتسب خبرة قتالية مهمة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، وفق الخبير المستقل في شؤون الشركات العسكرية الخاصة يفغيني بيرسينيف، الذي قال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "الجيش النظامي لا يمكن مواجهته إلا بجيش نظامي آخر وليس بأفراد الخدمة الإلزامية. تدل كثرة الأسرى في صفوفهم (القوات الروسية)، على ضعف مستوى تدريبهم".

وعلى الرغم من أن اللوائح الروسية تتيح إشراك أفراد الخدمة الإلزامية في أعمال القتال في حال مرور ما لا يقل عن أربعة أشهر على تجنيدهم وقد تدربوا على إحدى المهن العسكرية، إلا أن ثمة نوعاً من العقد الاجتماعي يقتضي بقاءهم بعيداً عن الجبهات. ومن بين العوامل التي رسخت هذا العقد غير المعلن، وفق قطاع كبير من المتابعين، الجرح النازف في الذاكرة التاريخية للروس على خلفية سقوط خسائر فادحة في صفوف أفراد الخدمة الإلزامية أثناء التدخل السوفييتي في أفغانستان (1979 ـ 1989)، والحملتين الشيشانيتين، الأولى بين عامي 1994 و1996، والثانية بين عامي 1999 و2009.

وحتى لو اقتصرت مهام أفراد الخدمة الإلزامية في كورسك على حفر الخنادق وتوفير المؤن للمقاتلين المحترفين، إلا أنهم سيواجهون خطر الموت، إذ ترى القوات الأوكرانية في أي مواطن روسي يرتدي زياً عسكرياً هدفاً منطقياً، بينما لا تميز الذخائر والصواريخ بين طبيعة الخدمة التي يؤديها من تستهدفه، وهو ما زاد مخاوف العائلات من إيفاد أبنائهم المجندين إلى كورسك. وتلقى مشروع "اذهبوا إلى الغابة"، المعني بمساعدة الذكور على تجنب الذهاب إلى الجبهة، الكثير من طلبات العون لتجنب إيفاد أفراد الخدمة الإلزامية إلى كورسك، وفق ممثل المشروع إيفان تشوفيليايف، الذي قال في حديث لـ"العربي الجديد": "يتم إيفاد أفراد الخدمة الإلزامية من كافة أنحاء البلاد وحتى من الشرق الأقصى إلى كورسك، وقد تلقينا أكثر من 100 طلب إغاثة ممن تم إيفادهم بالفعل أو مَن علموا أن ذلك سيحدث".

ولفت تشوفيليايف إلى أن إعلان نظام "عملية مكافحة الإرهاب" في المقاطعات الحدودية الروسية، بيلغورود وكورسك وبريانسك، يتيح للسلطات الروسية توظيف أفراد الخدمة الإلزامية في العمليات القتالية تحت غطاء المشاركة في عمليات محدودة لا في حرب شاملة كما هو الحال على أرض الواقع، ناهيك عن الضغوط التي يتعرض لها المجندون حتى يقبلوا بالتعاقد ويتم إيفادهم إلى مناطق القتال في أوكرانيا، وفق ما رصده "اذهبوا إلى الغابة". وتوقع أن تضطر السلطات الروسية لإعلان تعبئة جديدة لسد نقص الأفراد على الجبهة، مذكراً بأن الـ300 ألف فرد الذين تمت تعبئتهم في خريف عام 2022 يواصلون القتال من دون تناوب ومن دون أن يتم تسريحهم من الخدمة حتى الآن، وإن كان يسمح لهم بالحصول على إجازات بين الحين والآخر.


إيفان تشوفيليايف: ستضطر موسكو لإعلان تعبئة جديدة لسد نقص جنودها

تعبئة متوقعة في روسيا

في منتصف أغسطس/ آب الحالي، نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن مصدرين مقربين من الكرملين ووزارة الدفاع الروسية قولهما إن الوضع الراهن مع الخسائر البشرية على الخطوط الأمامية قد يرغم روسيا على النظر في إجراء تعبئة جديدة بحلول نهاية العام الحالي، مع تقديم الأمر على أنه "تناوب" لمنح قسط من الراحة لمن يقاتلون حالياً. وينص المرسوم الرئاسي رقم 647 المؤرخ في 21 سبتمبر/ أيلول 2022 على سريان عقود العسكريين حتى انتهاء فترة التعبئة الجزئية التي لم يتم إلغاؤها رسمياً في روسيا حتى اليوم، وهو ما لا يترك مجالاً لتسريح العسكريين المتعاقدين أو من تمت تعبئتهم إلا في ثلاث حالات، هي بلوغ السن القانونية القصوى لأداء الخدمة العسكرية، والأسباب الصحية، ودخول أحكام بالسجن حيز التنفيذ. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المرسوم القاضي بزيادة عدد أفراد الجيش الروسي إلى 1.32 مليون، في إجراء هو الثاني من نوعه منذ بدء الحرب الروسية المفتوحة على أوكرانيا، ما يعني أن إجمالي عدد أفراد الجيش الروسي ازداد بمقدار أكثر من 300 ألف فرد في غضون عامين. من جهته، كشف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، أن نحو 190 ألف فرد تعاقدوا مع وزارة الدفاع الروسية في النصف الأول من العام الحالي، وسط انتشار إعلانات في شوارع المدن الروسية تروج للأجور المغرية التي يتقاضاها العسكريون المتعاقدون وما يتوفر لهم من مزايا.