استمع إلى الملخص
- **تحذيرات الأمم المتحدة**: تفاقم الأزمة الإنسانية وجرائم الحرب، الغارات الجوية الإسرائيلية، الهجمات الإيرانية والتركية، واستمرار القتل تحت التعذيب من قبل النظام.
- **التطورات السياسية والميدانية**: رفض المعارضة للتسوية مع النظام، استعداد "هيئة تحرير الشام" لمواجهة خروقات النظام، ودعم إيران والنظام لقوات العشائر ضد "قسد".
أوقف اتفاق وقف إطلاق النار شمال غربي سورية (إدلب ومحيطها) في ربيع العام 2020، العمليات العسكرية بين قوات المعارضة من جهة، وقوات النظام السوري والمليشيات التابعة لإيران وروسيا من جهة أخرى، لكنه أخفق في وقف إطلاق النار بشكل كامل وفعلي، مع استمرار عمليات القصف المدفعي، لا سيما من قبل النظام، وحتى القصف الجوي الروسي أحياناً، بالإضافة إلى عمليات التسلل المتبادلة على خطوط التماس. الوضع نفسه انعكس على جبهات سورية الأخرى، مع اختلاف أطراف القتال. ففي مناطق شمالي وشرقي سورية، ومنذ آخر معركة بين قوات المعارضة والجيش التركي من جهة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من جهة أخرى في خريف العام 2019، تواصلت المناوشات بين الطرفين، بين تصعيد وهدوء. فيما برز حراك العشائر العربية في وجه "قسد"، العام الماضي، والذي تجدد العام الحالي مع تدخّل النظام وإيران بدعم قوات العشائر بشكل مباشر.
أما في الجنوب، وتحديداً في محافظة درعا ومحيطها، فهناك محاولة من النظام وحلفائه للالتفاف على اتفاق التسوية في صيف العام 2018، والذي جاء أساساً جائراً على فصائل المعارضة، ما أدخل المحافظة ومحيطها في دوامة الفوضى الأمنية، التي تنذر بالانفجار في أي وقت. وفي الجنوب أيضاً، محاولة من النظام لجر السويداء إلى الخيارات العسكرية، وذلك منذ اندلاع الاحتجاجات فيها قبل أكثر من عام. وعلى الرغم من أن الحراك في السويداء لا يزال متمسكاً بسلميته، إلا أن محاولات النظام إحداث الفوضى واستفزاز الحراك مستمرة في مسعى لإخراج سلاح الفصائل هناك، بهدف وأد الحراك بالطرق العسكرية والأمنية. وضمن جبهات سورية الأخرى، فإن العمليات المتفرقة التي شنّها النظام والقوات الروسية وأحياناً "قسد"، في البادية السورية، جنوب شرقي البلاد، أخفقت حتى الآن بمكافحة خلايا تنظيم داعش، المختبئة في الجبال والبادية، على الرغم من الإعلان عن إنهاء "داعش" في سورية بآخر جيب له في بلدة الباغوز الحدودية مع العراق ربيع العام 2019. علماً أنه وفق المعطيات فالتنظيم مستمر بمحاولة استعادة عافيته، مع الاعتماد على العمليات الخاطفة والانقضاض من مواقع التخفي، بدلاً من السيطرة المكانية المستمرة.
حذّرت لجنة في الأمم المتحدة من تفاقم الأزمة الإنسانية التي قد تخرج عن السيطرة
استمرار القتل في جبهات سورية
كل ذلك شكّل تهديداً بتفجر القتال من جديد على جبهات سورية المختلفة، وخطوط التماس، وهو ما حذّرت منه الأمم المتحدة في آخر تقرير صدر عن لجنتها الخاصة للتحقيق في سورية قبل أيام، عازية ذلك إلى "استمرار أنماط جرائم الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية التي قد تخرج عن السيطرة، فيما يلوح شبح الحرب واسعة النطاق في المنطقة". وتطرق تقرير اللجنة، الذي نُشر في 10 سبتمبر/ أيلول الحالي، إلى الوضع في جبهات سورية المشتعلة، كالغارات الجوية الإسرائيلية في جميع أنحاء سورية، وقيام مجموعات تابعة لإيران باستهداف قواعد أميركية في شرقي سورية أكثر من مائة مرة، والهجمات المضادة من الجانب الأميركي. وأشار إلى أن ستة جيوش أجنبية ظلت نشطة في سورية أثناء الفترة المشمولة بالتقرير، من 1 يناير/كانون الثاني إلى 30 يونيو/حزيران من العام الحالي. كما لفت التقرير إلى الهجمات التي شنّها النظام، وما زال، في شمال غربي سورية، أي إدلب ومحيطها، ما أدى إلى قتل مدنيين ضحايا، مشيراً إلى أن تلك الهجمات "عشوائية، وترقى لجرائم حرب". كذلك تحدث التقرير عن عدم شرعية الضربات الجوية التركية ضد "قسد" شمال شرقي البلاد، لكونها استهدفت منشآت طبية ومدنية. حذّرت اللجنة في تقريرها، من تدهور الأوضاع في درعا والجنوب، نتيجة الفلتان الأمني. ونبّهت إلى استمرار القتل تحت التعذيب من قبل النظام، إضافة إلى سوء الأوضاع الإنسانية والمعيشية والاقتصادية في البلاد، وجميعها أسباب لتفجّر الأوضاع.
وتأسست لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسورية في أغسطس/آب 2011، أي بعد نحو خمسة أشهر من اندلاع الحراك والاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد، وذلك للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان المرتكبة منذ اندلاع الصراع في البلاد في وقت سابق من ذاك العام، في جبهات سورية. ومن المتوقع إحداث واقع جديد على الأرض، بفعل الاستعصاء السياسي على مستوى الحل النهائي في سورية، وفق المرجعيات الأممية، وكذلك التطورات السياسية الفرعية، لا سيما عمليات التطبيع مع النظام، أهمها مفاوضات التطبيع بين تركيا، الداعم الأبرز للمعارضة، من جهة، والنظام في دمشق من جهة أخرى.
رفض التسويات
لكن من غير المتوقع قبول الكثير من فصائل المعارضة، حتى تلك التابعة لـ"الجيش الوطني السوري" الموالي لتركيا، أي تسوية بين دمشق وأنقرة تهدد بخسارة المعارضة لمواقعها، لا سيما شمالي حلب. في حين أن لإدلب ومحيطها وضعاً مختلفاً في ظل الانتشار التركي مع وجود "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وسط اتجاهها لعدم التساهل بعد الآن مع خرق النظام والمليشيات لوقف إطلاق النار، بل بادرت في عمليات التسلسل والهجمات الخاطفة على بعض الجبهات. وبرزت أخيراً الاتهامات الروسية لـ"تحرير الشام" بأنها أجرت مفاوضات مع أوكرانيا لتنفيذ عمليات ضد المصالح الروسية في سورية، وهو ما يخشى أن يكون خلق ذرائع روسية جديدة بغية السيطرة مع النظام على ما تبقّى من محافظة إدلب ومحيطها. في المقابل، أشارت معلومات "العربي الجديد"، إلى أن المعارضة باتت أكثر استعداداً لهذه السيناريوهات، وأن غرفة عمليات "الفتح المبين"، المنضوي تحتها "الهيئة" إلى جانب فصيلي "جيش العزة"، و"الجبهة الوطنية للتحرير" (تحالف فصائل)، أجرت الكثير من التدريبات أخيراً، استعداداً لأي تطور.
مصطفى بكور: ترغب كل الأطراف في توسيع المناطق الخاضعة لسيطرتها وإضعاف أعدائها
ورأى المحلل العسكري القيادي في "الجيش السوري الحر" المعارض، العقيد مصطفى بكور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن جبهات سورية مثل شرق الفرات بين المليشيات الإيرانية و"قسد"، وشمالي حلب بين "قسد" و"الجيش الوطني"، وجبهات أرياف إدلب وحلب بين المليشيات الإيرانية و"الفتح المبين"، هي الأبرز والمرشحة لاندلاع القتال فيها بأي لحظة. وعزا أسباب ذلك إلى "رغبة كل الأطراف في توسيع المناطق الخاضعة لسيطرتها وإضعاف أعدائها". وباعتقاده فإن "الجميع مستعد لهذه الاحتمالات، فقسد مدعومة أميركياً، والجيش الوطني مدعوم تركياً، والفتح المبين تتحضر منذ سنوات لاحتمالات اندلاع المعارك، لكن الحلقة الأضعف فيها هي قوات النظام التي تتنازعها المليشيات الإيرانية والقوات الروسية وعصابات الشبيحة". وأشار بكور إلى أنه "من الممكن تغيير خرائط مناطق السيطرة في حال اندلاع القتال، وسيكون نظام الأسد هو الخاسر الأكبر". وأوضح أنه "سيتم تغيير الخرائط عن طريق المعارك أو الاتفاقات الدولية التي سيفرضها الأمر الواقع الجديد على الأرض بعد اندلاع معارك في جبهات سورية المتعددة، وأن الضحايا المدنيين سيكونون في كل الحالات من السوريين".
من جهته، أشار الباحث في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "بناء على محاولات النظام السوري وإيران تشكيل ضغط على الوجود العسكري الأميركي في سورية، ودعمهما قوات العشائر في دير الزور التي تحركت لتنفّذ هجماتها ضد قسد منذ ما بعد منتصف العام الماضي، من الممكن أن يشهد هذا المحور استمرار العمليات ضد قسد". وأضاف أن "النظام سيستفيد من دعمه لهذه القوات لعدة عوامل، منها الرفض الشعبي لقسد وكوادرها في المنطقة بسبب سياسة التهميش والإقصاء بحق العرب في منطقة العمليات، وعدم تقديم دعم من أي طرف لقوات العشائر، واضطرار هذه القوات لاستجرار الدعم من النظام وحلفائه وتفضيلها ذلك على الاستسلام لقسد، إلى جانب عدم جدية الجانب الأميركي في التدخل إلى جانب قسد". وبرأي حوراني "يبدو أن قوات العشائر ونظراً لتحركها المستمر منذ عام، تلجأ إلى استنزاف قسد وإضعافها في تلك المناطق للوصول إلى إجبارها على الانسحاب أو الاعتراف بحكم وإدارة من أبناء تلك المناطق للمنطقة". ولفت إلى أن "هيئة تحرير الشام" نفذت العديد من العمليات "سواء بالمجابهة مع قوات النظام أو خلف الخطوط، وأوقعت خسائر فادحة في صفوف النظام مادية وبشرية، واعتمدت على مجموعة من العمليات والأساليب العسكرية لضمان التأثير في صفوف العدو، كالكمائن والإغارة والتسلل إلى نقاط قريبة من أهداف العدو".
ومن جانب آخر، وفق حوراني، "فشل النظام خلال الفترة السابقة بتحقيق أي تقدّم على تلك الجبهات على الرغم محاولاته من المتكررة التقدّم أو التسلل التي كانت جميعها تمنى بالفشل، فلجأ إلى سلاح المسيّرات، إلا أن استخدامه للمسيّرات يُظهر أنه لا يمتلك بنك أهداف عسكرية تؤثر في قوة الفصائل المنتشرة في المنطقة، أي غرفة عمليات الفتح المبين". وبيّن أنه "بناء على ما سبق وإضافة إلى التجهيزات العسكرية المستمرة من تحصينات خطوط الرباط وتدريبات عسكرية وتزويد الوحدات بالعتاد القتالي الذي يناسب أي عمل عسكري مقبل، فإن هيئة تحرير الشام/غرفة عمليات الفتح المبين، هي الطرف الأكثر استعداداً للقتال". لكن حوراني استبعد حصول تغيير جذري في خرائط السيطرة الحالية لأسباب عديدة، منها "عدم رغبة الأطراف الدولية في اندلاع معارك واسعة كي لا تؤدي إلى مزيد من الهجرة التي باتت مسألة تؤرق كافة الدول الأوروبية وتسعى لإيجاد حل لها". ومن بين تلك الأسباب أيضاً "خضوع المعارضة والنظام لأطراف إقليمية ودولية (روسيا، تركيا)، مع محاولة التطبيع بين النظام وتركيا وفق شروط وتفاهمات محددة، ولتآكل قوات النظام بدليل العمليات التي تطاولها على خطوط التماس شمال غرب سورية، واستنزاف قواتها في درعا، وبسبب الحرب الأوكرانية وتأثيراتها على روسيا".