استمع إلى الملخص
- يوضح الكاتب محمد الأخرس أن التهجير جزء من استراتيجية إسرائيلية لتغيير ديمغرافية شمال القطاع، مع محاولات لتنفيذ مشروع "المناطق المعقّمة".
- يرى أستاذ العلوم السياسية مخيمر أبو سعدة أن المخططات مرتبطة بالانتخابات الأميركية، مع أمل نتنياهو في دعم أميركي، لكن صمود السكان والموقف المصري قد يحبطانها.
يأتي التصعيد في بعد فشل مخطط التهجير في العام الأول من الحرب
يراهن الاحتلال على خروج السكان نحو الجنوب تحت ضغط الكثافة النارية
تقضي "خطة الجنرالات" التعامل مع من تبقّوا على أنهم "مقاتلون"
يعود الحديث عن التهجير للواجهة من جديد في ظل العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة شمالي قطاع غزة للأسبوع الثاني على التوالي، والتي يستخدم فيها الاحتلال القوة المميتة في استهداف نحو 400 ألف فلسطيني في المنطقة الشمالية، لا سيما في جباليا ومخيمها، بالإضافة إلى أسلوب الحصار المطبق ومنع إدخال المواد الغذائية والدوائية.
ويبدو مسلسل التهجير حاضراً من خلال "خطة الجنرالات" التي يروّج لها عدد من قادة جيش الاحتلال السابقين، والتي تقوم على تنفيذ عملية عسكرية واسعة شمالي القطاع، بالإضافة إلى تجويع السكان، واتّباع كافة الأساليب الهادفة لتهجيرهم نحو وسط وجنوبي القطاع والتعامل مع من تبقّوا على أنهم "مقاتلون". ورغم الإعلان الإسرائيلي المتكرر أن العملية تستهدف بنية عسكرية لحركة حماس في المنطقة، والتي كان آخرها تصريح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تحدث عن أن هدف العملية استهداف معاقل الحركة وذراعها العسكرية، إلا أن مراقبين يربطون بين ما يجري وبين "خطة الجنرالات، التي وضعها اللواء في الاحتياط غيورا آيلاند. وبموجب هذه الخطة فإن أولئك الذين يختارون البقاء في الشمال في ظل الحصار والتجويع وتدمير المنازل، سيتم اعتبارهم ناشطين في حركة حماس، وسيكون بالإمكان المساس بهم.
الصمود في جباليا والشمال
ويراهن الاحتلال منذ الأيام الأولى للعملية العسكرية على خروج السكان نحو الجنوب تحت ضغط الكثافة النارية، إلا أن نسبة الاستجابة لا تزال منعدمة، خصوصاً أن الاحتلال يستهدف عبر الطائرات المسيّرة كل من يتحرك في مخيم جباليا. علماً أنه حتى من يتحركون من السكان فيتبعون طريقاً مغايراً لما وجهه الاحتلال من خلال أوامر الإخلاء نحو الجنوب عبر طريق صلاح الدين فقط، إذ يتوجهون نحو مدينة غزة وأحياء الشيخ رضوان والنصر والرمال والساحة، غربي ووسط المدينة الواقعة أيضاً في شمالي القطاع.
بالتزامن مع ذلك ترفض الطواقم الطبية إخلاء ثلاثة مستشفيات مركزية في المنطقة، هي كمال عدوان والعودة والإندونيسي، وهي تمارس عملها على الرغم من الاستهدافات المتكررة والنقص الكبير في الوقود والمعدات الطبية والأدوية المتوفرة. ويخشى السكان في القطاع من أن يكون تنفيذ هذه الخطة مقدمة لتمريرها على مختلف مناطق غزة بعد فشل مخطط التهجير في العام الأول من الحرب، في ظل التسريبات حينها بشأن مقترحات إسرائيلية وأميركية بتهجير الفلسطينيين من القطاع جنوباً إلى سيناء المصرية، وسط رفض السلطات المصرية لهذا المقترحات بشكل قاطع، باعتبارها مساساً بالأمن القومي المصري. في المقابل تطلق الفصائل الفلسطينية والجهات الحكومية في غزة دعوات للأهالي بعدم النزوح، لا سيما مع المزاعم الإسرائيلية بوجود مناطق آمنة في الوسط والجنوب، والتي يكذبها الميدان من خلال عمليات القصف الجوي والمدفعي المتكررة في مختلف هذه المناطق التي يدعو الاحتلال الفلسطينيين للتوجه إليهان إذ لا مكان آمناً في القطاع.
محمد الأخرس: يسعى الاحتلال لتنفيذ مشروع المناطق المعقّمة لإيجاد موطأ قدم للاحتلال
يرى الكاتب الفلسطيني والمختص في الشأن السياسي محمد الأخرس، أن "مخططات الاحتلال بتهجير سكان شمالي القطاع ليست وليدة اللحظة الحالية، إذ بدأت منذ بداية هذه الحرب وكانت واضحة من خلال البلاغات التي يصدرها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي ومن حجم الانتشار العسكري". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "كل هذه التفاصيل جاءت بشكل مباشر ضمن استراتيجية إسرائيلية لتفريغ شمالي القطاع ومحاولة الاستفراد بالمقاتلين الفلسطينيين هناك، إذ عوّل الاحتلال على جعل الشمال منطقة عازلة أو بمثابة بداية لمشروع الاحتلال في إعادة تشكيل البنية الديمغرافية والبنية الاجتماعية لهذه المنطقة". وبحسب الأخرس فإن "عدم نجاح مخطط التهجير الكلي، وعدم نجاح فكرة عودة الاستيطان داخل القطاع، دفعا بقادة اليمين الديني المتطرف في دولة الاحتلال لإحياء فكرة إعادة تعريف الحكم في منطقة الشمال". غير أنه يضيف أن هذه الأفكار "لم تنجح سواء عبر ما عرف بمشروع الفقاعات الإنسانية (بحسب وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت يتم تقسيم قطاع غزة إلى مناطق صغيرة، يدخل الجيش الإسرائيلي إلى كل منطقة تدريجاً للعمل على القطاع على عناصر حركة حماس) أو العشائر وغيرها من الأفكار".
ويعتبر الأخرس أن ما يجري حالياً يأتي "ضمن صراع حرب الإرادات، إذ يسعى الاحتلال لتنفيذ مشروع المناطق المعقّمة والتي ناقشها في الفترة الأخيرة، والتي يتم بوجودها تفريغ السكان ومن ثم إيجاد موطئ قدم للاحتلال في تلك المناطق واستقدام الناس ضمن تجمعات سكنية أو مخيمات يتم الإشراف عليها من قبل جيش الاحتلال ويشرف على توزيع المساعدات فيها". وتكتسب هذه المخططات وفقاً للأخرس "خطورة أكثر بالنظر لشعور الأوساط الإسرائيلية بأنها غير قادرة على فرض رؤيتها السياسية أو الضغط على المقاومة الفلسطينية في ما يتعلق بملف المحتجزين الإسرائيليين لديها، وبالتالي يزيد الجانب الإسرائيلي من الضغط على سكان شمالي القطاع". وعن فرص إحباط خطط التهجير، يلفت إلى أن ذلك "يظهر في عدة ملامح أساسية أبرزها أن سكان الشمال وتحديداً في مخيم جباليا ظلوا صامدين في منازلهم، وحتى الذين نزحوا اتجهوا نحو مناطق مدينة غزة التي لم يصل إليها الاحتلال". ويوضح أنه "بالتالي طالما السكان بقوا في بيوتهم وبقوا في مناطقهم من جهة، وبقيت المقاومة قادرة على تكبيد الاحتلال خسائر من جهة أخرى، فهناك فرصة حقيقية لإفشال هذا المخطط، مع ضرورة أن تكون هناك عوامل ضاغطة على الاحتلال سواء في الضفة الغربية المحتلة أو الداخل المحتل عام 1948 وحتى الخارج". وخلال الأيام الماضية نفذت المقاومة الفلسطينية بمختلف أذرعها العسكرية عدة عمليات استهدفت قوات الاحتلال المتوغلة على شكل كمائن تتبع تكتيك "حرب العصابات"، لا سيما في جباليا ومخيمها، بالإضافة لإطلاق قذائف الهاون تجاه القوات المتوغلة في الميدان.
مخيمر أبو سعدة: يأمل نتنياهو أن يحصل على ضوء أخضر من الرئيس الأميركي المقبل
تنفيذ "خطة الجنرالات"
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، إنه "من الواضح أن ما يجري في مناطق شمالي القطاع هو تطبيق لما يسمى إسرائيلياً بخطة الجنرالات، التي تسعى إلى تهجير سكان شمالي القطاع إلى منطقة الجنوب". ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "تطويق مخيم جباليا والهجوم عليه ومحاولة إخلاء المستشفيات والهجوم عليها، وفصل الشمال عن مدينة غزة، يوضح بشكل تدريجي أن هناك مخططاً إسرائيلياً لإفراغ الشمال بالكامل والتعامل معه على أنه منطقة عسكرية". وباعتقاده فإن "مشروع التهجير لا يزال قائماً حتى اللحظة، وأحد أسباب إفشاله هو الموقف المصري الذي كان في البداية، بالإضافة إلى بقاء السكان في المناطق الفلسطينية وعدم الاندفاع نحو الحدود مع مصر".
ويربط أبو سعدة بين مشروع التهجير وبين نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الأول المقبل، وما ستسفر عنه "إذ يأمل نتنياهو أن يحصل على ضوء أخضر من الرئيس الأميركي المقبل، بالذات في حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب". وبشأن فرصة إحباط المخطط، يقول إن "الفرصة تبدو قائمة، لا سيما أن الظروف الإقليمية والدولية لا تساعد نتنياهو ووزراء حكومته المتطرفين بشكل كامل على تنفيذ مشروع التهجير خلال المرحلة الراهنة، وهو ما يتطلب دعماً أميركياً لن يتوفر إلا بعد أن تتضح شكل الخريطة السياسية في الولايات المتحدة". ويشير إلى أن "أسلوب الحصار والتجويع المتّبع بحق السكان، يأتي في سياق محاولة الاحتلال دفع السكان نحو الجنوب وتنفيذ خطة التهجير الداخلي خلال المرحلة الحالية من شمالي وادي غزة نحو جنوبه".