في 21 سبتمبر/أيلول 2014، سيطرت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) على العاصمة اليمنية صنعاء، بمسلحيها القادمين من معقل الجماعة في صعدة (شمال اليمن)، الذين خاضوا قبل ذلك معارك مع القوات اليمنية لأشهر.
لكن تلك السيطرة يصفها اليمنيون بـ"النكبة"، لأنها أسست لواقع الحرب والمعاناة التي تعيشها البلاد حالياً للعام الثامن على التوالي، وما نتج عنها من تدهور في كل مناحي الحياة.
وفي الوقت الذي يحتفل فيه الحوثيون سنوياً بهذه الذكرى، باعتبار أن إسقاط الدولة وسيطرتهم عليها كان ثورة، أو ما يطلقون عليها بـ"المسيرة القرآنية"، حيث يرون أن ما حدث استحقاق إلهي في منحهم الحكم، فإن المواطنين اليمنيين يستذكرون في المقابل مأساتهم الإنسانية بدءاً بسقوط الدولة، والمبرر الذي سمح للتدخّل الخارجي بشن حرب واسعة في 25 مارس/آذار 2015، وما تلاه من حالة صراع وتمزيق للبلاد.
تعيش صنعاء حالة من التحشيد للقتال باستعراضات عسكرية للحوثيين
وتتزامن الذكرى هذا العام مع الهدنة الأممية السارية في البلاد للشهر السادس على التوالي. لكن صنعاء تعيش حالة من التحشيد للقتال باستعراضات عسكرية للجماعة، وحلّقت مروحيات، الأحد الماضي، لأول مرة في سماء صنعاء منذ بداية الحرب.
كما تأتي الذكرى مع أزمات مستمرة، صنعها واقع السلطة الجديد خلال الحرب في السنوات الماضية، خصوصاً تلك المتعلقة بالمعيشة والحياة اليومية للمواطنين.
العودة إلى الوراء وانهيار الخدمات
ما زال صالح المعلمي (45 عاماً)، وهو تاجر تجزئة في صنعاء، يتذكر حشود الحوثيين والتظاهرات التي كانت تخرج في العاصمة قبل السيطرة عليها، والتي تندد بإعلان الحكومة اليمنية حينها رفع أسعار المشتقات النفطية.
وفي نهاية يوليو/تموز 2014 رُفع سعر 20 ليتراً من البنزين من 2500 ريال إلى 4000 ريال، وكان حينها الدولار يساوي 215 ريالا كسعر موحد بكل اليمن. أما الآن فيصل سعره بصنعاء إلى 560 ريالاً، ونحو 1150 ريالاً في عدن ومناطق الشرعية.
وقال صالح، في حديث مع "العربي الجديد": "كنت واحداً من الذين اعتقدوا أن مطالب الحوثيين منطقية، لأني كمواطن كنت متضرراً، ولم أكن أعرف أن تلك التظاهرات ستجعلنا نصل إلى المجاعة والحرب التي دمرتنا، ونعيش في أزمات لا تنتهي في المشتقات النفطية، إذ وصل سعر الغالون (20 ليتراً) إلى 40 ألف ريال مطلع هذا العام".
وأضاف: "كل حياتنا تغيّرت للأسوأ، كنا ندفع الضرائب والزكاة كاستحقاق قانوني. الآن ندفع إتاوات في كل المناسبات التي يعلن عنها الحوثيون. وتحت سطوة القوة والتهديدات يطلبون منا كل أنواع الإتاوات، ولا نرى شيئاً على مستوى الخدمات، حتى نظافة الشوارع يتم فرضها علينا بالمناسبات".
ويرى اليمنيون أن انهيار الدولة كلياً عقب سيطرة الحوثيين، هو أول مداخل حالة الحرب التي تعيشها البلاد، على الرغم من أن الاختلالات التي كانت تجري حينها في المؤسسات، جراء حالة الاستقطاب على السلطة من النظام السابق، والذي كان جزءاً من السلطة، هو السبب الذي مهد لسيطرة الحوثيين، إذ بقي الجيش والأمن محايدين إزاء معارك الحوثيين مع القبائل ووحدات من الجيش في المحافظات المحيطة بالعاصمة.
وقال هشام عبد القادر، وهو موظف حكومي سابق، إنه "على الرغم من أن حالة الدولة كانت هشة بسبب صراع ما بعد ثورة 2011، إلا أنها كانت قائمة بمسؤوليتها في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين بالحد الأدنى على الأقل. لكن منذ سيطرة الحوثيين انهار كل شيء. لم نر الكهرباء الحكومية منذ ذلك الحين، وحتى المستشفيات العامة تكلفتها تقترب من الخاصة بخدماتها السيئة".
صلاح النهمي: الانقلاب مثّل الأرضية المناسبة لأكبر تدخّل خارجي مباشر في اليمن
وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد": "حتى ولو انتهت الحرب وسيطرة الحوثيين، نحن بحاجة إلى بناء من جديد، بعد تكوّن واقع جديد. حتى تلك الرواتب المنقطعة التي يطالبون بتسليمها لم تعد كافية للعيش مطلقاً بسبب غلاء المعيشة، حتى ولو انتظمت مجدداً".
التدخّل الخارجي في اليمن
عندما تُذكر الحرب اليمنية في الإعلام الدولي، يتم ربط بدايتها بالهجوم العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في 26 مارس/آذار 2015. لكن الحقيقة أنها بدأت مع سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، ونقضها الاتفاق الذي سمي حينها بـ"السلم والشراكة"، ووقّع بعد استكمال سيطرة الجماعة على كل مؤسسات الدولة، وصولاً إلى وضع الرئيس السابق عبدربه منصور هادي والحكومة وكافة المسؤولين تحت الإقامة الإجبارية.
ويرى مراقبون أن التدخّل الخارجي كان خياراً إجبارياً لحكومة هادي عندما غادر من صنعاء إلى عدن، وهناك قصف الحوثيون مقر إقامته بالطائرات. وبناء على ذلك طلب من السعودية التدخّل، وهو ما أعلنه التحالف العربي حينها، وتلك اللحظة التاريخية مهدت لتدخّل أوسع في اليمن، وصناعة حالة الانقسامات والتفكك.
وقال الكاتب السياسي صلاح النهمي إن "انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر (2014) كان ضربة قاصمة، ليس للمرحلة الانتقالية التي كانت تعيشها البلاد عقب الحوار الوطني إبان ثورة فبراير/شباط 2011، بل للعملية السياسية والنسيج الاجتماعي وحتى الكيان الجغرافي للجمهورية اليمنية".
وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا الانقلاب "مثّل الأرضية المناسبة لأكبر تدخّل خارجي مباشر في اليمن عسكرياً وسياسياً، وحتى اقتصادياً، وجعل اليمن عرضة لأطماع دول لم تكن تحلم بأن تنال مثل هذه الفرصة في يمن ممزق"، لافتاً إلى أنه "تعزز الانقسام المناطقي لليمن شمالاً وجنوباً، وأوجد البيئة والمبررات لسيطرة قوى انفصالية على جنوب اليمن".
ورأى النهمي أن سيطرة الحوثيين "أفقدت الثقة شعبياً ومدنياً بأهمية الحوار السياسي السلمي في حل القضايا السياسية والاجتماعية وتحقيق العدالة، حيث كانت القوة الغاشمة هي الحاسمة في عملية الاستيلاء على السلطة والثروة".
وأفضت الحرب خلال السنوات الماضية إلى نزعات مناطقية وتدخّل خارجي مستفز لليمنيين. وأصبح مصير البلد الآن بيد اللاعبين الإقليميين والدوليين، حيث تتحكم السعودية بمصير الشرعية اليمنية، في المقابل يتلقى الحوثيون الدعم المعلن من إيران التي ترتبط معهم بعلاقات رسمية، رغم أنهم سلطات غير شرعية، وهذا لا ينفي الدعم العسكري السري الذي كان يصل إلى الجماعة حتى ما قبل الحرب في البلاد.
تمزيق اليمن وتفكيك المجتمع
عقب انقلاب الحوثيين في صنعاء بدأوا بالتوسع والسيطرة كلياً على كافة المحافظات الشمالية، ما عدا مأرب وتعز، وسيطروا جنوباً وصولاً إلى مدينة عدن، ولم يقاتلوا كثيراً فقد سلّمت المناطق لهم مع انهيار الدولة. وولّدت تلك السطوة حالة الغضب الذي أعاد الناس للهويات الصغيرة بحثاً عن الحماية، بالإضافة إلى تشجيع دعوات الانفصال في الجنوب، وزاد زخمها التدخل الخارجي الممنهج لذلك.
ورأى النهمي "أن سيطرة الحوثيين عملت على تمزيق اليمن ليس سياسياً فقط، بل حتى اجتماعياً، وهذا هو الخطر والكارثة الحقيقية على المدى القريب والبعيد، والتي ستظل آثارها عصية على المعالجة حتى مع وجود انفراج سياسي. فانقلاب 21 سبتمبر كان سلالياً مذهبياً ومناطقياً".
خالد عبد الهادي: الحوثيون سيطروا على الدولة ضمن تصور بأن يملكوا ويحكموا
وقال: "الأخطر أن الانقلاب أسس لصراع هويات قاتل، فالحوثيون يحكمون بالعصبية السلالية المذهبية، ويعملون على تجريف الهوية الوطنية التاريخية، إذ ميزوا أنفسهم عن باقي اليمنيين الذين يشعرون بالغربة في بلدهم، الذي وجدوه تحت وطأة ثقافة دخيلة غريبة لا تشبههم ولا ينتمون إليها".
ولفت إلى "أن الحوثي لا يمارس السلطة وفق هوية يمنية، بل سلالية كهنوتية عنصرية، وهذا الأمر يذكي النزعة القومية والعصبية اليمنية كردة فعل مقابلة، باعتبارها حماية للوجود ومقاومة للتجريف".
من جهته، قال الصحافي اليمني خالد عبد الهادي: "درجت الانقلابات التقليدية حول العالم على أن يتمحور هدفها في امتلاك السلطة السياسية بالسيطرة على مؤسسات إدارة الشأن العام. والفارق في الحالة اليمنية الناشئة عن انقلاب 21 سبتمبر 2014 أن الحوثية سيطرت على الدولة ضمن تصور لديها بأن تملك وتحكم، لا أن تحكم فحسب. ومن أنفس ما تملكه، الدولة بالطبع".
وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد": "لتطبيق تصورها، نفّذت في اضطراد متسارع أوسع عملية إحلال للجماعة في الدولة، حتى صارت الاثنتان هيكلاً واحداً، في ظاهره المموه شكل دولة تُعنى بالشأن العام، وفي حقيقته جهاز مسخّر لخدمة الجماعة بمقدرات الدولة وسلاحها وعنفها وتشريعاتها وإنتاج موظفيها".