بينما تتواصل حالة الجدل في إسرائيل بخصوص توصل إيران والولايات المتحدة إلى تفاهم يقود لإحياء الاتفاق النووي، ظهرت ثلاثة توجهات متضاربة في تل أبيب بشأن كيفية التعاطي مع الاتفاق المترنح منذ انسحاب واشنطن منه في العام 2018.
وأشار محلل الشؤون الأمنية والعسكرية في صحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور، اليوم الجمعة، إلى أن التوجه الأول يتمثل في موقف رئيس جهاز الاستخبارات "الموساد" دافيد برنيع، الذي وصف الاتفاق بأنه كارثة استراتيجية لإسرائيل، وذلك بموازاة الحرب الإعلامية التي شنتها إسرائيل خلال اليومين الماضيين ضد الاتفاق، وبلغت ذروتها في تصريحات رئيس الحكومة يئير لبيد، وسط الأسبوع.
وبحسب ليمور، فإن كلا من رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الجنرال أهرون حيلفا، ورئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العقيد عميت ساعر، يمثلان الموقف الثاني ويعتقدان أن الاتفاق حتى في صيغته الحالية السيئة أفضل من حالة عدم وجوده.
وذكر المحلل ذاته أن ما جاء على لسان برنيع بكون الاتفاق كارثة استراتيجية لإسرائيل ليس دقيقا ولا يمثل الموقف الحقيقي في المنظومة الأمنية الإسرائيلية ولا في المستوى السياسي.
أما الموقف الثالث فيقوده رئيس الحكومة يئير لبيد، الذي يرى أن تل أبيب لا تعارض الاتفاق في حد ذاته، وإنما تطالب بإدخال تحسينات عليه.
وعاد ليمور لتصريحات لبيد قائلا إنه خلافا للانطباع الذي خلفته وسط الأسبوع، فإن إسرائيل لا تعارض أي اتفاق يتم التوصل إليه مع إيران في حال قبول طهران بمزيد من الشروط الأميركية. وعلى حد تعبير ليمور: "فإن إسرائيل يمكن أن ترحب بالاتفاق في حال أُدخلت تعديلات عليه".
وبحسب ليمور، فإن هذه هي المواقف الرئيسية الثلاثة التي تسود محافل القرار في إسرائيل، وذلك مع بدء إدراك الحكومة الحالية أن فرص تأثيرها على القرار الأميركي وعلى بنود الاتفاق ضئيلة.
وفيما يحاجج برنيع بأنه "لا يمكن الاعتماد على إيران ولا الثقة بالتزامها بأي اتفاق، وأن رفع العقوبات سيمنحها قدرات وموارد تستغلها في زرع الإرهاب وتعزيز قوة وكلائها، وتحسين ورفد مشروعها النووي والأبحاث المرتبطة به وبدفع مشروع الصواريخ قدما"، يرى حيلفا وساعر أن "الاتفاق سيفرض على إيران قيودا، وسيلزمها بإخراج كافة اليورانيوم المخصب من أراضيها، ويبعدها فعليا عن مسار الوصول إلى قنبلة نووية".
وبرأي حيلفا وساعر، فإنه في حال قررت إيران خرق بنود الاتفاق فإن ذلك سيستغرق وقتا طويلاً قد يدوم عدة أشهر، وهو وقت كاف للرد على هذه الانتهاكات عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا. ويرى الاثنان خلافا لبرنيع أنه سيكون بمقدور إيران في حال عدم وجود اتفاق نووي الاتجاه مباشرة إلى مسار تصنيع السلاح النووي ومباغتة إسرائيل والعالم وفرض واقع جديد.
وتتفق تقييمات حيلفا وساعر هذه مع تقديرات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال تمير هايمان، الذي يشغل اليوم منصب رئيس معهد أبحاث الأمن القومي. وأطلق هايمان، أمس، سلسلة تغريدات ومنشورات قلل فيها من الخطورة التي يرسمها رئيس "الموساد" للوضع الذي قد ينجم عن توقيع اتفاق نووي مع إيران، مبينا أن كثيرا مما يسوقه معارضو الاتفاق غير دقيق في أقل تعبير.
وأوضح أن الاتفاق سيمنح حتى موعد انتهاء سريانه في العام 2030 مدة 8 سنوات لإعداد خيار عسكري، والأهم من ذلك توفير شرعية لأي خيار عسكري إسرائيلي ضد إيران. كما قلل من الأثر المالي للاتفاق، لجهة تخصيص إيران موارد مالية هائلة لتسليح وتشجيع وكلائها في المنطقة، مؤكدا أن ذلك قائم اليوم أيضا تماما مثل ما تواصل طهران رصد موارد هائلة لمشروعها النووي بالرغم من عدم وجود اتفاق حاليا.
وكان رئيس مجلس الأمن القومي السابق يعقوف نايجل قد كشف، أمس، أن جنرال الاحتياط غادي أيزنكوط اقترح، بعد توقيع الاتفاق النووي الأصلي في العام 2015، شطب وإزالة مخططات بناء خيار عسكري ضد إيران لصالح الاستعداد لمواجهة "حزب الله" وتحديات أخرى وبموافقة رئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو. ومن شأن ذلك أن يساعد رئيس الحكومة الحالي يئير لبيد، في سياسته بعدم الدخول في صدام مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ومحاولة التوصل إلى تفاهمات تتعلق بمرحلة ما بعد الاتفاق، من دون أن يخشى حملة دعائية من قبل خصمه في المعركة الانتخابية بنيامين نتنياهو.
إلى ذلك، أوضح محلل الشؤون العسكرية في "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشواع أن تصريحات لبيد ووزير الأمن بني غانتس ضد الاتفاق، بالشكل الذي صدرت فيه هذا الأسبوع، كانت مدفوعة باعتبارات انتخابية محضة، وفق ما ذهبت إليه أيضا تحليلات الصحف الإسرائيلية.