استمع إلى الملخص
- تكتيكات حزب الله: استخدم الحزب تكتيكات متعددة لاختراق الدفاعات، منها إطلاق صواريخ لإشغال المنظومات، وتحليق المسيّرات على ارتفاعات منخفضة، واستخدام خدع لاستدراج الدفاعات الجوية.
- التحديات والحلول المستقبلية لإسرائيل: تواجه إسرائيل صعوبات في اكتشاف المسيّرات، وتعمل على تطوير تقنية الليزر للاعتراض، المتوقع توفرها بحلول عام 2025.
إطلاق عشرات الصواريخ نحو أهداف متنوعة لإشغال منظومة الدفاع
الاعتراض بواسطة الليزر لن يكون متاحاً قبل منتصف عام 2025
قادرة على إجراء مناورات معقدة بسرعة تتجاوز 200 كيلومتر في الساعة
كان لاستهداف حزب الله اللبناني، مساء الأحد، قاعدة التدريب التابعة للواء غولاني في بنيامينا جنوبي حيفا، عبر سرب من المسيّرات، أدت إلى مقتل أربعة جنود وإصابة 58 "نتائج مؤلمة"، كما عبّر عن ذلك وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي زار القاعدة، اليوم الاثنين، رفقة رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال هرتسي هليفي. ويفاقم من تأثير نتائج هذا الهجوم، الذي يعدّ الأكبر من نوعه منذ بداية المواجهات بين حزب الله وجيش الاحتلال في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أن الأخير يحاول منذ بداية الحرب الحالية تحسين اعتراضه المسيّرات التي يطلقها الحزب، أو تلك التي تصل من اليمن والعراق وإيران وسورية، لكنها لا تزال تشكّل معضلة حقيقية له، فيما تواصل الصناعات الأمنية الإسرائيلية محاولاتها توفير حلول ناجعة لاكتشاف المسيّرات واعتراضها قبل بلوغها أهدافها.
وما يزيد من حدة المخاوف لدى الاحتلال، أن هناك تقديرات إسرائيلية بامتلاك حزب الله مئات المسيّرات الأخرى، وأن هجوم الأحد في مدينة حيفا "يدل على تزوّده بمعلومات استخبارية دقيقة"، كما قال المحلل العسكري في إذاعة جيش الاحتلال أمير بار شالوم، اليوم الاثنين. وهنا يبرز السؤال الأهم:
كيف تتمكّن تلك المسيّرات من اختراق أنظمة الدفاع الجوّي الإسرائيلي؟
- إشغال منظومة الدفاع بالصورايخ
يمكن الإجابة عن السؤال بداية، من بيان حزب الله الأخير، حيث كشف عن إطلاق "عشرات الصواريخ باتجاه أهداف متنوعة في مناطق نهاريا وعكا بهدف إشغال منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي، وبالتزامن أطلقت القوة الجوية في المقاومة الإسلامية أسراباً من مسيّرات متنوعة، بعضها يُستَخدم للمرة الأولى، باتجاه مناطق مختلفة في عكا وحيفا".
وأكد حزب الله، في البيان نفسه، أن المسيّرات تمكنت من "اختراق رادارات الدفاع الجوي الإسرائيلي دون اكتشافها ووصلت إلى هدفها وانفجرت في الغرف التي كان يوجد فيها العشرات من ضباط وجنود العدو الإسرائيلي الذين يتحضرون للمشاركة في الاعتداء على لبنان، وبينهم ضباط كبار، ما أسفر عن مقتل وجرح العشرات".
- تحليق منخفض
السيناريو الثاني الذي يفسّر وصول المسيّرات إلى أهدافها، هو صعوبة "اكتشاف وتعقّب المسيّرات التي تحلق على ارتفاع منخفض جداً (بصمة رادارية منخفضة جداً) وتختفي بين تضاريس المنطقة، بحسب ما قال محلل الشؤون العسكرية رون بن يشاي، لصحيفة يديعوت أحرونوت. ويقول الرائد السابق في الجيش الأميركي، برايان كارد، لمجلة Air and Space Power إن "الحجم الصغير لتلك الطائرات، وقابليتها للطيران على ارتفاعات منخفضة، يجعلانها عصية على الاكتشاف من قبل الرادارات، وكذلك التكنولوجيا الرئيسية لمراقبة الحركة الجوية".
- إطلاق الطائرات من قرب الحدود
تقول تقارير إسرائيلية إنّ أحد أسباب فشل الأنظمة الدفاعية في إسقاط المسيّرات، يعود أيضاً إلى إطلاقها من قرب الحدود. ويفسّر مصدر عسكري مسؤول لصحيفة هآرتس أنّه حتى في حال اكتشافها بعد التحليق ببطء وعلى ارتفاعات منخفضة، يظل "من الصعب جداً اعتراضها لأن وقت العمل قصير جداً.. إنهم يقلعون على بعد 10 كيلومترات شمال الحدود، وعندما تكتشفها وتخصص بطارية متاحة، تصل الطائرة بدون طيار بالفعل وتضرب هدفها".
- حالة "الهدهد" و"أيوب"
ومما يستدلّ به على العجز الإسرائيلي إزاء الجبهة الشمالية، هو الاختراق الذي حققته قبل ذلك مسيّرة حزب الله "الهدهد" في حيفا في شهر يونيو/ حزيران، وقبل ذلك الاختراق الأشهر قبل سنوات، لمسيرة تدعى أيوب وصلت حتى مفاعل ديمونا في أقصى الجنوب، حينها أقرّ الاحتلال أنها ربّما تكون قد التقطت صوراً حساسة للمنشأة النووية.
- خدع عبر طائرات رديفة لاستدراج الدفاعات
وبالعودة إلى سيناريوهات وصول المسيّرات إلى أهدافها، فإنه لا يمكن إغفال الخدع أيضاً في سبيل تحقيق هذا الاختراق، والحادثة الأشهر هنا ربما، ضرب منطاد "طال يام" في منتصف مايو/ أيار الماضي، أحد أكثر الرادارات تقدّماً في دولة الاحتلال، وهو مصمّم خصّيصاً للإنذار من تهديدات صواريخ كروز والطائرات بدون طيار. لكن في يوم الهجوم، لم يرسل إشارة واحدة، بحسب تقرير لصحيفة كالكاليست الإسرائيلية، وصار هذا المنطاد، بما كلّفه من مئات الملايين، هدفاً سهلاً لمسيّرة رخيصة، اخترقت حتى عمق نحو 70 كيلومتراً داخل إسرائيل.
في تلك الحالة تحديداً، كما تشرح الصحيفة، استخدم حزب الله طائرات رديفة طُعماً لاستدراج الدفاعات الجوية، وقد جرى اعتراضها بالفعل، ممهّداً بذلك الطريق للطائرات الرديفة، والتي كانت تحمل المتفجّرات، لتتابع طريقها إلى الهدف "ضمن رحلة طيران سرّية، مستفيدة من التضاريس".
هكذا يبدو موقع انفجار المسيرة التي أطلقت من #لبنان على بنيامينا جنوبي حيفا pic.twitter.com/0YOsonzKvP
— العربي الجديد (@alaraby_ar) October 13, 2024
ولعلّ اللافت في شرح الصحيفة، هو إشارتها إلى تعمّد حزب الله استخدام مجسّمات طائرة لغرض التمويه فحسب، في نموذج قد يعطي صورة مصغّرة عن تكتيك الإغراق الذي قد يلجأ إليه الحزب، وهو شبيه بهجوم بنيامينا، الذي وقع أمس.
- استهداف الكاميرات وأنظمة الرقابة
وبحسب تقرير "كالكاليست"، ساهم استهداف حزب الله الممنهج لكاميرات وأنظمة المراقبة في بداية الحرب في قدرة طائراته على التخفي، إذ إن ذلك، على الأرجح، قلّل من فرص تعرّضها للرصد المبكّر.
- القدرة على المناورة والسرعة
ليست البصمة الرادارية الخافتة، والبطء، والتحليق على علو منخفض، وحدها من المزايا التي تعطي أفضلية للطائرات المسيّرة، بل أيضاً، كما تقول الباحثة في مركز دراسات الأمن القومي، ليران عنتيبي، إن تلك الأجهزة، المصمم بعضها للسباقات والرياضات التنافسية، قادرة على "إجراء مناورات معقدة بسرعة قد تتجاوز 200 كيلومتر في الساعة".
- حمل عبوات ناسفة
العامل الآخر الذي يضاف إلى سرعتها، هو دقتها وقابليتها على حمل عبوات ناسفة صغيرة، ما يتيح لها اختراق المباني وتنفيذ هجمات في الداخل، بحسب عنتيبي.
- رخيصة ومتاحة.. وذكية
عنصر آخر، أنها رخيصة ومتاحة ويمكن إنتاجها بكميات ضخمة. التطوّر الذي قد يضاف إليها أيضاً هو الذكاء الاصطناعي. تلك الخاصية من شأنها أن تمكّنها من مواصلة مسارات الهجوم حتّى من دون اتصال مع المشغّل.
عناصر ساهمت في إخفاق أحد أكثر أنظمة الدفاع في العالم تقدّماً، وتشابكاً، وكلفة، من القبة الحديدية، إلى "مقلاع داود" التي دخلت الخدمة حديثاً، ثم إلى سائر ما تملكه إسرائيل من طائرات متفوّقة.
كيف يحاول جيش الاحتلال مواجهة المسيّرات؟
في هجوم بنيامينا في الأمس، أشارت نتائج التحقيق الأولية إلى أن طائرات حربية ومروحية طاردت المسيّرة التي أطلقها حزب الله قبل اختفائها عن الرادار. ويحقق جيش الاحتلال لماذا لم تظهر المسيّرة ثانية بعد اختفائها، ولماذا لم تنطلق صفارات الإنذار في منطقة المعسكر. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، عن العميد في الاحتياط دورون غبيش، قائد منظومة الدفاعات الجوية الأسبق، قوله في أعقاب هجوم المسيّرة على القاعدة العسكرية أمس إنه "هناك رد على المُسيّرات بعيدة المدى، يتكون من عدة أجزاء:
- معلومات استخبارية مبكّرة
- وطائرات القوات الجوية
- ونظام الدفاع الجوي
وأشار إلى أنه "قد تم اعتراض حتى مسيرات أطلقت من العراق وسورية، وحوالي 300 مُسيرة من اليمن، فيما سقطت واحدة في تل أبيب وأخرى في إيلات، وتم اعتراض جميع المسيّرات التي أطلقت من إيران وعددها 170 مسيّرة". مع ذلك، "إلى جانب هذه المعطيات، ينبغي القول، للأسف، إن هذا النظام ليس مثالياً، والحماية ليست محكمة. في بعض الأحيان قد يقع خطأ بشري، أو تكنولوجي أو خلل وظيفي. والحل هو التحذير"، بحسب قوله.
- حلّ بتقنية الليزر.. لكن غير متاح قبل 2025
وفي الصحيفة ذاتها، اعتبر محلل الشؤون العسكرية رون بن يشاي، أن مشكلة المسيّرات ستجد حلاً عندما تتمكن إسرائيل من القيام بعمليات اعتراض بواسطة تقنية الليزر من الأرض وعبر الطائرات، "بحيث تكون عمليات الاعتراض أسهل وناجعة أكثر من عمليات الاعتراض بواسطة صواريخ القبة الحديدية أو الصواريخ الاعتراضية التي تطلقها الطائرات"، مضيفاً أن الاعتراض بواسطة الليزر لن يكون متاحاً قبل منتصف عام 2025 على الرغم من إجراء عدة تجارب.
مع هذا، تبقى المشكلة الأساسية، في رأيه، اكتشاف وتعقّب المسيّرات التي تحلق على ارتفاع منخفض جداً وتختفي بين تضاريس المنطقة. وخلص إلى أنه لا حلّ لهذه المشكلة حتى الآن، وهذا هو سبب عدم انطلاق إنذار، حتى تحطّم المسيّرة على هدفها في بنيامينا.