تبدأ حكومة نجلاء بودن في تونس يومها الأول وسط تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، وفي ظل موجة رفض واسعة تعتبرها وليدة مسار غير دستوري، رغم ترحيب البعض برئيسة الحكومة ووزيراتها لتقدم المرأة في مركز القرار.
وتواجه بودن وفريقها أسئلة سياسية عدة، أبرزها "هل ستكون هذه الحكومة مجرد أداة طيّعة لتنفيذ برامج الرئيس؟ أم ستكون حكومة حاملة لهوية وبشخصية قوية تعمل على "نسج أرضية ثقة"، كما قالت بودن في تنصيبها؟ وهل ستصلح المناخ العام في البلاد وتبني جسورا مع معارضي الرئيس أم ستؤكد خيار القطيعة؟ وهل ستشكل هذه الحكومة حلقة الوصل التي تنتظرها حكومات ومنظمات دولية لتكون محاورا لها، أم ستكون مجرد غرفة خلفية وراء خيارات الرئيس؟ وهل ستهيئ هذه الحكومة لانتخابات جديدة وتنتقل بالبلاد إلى وضع دائم ينهي الحالة الاستثنائية، أم ستكون المؤقت الذي يدوم؟".
ولكن هذه ليست كل الأسئلة التي تنتظر حكومة بودن، وربما ليست الأصعب أيضَا، ذلك أن رئيسة الحكومة الجديدة، وهي تفتح ملفاتها اليوم الثلاثاء، ستكتشف أرقاما مرعبة تنتظرها عن المالية العمومية المتأزمة، والخزائن الفارغة والديون المتراكمة، في مقابل مطالب وانتظارات لا حد لها، ووعود أخرى أطلقها الرئيس تنتظر التحقيق.
كما تبدأ بودن عملها في بيئة غير مرحبة إن لم نقل معارضة، لم تخفف منها "أناقة المشهد"، ولا أداء اليمين على دستور لم يعد موجودا، عدا بعض أبوابه.
ويلخص موقف حزب العمال أغلب مواقف الأحزاب التونسية من الحكومة الجديدة، حيث اعتبرها، في بيان له أمس الاثنين، "حكومة بلا برنامج لتونس وشعبها، وغير مسقفة بزمن، وهي حكومة انقلاب، إضافة إلى كونها قانونًا وفعلًا حكومة رئيس الدولة".
ويبدو أن التحدي الكبير لحكومة بودن اجتماعيا واقتصاديا سيتطلب صبرا طويلا من المنظمات الكبيرة، مثل اتحاد الشغل ومنظمة رجال الأعمال والهيئات المدنية المدافعة عن الحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى صبرًا شعبيًا على إجراءات مؤلمة ينادي بها أغلب الخبراء لإصلاح الأوضاع، وهو ما سيجعل منها بالضرورة حكومة غير شعبية، ستتناقض مع الوعود المطلقة، وستقود إلى أوضاع متشنجة.
وكان رد اتحاد الشغل، أمس الاثنين، باردا بحجم برودة العلاقة مع الرئيس في الشهرين الأخيرين، حيث أكد الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي لرئيسة الحكومة التونسية الجديدة نجلاء بودن، في مكالمة هاتفية، أن الاتحاد "لا يمكن إلا أن يكون إيجابيا كلما كانت الحكومة منسجمة مع وعودها وتعهداتها"، وهو ما يعني بوضوح أنها علاقة مشروطة بتنفيذ المطالب النقابية.
وقال موقع "الشعب نيوز"، الناطق باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، إن "الاتحاد حريص على استمرارية الدولة ومتابعة كل التعهدات والالتزامات مع الاتحاد العام التونسي للشغل"، وهذا يعني أن على حكومة بودن أن تفي بكل التعهدات التي وقّعت عليها الحكومات السابقة.
من جهة أخرى، دعا الأمين العام المساعد للاتحاد سامي الطاهري الحكومة إلى تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الاتحاد والحكومة السابقة. وقال في تصريح لوكالة الأنباء التونسية: "بالنسبة للملفات الكبرى، لا يمكن للحكومة الحالية أن تخوض فيها باعتبار أنها حكومة من المفترض أن تكون قصيرة في الزمن"، داعيا إلى "تقليص المرحلة الاستثنائية من أجل إرساء مؤسسات الدولة الدائمة والعودة الى حالة الاستقرار".
واعتبر الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل أنه "من السابق لأوانه الحكم على الحكومة الحالية"، مشيرًا إلى أن "خياراتها ستكون على محك تحديات الواقع ورهاناته"، داعيا إلى ضرورة التسريع في الذهاب إلى حوار وطني وتحديد موعده وآلياته، مقرا بعدم وجود أي مشاورات في الوقت الحالي بين رئاسة الجمهورية والاتحاد، وغيره من المنظمات.
وفي السياق، دعا الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر رئيسة الحكومة الجديدة نجلاء بودن إلى التوجه إلى الرأي العام مباشرة، أو عبر وسائل الإعلام، لتقديم برنامجها الحكومي وتحديد أولويات عملها للمرحلة المقبلة.
وقال بن عمر على هامش ندوة صحافية للمنتدى، اليوم الثلاثاء، إن من "أولويات المرحلة المقبلة إعادة التوزان للمالية العمومية المختلة حاليا، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع المنظمات الوطنية، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل، ومع عديد الفئات الهشة، مثل تسوية وضعية عمال الحضائر".
وتعد هذه المواقف بمثابة مؤشرات أولية حول ما ينتظر بودن وحكومتها من مهام ومسؤوليات، بعيدًا عن الترحيب والاحتفاء بوصول أول امرأة عربية إلى رئاسة حكومة.
ويؤكد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي ومدير الديوان الرئاسي الأسبق عدنان منصر أن "وجود امرأة في رئاسة الحكومة إشارة رمزية جيدة، ولكن في موضوع السياسة لا يتعلق الأمر بامرأة أو رجل، بل بالخيارات والتصورات والعمل السياسي نفسه، وبالتالي، فإن قيادة رجل أو امرأة تبقى مسألة ثانوية، ولكن الرئيس يبدو أنه أراد إرسال رسالة للخارج وإلى النخب التونسية التي رحبت بالأمر"، مشيرًا إلى أن "وجود 10 وزيرات في الحكومة قد يبدو خيارا اتصاليا ناجحا، ولكن الاتصال قد يساعد، ولكنه ليس كل السياسة".
وأوضح منصر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "بودن جاءت في ظرف صعب، ولا يمكنها فعل الكثير"، مشيرًا إلى أنه "من غير المطلوب منها ولا من حكومتها لعب دور سياسي، لأن رئيس الجمهورية يريد متصرفين في الوزارات وليس سياسيين".
وأكد أن "اختيار الرئيس حكومة تكنوقراط يعد دليلًا إضافيًا على أنه سيحتكر كل ما يتعلق بالسياسية، وبالتالي، فإن هامش الحكومة في التصرف السياسي ضعيف جدا، إذ سيطلب منها حل المشاكل من دون أن يكون لها هامش السماح في التصرف".
وبين أن الظروف المحيطة بالحكومة ليست اقتصادية واجتماعية فقط، بل إقليمية وداخلية، وسط تصاعد المعارضة للرئيس، معربًا عن اعتقاده بعدم نجاح الحكومة في تجاوز التحديات في ظل الواقع الاقتصادي الصعب والمتطلبات الكبيرة.
أما على الصعيد الدولي، فجاءت أولى عبارات الترحيب بحكومة بودن من الداعمين لقرارات سعيّد يوم 25 يوليو/ تموز الماضي، وأبرزهم مصر والبحرين والإمارات والسعودية، قبل أن تنضم إليهم الجزائر اليوم.
ويشير عدنان منصر إلى أن التقاء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتحركات الشارع والأزمة الداخلية والضغوط الخارجية مع بعضها "يعد أمرًا خطيرًا بالنسبة للرئيس سعيّد"، مضيفًا أن "إشارته عن القمة الفرنكوفونية وتلويحه بإمكانية عدم انعقادها، وحديثه بطريقة غير مباشرة عن التقاء المعارضة الداخلية والضغوط الخارجية، كأنه يعلن بصفة ما أنها لن تنعقد، وكذا بيان مجموعة السبع وجلسة الاستماع حول تونس في الكونغرس، المنتظرة يوم الخميس"، كلها بمثابة مؤشرات مهمة كذلك، وتزيد من الضغط.
ويقول منصر إن "كل هذه العناصر تتصاعد من دون أن تضعُف، فيما يبدو أن الرئيس سعيّد يواجه الضغوط بعكس ما تطالب به الجهات الضاغطة، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من الانغلاق داخليًا وخارجيًا، وانهيارا في منسوب الثقة بينه وبين الشركاء الدوليين".
وحول الموقف الفرنسي بشأن تونس، رد منصر بأن فرنسا منحت سعيّد فترة إمهال بعد 25 يوليو/ تموز الماضي، إلا أنه بعد قرارات 22 سبتمبر/ أيلول، أصبح هناك نوع من الانزعاج لدى الجانب الفرنسي، مشيرًا إلى أن "فرنسا مقبلة على انتخابات، وهو ما قد لا يساعد ماكرون على الاستمرار في دعم عملية الاستفراد بالسلطة في تونس".
وأضاف: "القمة الفرنكوفونية إن لم تنعقد، فسيكون ذلك نتيجة موقف فرنسي بالأساس"، مبينًا إلى أنه "في السياق الانتخابي الحالي، يبدو أن الرئيس الفرنسي ماكرون غير متحمس لأن يبقى المساند الوحيد لقيس سعيّد".
وبشأن إشارات سعيّد للحوار الوطني ووجود مؤشرات حول وجود تغيّر في خطابه، لفت منصر إلى أن "خطاب سعيّد لم يتغير، فهو منذ البداية رافض للحوار مع المكونات الحزبية، وكان يختفي وراء الاتهامات بالفساد للبعض منهم، واليوم وسّع دائرة الاتهامات، ولا يعترف بالمنظومة الحزبية ككل، بل يعترف بحوار لا تشرف عليه المنظمات التقليدية التي أشرفت على حوار 2013، وذكر ذلك بالاسم، وتحدث عن صيغة جديدة للحوار"، مؤكدا أن "الرئيس يحاور فقط من يتبنى وجهة نظره، ما عدا الأحزاب طبعا، فحتى المساندة له يستمر في تجاهلها، وبالتالي، يواصل احتقاره للمنظومة الحزبية".