يتواصل لليوم الثاني إضراب القضاة في تونس احتجاجاً على قرار الرئيس قيس سعيد عزل 57 قاضياً، فيما تدرس جمعية القضاة التونسيين مع بقية الهياكل الممثلة للقطاع الخطوات التصعيدية الممكنة.
وفيما شهدت، اليوم الثلاثاء، المحاكم حالة من الشلل في مختلف المحافظات، أكدت جمعية القضاة التونسيين أن إضراب القضاة متواصل.
وبدأ القضاة إضراباً عاماً في كافة المحاكم اعتباراً من أمس الإثنين، ولمدة أسبوع قابلة للتجديد بدعوة من جمعية القضاة التونسيين، فيما رد سعيّد على الخطوة بالدعوة إلى اقتطاع أيام العمل من القضاة المضربين.
وعن الإضراب، قالت عضو جمعية القضاة التونسيين عائشة بلحسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الإضراب متواصل في مقر الجمعية وفي غالبية المحاكم لليوم الثاني وهو ناجح بنسبة عالية"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن "اجتماعاً سيعقد مساء اليوم في إطار الهيئة التنسيقية للهياكل الجمعية حيث ستقرر التحركات القادمة".
وأوضحت بلحسن أن "الإضراب حدد بـ7 أيام ولكن التصعيد وارد"، مبينة أن "خطوة رئيس الجمهورية باقتطاع أيام الإضراب لن تقود إلى حل، بل عليه الرجوع في قراره القاضي بإعفاء عدد من القضاة"، مشيرة إلى أن "الظلم المسلط على القضاة كبير".
وأوضحت أن "هناك غياباً للضمانات، والقاضي في مثل هذا الوضع لا يمكنه الجلوس في قاعة المحكمة بأمان"، مشيرة إلى أن القاضي لا يمكنه الحسم في الملفات وهو لا يشعر بالأمان من أي انتقام قد يطاوله".
وأكدت أن "الإضراب ناجح بنسبة مائة بالمائة في عديد من المحاكم"، مشيرة إلى أن "الإضراب لا يزال قائماً والاعتصام المفتوح مستمر وتعليق العمل بالمحاكم متواصل، وسيتم نشر الإحصائيات الخاصة بالإضراب في جل الدوائر مساء اليوم ضماناً للشفافية، ولكنه وبحسب المؤشرات ناجح جداً".
نقابة عدول الإشهاد تستنكر عزل قضاة
وفي السياق، استنكرت النقابة الوطنية لعدول الإشهاد، قرار سعيد "عزل قضاة، سواء بناء على شبهة أو دونها، ودون المرور بالمسار التأديبي، لما في ذلك من ضرب للمبادئ العامة للقانون ومخالفة لكل الأعراف وخرق صارخ لقرينة البراءة وحقوق الدفاع ومبدأ المواجهة".
وعبرت النقابة، في بيان، عن "رفضها للأمر الرئاسي عدد 516 لسنة 2022 المتضمن قائمة اسمية لعدد من القضاة تم إعفاؤهم وحرمانهم من حقهم الطبيعي في التقاضي"، معتبرة أن "اشتراط ممارسة حق الطعن بضرورة الحصول على حكم جزائي بات لفائدتهم، هو منطلق معكوس ومخالف لكل الأعراف القانونية وضرب لقرينة البراءة".
وأكدت نقابة عدول الإشهاد رفضها للمرسوم عدد 35 المنقح للمرسوم المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، والذي قالت إنه "يكرس الهيمنة المطلقة للسلطة التنفيذية وتدخلها السافر في عمل السلطة القضائية"، محذرة مما ينجر عنه "من أخطار تمس الحقوق والحريات ومن ضرب لمبدأ الفصل بين السلط".
كما استنكرت النقابة "صمت" المجلس الأعلى المؤقت للقضاء أمام التعدي الصارخ على صلاحياته وانتهاك استقلال السلطة القضائية، داعية إياه إلى "ضرورة الاضطلاع بدوره الإصلاحي والإسراع في محاسبة من ثبت تورطه في ملفات الفساد والإرهاب والنأي عن كل حسابات سياسية وقطاعية ضيقة".
وأكدت "دعمها المطلق لمبدأ المحاسبة في كل القطاعات"، مشددة على أن "إصلاح القضاء خطوة أساسية لكل مسار اصلاحي وطني ويجب أن يكون في نأي عن منطق الشخصنة والتشفي".
الاتحاد الدولي للنقابات يندد بـ"مسار إحكام السيطرة على القضاء"
كما ندد الاتحاد الدولي للنقابات، اليوم الثلاثاء، بما وصفه بـ"تهديد جديد للحريات في تونس" بعد أن "أقدمت الدولة التونسية على عزل 57 قاضياً خارج الأطر المنظمة لعمل القضاء وهيئاتهم التمثيلية مع حرمانهم من حقّ الاعتراض والتقاضي".
وتابع، في بيان له، أنّ "نقابات القضاة في البلاد أطلقت إضراباً احتجاجاً على تحرّك الحكومة، كما دعا الاتحاد العام التونسي للشغل المنتسب إلى الاتحاد الدولي للنقابات العمالية إلى إضراب عام للقطاع العام في 16 يونيو/حزيران 2022".
واعتبر البيان أنّ القرار هو إضافة إلى سلسلة من الأوامر والمراسيم "التضييقية على الحقوق والحريات في تونس كالمنشور رقم 20 الذي يمنع أيّ مفاوضات مع النقابات إلاّ بترخيص من رئيس الحكومة في تعارض مع اتفاقية العمل الدولية عدد 98".
وبحسب الموقع الرسمي للمنظمة، قالت الأمينة العامة للاتحاد الدولي للنقابات، شاران بورو، إنّ "قرار عزل هذا العدد الكبير من القضاة، في غياب التحقيقات الجدية ومنع القضاة المعزولين من حقّهم في الاعتراض والتقاضي، يندرج في إطار مسار ممنهج لإحكام سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية بعد أن استحوذت على السلطة التشريعية".
وعبّرت بورو عن تضامن الاتحاد الدولي للنقابات مع القضاة التونسيين وحيت "إضرابهم واحتجاجاتهم اعتراضاً على قرار العزل التعسّفي" ودعت "كافة القوى الحيّة في تونس إلى التضامن مع القضاة والوقوف ضدّ محاولات تدجين القضاء واستعماله".
وقالت الأمينة العامة للاتحاد "نتابع باهتمام بالغ تطورات الوضع في تونس، ونجدّد استعدادنا الكامل لدعم الاتحاد العام التونسي للشغل في مساعيه من أجل إطلاق حوار وطني جاد ينهي الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد".
وفي وقت سابق، أصدر سعيد أمراً رئاسياً يقضي بإعفاء 57 قاضياً من مهامهم، على خلفية اتهامات وُجهت لهم من بينها تغيير مسار قضايا، وتعطيل تحقيقات في ملفات إرهاب وارتكاب فساد مالي وأخلاقي.
وقوبل هذا القرار برفض داخلي من نقابات وأحزاب، إضافة إلى انتقاد دولي حاد، لا سيما من جانب الولايات المتحدة ومنظمة العفو الدولية.