تزايدت التحذيرات من استخدام المال السياسي الفاسد، ومحاولات شراء ذمم الناخبين، والتأثير في عملية التصويت، بجولة الإعادة لانتخابات برلمان تونس، رغم تشديد الملاحقات الأمنية والقضائية لعدد من المشتبه بهم، وتشديد الهيئة الانتخابية رقابتها على النشاطات، وسط تنبيه المجتمع المدني من ضعف الرقابة، وغيابها في عدد من الدوائر.
وينطلق غداً السبت الصمت الانتخابي، بنهاية الحملة الانتخابية اليوم الجمعة، ويتواصل حتى نهاية الاقتراع العام يوم الأحد 29 يناير/كانون الثاني. ويُعدّ أي نشاط دعائي أو تصريحات إعلامية للمرشحين أو الترويج لهم مخالفة انتخابية تعرّض مرتكبيها إلى عقوبات، بحسب المرسوم الانتخابي.
ويختتم 262 مرشحاً حملتهم في مختلف محافظات البلاد، ويتنافسون على 131 مقعداً من جملة 161 في البرلمان الجديد، الذي ينوي الرئيس التونسي قيس سعيّد تركيزه في سياق خارطة الطريق التي أطلقها عام 2021، بعد إقدامه على حلّ البرلمان المنتخب في 2019، وإلغاء دستور 2014، وتمريره دستوراً جديداً في استفتاء 25 يوليو/تموز 2022.
وقضت الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بالمنستير، أمس الخميس، "بالسجن سنة واحدة ضدّ أحد المرشحين للانتخابات التشريعيّة، وخطية (غرامة) مالية قدرها 10 آلاف دينار، وعقوبة تكميلية ضدّه، وتتمثل في فقدان العضوية، وحرمانه من الترشح لمجلس النواب مدى الحياة، وذلك من أجل تقديم عطايا نقدية أو عينية قصد التأثير في الناخبين"، وفق ما أفاد به المتحدث باسم النيابة العمومية في محاكم المنستير والمهدية فريد بن حجا.
وأضاف بن جحا، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، أن "المحكمة أصدرت أحكامها في 16 قضية جلها متعلقة بخرق الصمت الانتخابي، وتأخير 12 قضية أخرى، استجابة إلى طلب المحامين، وجميعها قضايا أحالتها الهيئة الفرعية للانتخابات بالمنستير على أنظار النيابة العمومية"، وذلك في الجولة الأولى من الانتخابات.
من جانبها، أعلنت وزارة الداخليّة، في بلاغ أمس الخميس، أنّ الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بإدارة الشرطة العدلية تعهّدت بالبحث بمقتضى إنابة عدلية صادرة عن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس، في قضية موضوعها ''تكوين عصابة، والانخراط في وفاق قصد الاعتداء على الأشخاص والأملاك، وتقديم عطايا نقدية قصد التأثير على الناخبين، والمشاركة في حملة انتخابية بتمويل مجهول المصدر والمشاركة في ذلك''، الواقع التتبع فيها ضدّ عدد من الأشخاص عمدوا إلى التخطيط للقيام بتحركات تهدف إلى بثّ الفوضى، وفق بلاغ الوزارة.
ولطالما حذر سعيّد من محاولات شراء الذمم ورشوة الناخبين من قبل مندسين وأطراف تريد إفساد المسار الانتخابي، مشدداً خلال مختلف لقاءاته مع رئيسة الحكومة ووزراء العدل والدفاع والداخلية، على ضرورة حماية العملية الانتخابية وإنجاحها.
وفي لقائه أمس الخميس، برئيسة الحكومة نجلاء بودن، ذكر بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية أن الاجتماع "تطرق إلى الاستعدادات لتنظيم الدور الثاني لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب، وضرورة حياد الإدارة حياداً كاملاً، حيث جرى التوقف عند عدد من الإخلالات، وابتعاد عدد من المسؤولين عن ضوابط الحياد، كما حصل اليوم بإحدى الضواحي الجنوبية، حيث جرى تنظيم اجتماع لا علاقة له بالعمل البلدي، فالتدبير الحر الذي تنص عليه مجلة الجماعات المحلية هو تدبير للشؤون المحلية، وليس تدبيراً لفائدة جهة سياسية بعينها، ومقرات البلديات ليست مقرات لمكاتب الأحزاب".
اتهامات لهيئة الانتخابات بعدم الشفافية
في مقابل ذلك، لاحظ مرصد "شاهد" لمراقبة الانتخابات أن "هيئة الانتخابات تخلفت عن تغطية نسبة مهمة من أنشطة المرشحين للدور الثاني من الانتخابات التشريعية".
وأوضح المرصد، في بلاغ له تحت عنوان "حملة خارج رقابة الهيئة ومناخ عام تسوده اللامبالاة''، أن "ملاحظي المرصد سجلوا غياب أعوان مراقبة الحملة التابعين لهيئة الانتخابات عن حوالي 40 بالمائة من مواقع الأنشطة المصرح بها"، مبيناً أن "16 بالمائة من الأنشطة تخللتها جرائم ومخالفات انتخابية".
وأكد رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد)، بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، حول عملية مراقبة الانتخابات، أن "منظمات المجتمع المدني طالبت هيئة الانتخابات بنشر تقارير عمل المراقبين كما حدث في 2019، بعد ضغط كبير من المجتمع المدني، وجرى اكتشاف أن عدداً كبيراً من تلك المحاضر كانت غير دقيقة وغير واضحة، ما يعكس ضعف تكوين المراقبين".
وأضاف: "خلال الدور الانتخابي الأول، طالب المجتمع المدني مرة أخرى بنشر محاضر المراقبين، خصوصاً بعد تصريحات رئيس الجمهورية حول الخروقات، وتصريحات النيابة العمومية بإيقاف عدد من المرشحين والمتدخلين، وفي المقابل تقول الهيئة إن العملية نظيفة ولا تشوبها شائبة، ولا وجود لمال سياسي فاسد"، مشدداً على أن "هناك تضارباً في التصريحات مثيراً للجدل".
وبيّن أن "هذه الهيئة غير شفافة ولم تعتمد الشفافية، وهي رفضت، منذ تنصيبها، نشر المعطيات والمحاضر، واليوم من المعقول التساؤل عن محتوى تلك المحاضر، وهل تلك المحاضر لديها من القيمة للقانونية ما يعتد بها، والاعتماد عليها من الهيئة نفسها أو من النيابة العمومية إن احتاجتها؟".
وفي ردّه، قال المتحدث باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الهيئة وفرت كل ظروف إنجاح العملية الرقابية من خلال 632 عون رقابة ميدانية، ولاحظنا أن الحملة تسير بطريقة طبيعية، وأن هناك 1365 نشاطاً قام به المرشحون".
وذكر التليلي المنصري أن "منظمات المجتمع لا تكون أحياناً موضوعية، لأنها لا تشعر بأنها تعمل إلا بوجود نقائص، لأن هناك إيجابيات. فبعد ملاحظتنا عدم معرفة الناخبين بالمرشحين، وهي من أسباب العزوف عن التصويت، ركزت الهيئة خلال الدور الثاني، بالشراكة مع التلفزيون والإذاعة الرسمية، على برامج حوارية وفي المناظرات، مركزياً وجهوياً، وفي التعبير المباشر، وفي نشرات الأخبار للتعريف بالناخبين وبرامجهم ولرفع نسب المشاركة".
وقال المتحدث باسم هيئة الانتخابات: "لاحظنا وجود 47 مخالفة انتخابية خلال الحملة، عكس الدورة الأولى، وهناك 6 مخالفات فيها شبهة جريمة انتخابية أحيلت على النيابة العمومية، والهيئة لم تقصّر في أي شيء، فالحملة تواصلت بطريقة عادية جداً في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وقد وقعت تجاوزات، والهيئة موجودة وتتابعها".
وحول رفض الهيئة طلب المجتمع المدني نشر محاضر وتقارير الرقابة، واتهامها بأنها غير شفافة، نفى المنصري ذلك، مشيراً إلى أن "الهيئة تعمل في كنف الشفافية، وجميع محاضر الدورة الأولى منشورة على موقع الهيئة، والأبواب مفتوحة للمنظمات التي تطلب معلومة أو لقاءً، والهيئة منفتحة أمام الجميع"، مشدداً على أنها تعمل "تحت رقابة القضاء".