استمع إلى الملخص
- **رسائل سعيد وتناقضاته**: رياض الشعيبي أكد أن التعديل يعكس فشلاً جديداً لسعيد، الذي يسعى لإظهار سلطاته المطلقة رغم تناقضاته في تبرير إقالة الوزراء.
- **الاعتراف بالفشل وتوقيت التعديل**: خالد شوكات يرى أن التعديل يعكس اعترافاً ضمنياً بفشل سعيد، مشيراً إلى غياب الشفافية وتحول تونس إلى نظام هجين.
لا يزال التعديل الحكومي الواسع الذي أقدم عليه الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الأحد الماضي، يثير التساؤل حول خلفياته ورسائله خصوصاً أنه جاء قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية، المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول القادم. واعتبر بعض المعارضين أن التعديل يأتي في إطار السعي لاستعادة شعبية اهترأت بسبب محدودية الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة لتحميل الفريق المقال مسؤولية ذلك ما يقود إلى محاولة تحقيق مكاسب انتخابية.
وقال القيادي البارز بجبهة الخلاص الوطني المعارضة، رياض الشعيبي، في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "لا يمكن لهذا التغيير الحكومي أن يحقق أي مكاسب انتخابية لقيس سعيد. فالوضع الحكومي المنهار منذ أشهر لا يمكن تداركه خلال الأسابيع القليلة المتبقية قبل موعد 6 أكتوبر، وبالتالي فإن تغيير بعض الوزراء لن ينعكس على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي، ولن يجني من ورائه الرئيس المنتهية عهدته أي مكاسب سياسية. بل على العكس من ذلك فإن هذا التغيير المرتجل والفاقد للرؤية الإصلاحية هو مؤشر فشل جديد يضاف لرصيد سلبي شامل خلال الخمس سنوات من حكم قيس سعيد".
رسائل قيس سعيد
واعتبر الشعيبي أن أبرز رسائل هذا التعديل تتمثل في أن سعيد يريد القول إنه "سيستمر في الحكم بعد موعد 6 أكتوبر بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، الأمر الذي يفرغ هذه الانتخابات من كل رهان على التغيير، وبالتالي يضع نزاهتها وشرعيتها موضع تساؤل وتشكيك. فأن يخالف قيس سعيد كل الأعراف السياسية ويجري تغييراً وزارياً في مرحلة من المفترض أن مهمة الحكومة هي تصريف الأعمال، ليس له من معنى غير أنه متمسك بالحكم وبكل الوسائل، بما في ذلك الوسائل غير الديمقراطية".
وأضاف الشعيبي أن "الرسالة الثانية هي أنه يمتلك سلطات مطلقة في إدارة الدولة والهيمنة على كل مؤسساتها وأجهزتها ويديرها بشكل كامل وفقاً لإرادته الفردية. وربما يريد بذلك أن يعطي صورة جديدة عن قوته وسلطاته المطلقة التي طالما ذكّر بها في المدة الأخيرة، بما يوحي بنزاع داخل أروقة السلطة حول العمل الحكومي. كأنّ قيس سعيد أراد أن يذكر من ينازعه هذه الصلاحيات بأنه وحده من يمتلك صلاحية التقرير في الشأن الحكومي، وأنه لن يقبل بأي شراكة في هذا الخصوص".
وكان سعيد في خطابه يوم إقالة الوزراء السابقين برر قراره بأن "اختيار عدد من المسؤولين، جهويّاً ومحلّياً ومركزيّاً، كان بناءً على تعهدهم بتحقيق أهداف الشعب التونسي ومطالبه المشروعة، لكن لم تمر سوى أيّام بعد تكليفهم حتى انطلقت المنظومة من وراء الستار لتنجح في احتواء عدد غير قليل منهم والالتفاف عليهم".
ويرى الشعيبي أن هناك تناقضاً واضحاً في كلام سعيد؛ "فمن جهة يحتفظ لنفسه بصلاحيات مطلقة في تعيين الوزراء وتحديد السياسات العمومية، ويعتبر أعضاء الحكومة مجرد مساعدين على خدمة هذه السياسات، ثم عندما تفشل الحكومة في عملها يتهم الوزراء الذين اختارهم بالقصور وعدم الكفاءة، وحتى بالخيانة والتآمر. أليس مفترضاً أن يتحمل هو المسؤولية الأولى وقد فشل في اختيارهم مثلما فشل في وضع الرؤية المناسبة لإخراج البلاد من أزمتها؟ لكن قيس سعيد يبحث باستمرار عن كبش فداء للتفصّي من مسؤوليته عن الفشل الحكومي وحالة اليأس التي يعيشها الشعب التونسي".
وعما إذا كان هذا التعديل محاولة لاستعادة سعيد لشعبيته قبيل الانتخابات أجاب الشعيبي بأنه "لو كان يبحث عن توسيع قاعدة الداعمين له لكان التغيير قد حصل منذ سنة على الأقل، ليرى الناس آثار هذا التغيير، ولغيّر من سياساته في إدارة البلاد. لكنه غير معني بالرأي العام والدعم الشعبي، فبالنسبة إليه الـ10% الذين شاركوا في الانتخابات السابقة هم وحدهم الوطنيون، والبقية ليسوا أكثر من خونة وعملاء وفاسدين، وهذا ما ردده في تعليقه على نسبة المشاركة الضعيفة"، معتبراً أن "ما يفعله سعيد اليوم ليس له من هدف غير تيئيس الناخبين من أي أمل في التغيير عبر الصندوق بما يدفعهم للعزوف عن المشاركة في الانتخابات. هدفه ألا يشارك أكثر من 15% في عملية التصويت بما يضمن له الفوز منذ الدور الأول بنسبة لا تقل عن 70%".
وعن تمسك سعيد ببعض الأسماء، مثل وزيرة العدل ليلى جفال ووزيرة المالية سهام البوغديري نمصية (ثابتتان في كل التشكيلات الحكومية منذ 2021)، اعتبر الشعيبي أن "وزيرتي العدل والمالية هما عماد حكمه، فلم تشهد العدالة في تونس من تردٍّ كالذي تعيشه اليوم، حيث اضمحلت بالكامل السلطة القضائية وتحولت إلى مجرد وظيفة بيد السلطة السياسية، تستعملها للتنكيل بخصومها والزج بهم في السجن حيث استجابت الوزيرة بقوة لتعليمات رئيسها في تركيع القضاء وتوظيفه، فكيف لا يتمسك بها"، مضيفاً: "أما وزيرة المالية فقد أمنت للسلطة وبكل الوسائل تمويل الميزانية، بما في ذلك الضغط على البنوك ورجال الأعمال، الأمر الذي وضع المنظومة المالية والاقتصادية تحت ضغط متصاعد، وأثر سلباً على ارتفاع التضخم وتراجع الاستثمار وازدياد نسبة البطالة، وظهور مؤشرات قوية على دخول الاقتصاد الوطني في حالة من الانكماش بعد معدلات نمو صفرية".
"اعتراف صريح بالفشل"
من جهته، اعتبر رئيس المعهد العربي للديمقراطية، الوزير الأسبق خالد شوكات، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "سعيد يريد أن يقول إن المشكلة في الحكومات والوزراء وليست فيه، وهو اعتراف صريح بالفشل كان يفترض منه الاعتذار والتراجع، فهو يقيم سياساته على افتراضات خاطئة من قبيل أن مجرد تعيين وزير يقتضي منه التنازل عن أفكاره وقناعاته وانتمائه الطبقي أو المناطقي بمجرد جلوسه على الكرسي، وهذا أمر مجانب للطبيعة البشرية، ولهذا فقد استندت فكرة الديمقراطية دائماً إلى أن الناس ولدوا مختلفين وعليهم إدارة الاختلاف بناء على اعترافهم بتنوعهم، فيما يُظهر سعيد الأمر باعتباره خيانة أو عمالة أو مؤامرة، وخلاصة القول إن ما يظهر أنه سعي إلى مكسب انتخابي هو عملياً اعتراف صريح بالفشل".
وعن خلفيات التعديل وتوقيته، يقول شوكات: "برأيي وخلافاً لمحاولات الفهم العقلانية، فالواقع يقول إن الشعب خلافاً لما كان عليه الحال طيلة العشرية لا حق له اليوم بالمعلومة من مصادرها الرسمية. لا أحد يحق له أن يسأل لماذا أقيل هذا الوزير وعلى أي أساس اختير الوزير الجديد. لا تقييم ولا مراقبة ولا محاسبة. وبالتالي لا عناوين ولا رسائل ولا من يحزنون. هناك رجل واحد له الحق في الإقالة والتعيين في الوقت الذي يريد وعلى النحو الذي يشاء، وما يشير إليه البعض من رسائل هو كما أرى مجرد هراء".
وأوضح شوكات "هي حكومات بلا برنامج، وكأن المشكلة في الأشخاص، بينما يفترض أن تتشكل الحكومات في الأنظمة الديمقراطية على قاعدة التنافس البرامجي، ولكن لا شيء من ذلك، فسعيد يعتقد أن الأشخاص لا الأفكار هم الأهم، وبالتالي فإن مفهوم الفشل لديه مختلف، فهو خيانة وطنية ومؤامرة، وليس غياب برنامج من الأصل. ولهذا سنمر من حكومة فاشلة إلى حكومة أفشل حتماً".
وعن غضب سعيد الواضح من ملف السياسة الخارجية من خلال تغيير كل الطاقم (الوزير نبيل عمار وكاتب الدولة للخارجية بن رجيبة)، وتتالي التغييرات في هذه الحقيبة في كل مرة قال شوكات إن "وزير الخارجية هو عضو في الحكومة، وبحسب دستور سعيد فإن الرئيس هو من يحدد السياسات، بما في ذلك السياسة الخارجية، وبحسب تصريحات سعيد فإن السياسة الخارجية لديه تنحصر في عدم تدخل الآخرين في شؤوننا الداخلية، ولكن كيف لهذا الأمر أن يتحقق في ظل حاجة البلاد إلى قروض ودعم. وهل يمكن أن تمنع مقرضيك مثلاً من عدم الاهتمام باستقرار بلدك ومستقبله؟ هذه الأفكار الطوباوية يمكن أن تجبر عليها شعبك بضغط أمني مثلا، ولكن يستحيل أن تفرضها على الشركاء الدوليين".
وبخصوص تمسكه ببعض الأسماء، قال شوكات: "لا شك أن المعادلة مرتبطة عند الرئيس بمنطق التعامل مع معارضيه، فمعارضوه برأيه خونة وعملاء ولا يمكن التعامل معهم إلا عبر الاعتقال والقضاء الذي لا يجب أن يبرئهم حتى لا يكون شريكا لهم. لقد غادرت تونس مجال النظام الديمقراطي إلى حيز الأنظمة الهجينة التي غالباً ما ترى في الداخلية والعدل، الدولة، والبقية مجرد تفاصيل".