تونس... رسالة هادئة من "الشعب يريد"

19 ديسمبر 2022
نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بلغت 8.8% (العربي الجديد)
+ الخط -

قال الشعب التونسي في الانتخابات التشريعية كلمته بوضوح لا يخطئه عاقل ولا يلتبس على فهم، حيث أقفرت مكاتب الاقتراع من زوارها الذين آثروا البقاء في بيوتهم ذلك اليوم، وامتنعوا عن المشاركة في انتخابات دعا إليها قيس سعيّد. 

قال سعيّد للتونسيين يومها إنها فرصتهم التاريخية لقطع الطريق على الذين خرّبوا البلاد، غير أنهم اختاروا بوضوح توجيه رسالة هادئة وصامتة للجميع بأنهم يرفضون هذا العبث.

لم يجد سعيّد "الشعب الذي يريد" الذي كان يقول إنه يسنده في مساره وإنه يعبّر عنه ويمثله، ولكن الذي رآه متابعون في الداخل والخارج هو "الشعب الذي لا يريد"، الذي يرفض هذا الوضع ويبحث عن بديل لكل هذا.

كانت الرسالة في الذكرى 12 لاندلاع الثورة من سيدي بوزيد، وكأنها ملمح من ثورة جديدة أو تذكير بالذي كان، لمن يريد أن يتعظ.

هلّلت المعارضة التونسية لهذه النتائج، وهذا من حقها السياسي طبعاً، ولكن يوم السبت لم يكن هناك رابحون، نعم خسر الانقلاب ولكن لم يربح أحد، لأن لا شيئ من مشكلات البلد تم حله، بل لعلها الآن ستتعقد أكثر بعناد سعيّد المعروف واستبساله في رفع شعار "لا عودة إلى الوراء" برغم أن هذا ما ينبغي في السياسة عندما تتحدث الأرقام ويقول الشعب كلمته، أخلاقياً على الأقل.

كلام كثير كُتب بعد الإعلان عن النتائج، من نوع أنه لم يعد هناك شرعية ولا مشروعية، وتساءل آخرون، عن شرعية مجلس نيابي بمشاركة في حدود 9 في المائة.

وكل هذا كلام منطقي ومنتظر، وهذه رسالة التونسيين الواضحة والمفهومة، ولكن هذه الرسائل ليست لسعيّد وحده، بل هي لجميع مَن في المشهد، بكل إخفاقاتهم وخلافاتهم وحساباتهم التي قادت إلى هذه المأساة الانتخابية، وإلى هذا الغضب الشعبي الصامت، الذي لن يبقى بالتأكيد صامتاً، وقد يتحول إلى ما أنذر بشأنه كثيرون، شلال هادر يحطم كل شيء في طريقه.

بقي أن ما قاله رئيس هيئة الانتخابات، فاروق بوعسكر، يدعو إلى الاستغراب والدهشة، وهو يبرر هذه النتائج وكأنه مجبور على ذلك، عندما يقول إن هذه الأرقام مردها أن الانتخابات كانت نظيفة ولم يكن هناك مال فاسد، وهو من حيث يدري أو لا يدري، لا يتهم الأحزاب الفاسدة فقط، وإنما كذلك التونسيين الذين لم يشتركوا في هذه المهزلة.

وهذا هو بيت القصيد، هذه النخبة لا تقرأ رسائل شعبها ولا تفهم لغته، وهذا ما قادنا إلى هذه المحطة، قبل الحفرة بقليل.