تونس: رئاسة لجنة المالية تهزّ المعارضة

20 فبراير 2015
ستؤثر رئاسة اللجنة المالية على أعمال الحكومة (ياسين جعايدي/الأناضول)
+ الخط -
انقلبت الحسابات والتكتيكات داخل مجلس نواب الشعب التونسي، بعد بروز مساعٍ من أجل سحب بساط المعارضة من تحت أقدام كتلة "الجبهة الشعبية" التي ينتمي إليها 15 نائباً معارضاً، لم يمنحوا ثقتهم لحكومة الحبيب الصيد، وأعلنوا منذ فوزهم بالانتخابات التشريعية، نيتهم في رفع لواء المعارضة، آملاً في ترؤسها وقيادتها.

ووفقاً لبعض التسريبات، يتم التداول باتفاقات سرية بين كتلتي "النهضة" و"النداء"، من أجل إبعاد رئاسة لجنة المالية عن "الجبهة الشعبية"، ومنحها تحديداً للنائب إياد الدهماني، المنتمي للكتلة "الاجتماعية الديمقراطية"، التي استُحدثت أخيراً. وتستند المساعي في سحب صفة "المعارضة" عن "الجبهة الشعبية"، إلى الفصل 46 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي تضمن مفهوم "المعارضة"، لينطلق الجدال على أثرها.

ولفت الدهماني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الكتلة الديمقراطية الاجتماعية قدّمت تصريحاً لرئاسة المجلس، على أنها كتلة معارضة مكوّنة من ثمانية نواب، وأضيفت اليها تواقيع نواب غير منتمين لكتلٍ تخوّلها ترؤس لجنة المالية، على غرار نواب المؤتمر من أجل الجمهورية (4 نواب)، والتحالف الديمقراطي (نائب واحد)، والتيار الديمقراطي (3 نواب)، ليصبح العدد الإجمالي 16 نائباً، أي أكبر من كتلة الجبهة الشعبية". وأضاف "يبقى الخلاف حول رئاسة لجنة المالية خاضعاً للتأويلات القانونية".

وتابع "لدينا قراءة قانونية واضحة في الدستور، تنصّ على أن حق رئاسة لجنة المالية يعود للمعارضة بجميع مكوناتها، سواء كانت كتلاً أو نواباً غير منتمين إلى كتل. ولم يُشر الدستور إلى كتل صغيرة أو كتل كبيرة". وكشف أن "النظام الداخلي حدّد شكل المعارضة بالكتل التي لم تمنح ثقتها للحكومة ولم تشارك فيها، كما يُعتبر النواب غير المنتمين لكتل من المعارضة. ولم يمنح الدستور حقّ المعارضة لأكبر كتلة نيابية لم تمنح الثقة للحكومة، بالتالي فإن أغلبية المعارضة هي التي تحدد من يترأس لجنة المالية، لا الأقلية فيها".

واعتبر الدهماني أن "الحديث عن مؤامرة لكتلتي النهضة والنداء لإقصاء الجبهة الشعبية من المعارضة، هي تصريحات غير مسؤولة. لم نوكّل هاتين الكتلتين لتقررا عوضاً عنا، بل أكدنا أن المعارضة بكل مكوناتها هي التي تقرر، وفقاً لقواعد الديمقراطية، ومن يتحدث عن مؤامرة فهو يحتاج فعلاً إلى دروس في الديمقراطية".

غير أن مرشح "الجبهة الشعبية" لرئاسة لجنة المالية، النائب منجي الرحوي، اعترض على كلّ ما تقدم به الدهماني. واعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بالنسبة لرئاسة لجنة المالية، فإن الفصل 46 من النظام الداخلي والفصل 70 من الدستور، حدد بأن الكتلة الأغلبية داخل المعارضة هي التي تترأس اللجنة". ولفت إلى أن "معظم الكتل ومعهم الكتلة الاجتماعية الديمقراطية، التي ينتمي إليها الدهماني، بصدد خلق وضع آخر غريب وهجين، بما يخوّل الكتل المؤيدة للحكومة اختيار من يعارضها، وهذه أسوأ حالات الديمقراطية".

وقال الرحوي إن "من غير المنطقي ما يحصل حالياً، لأن الهدف منه هو خلق خلاف لإحالته إلى التصويت في الجلسة العامة، وبالتالي تحقيق ما تصبو إليه الكتل المؤيدة للحكومة، بينما نحتاج إلى تطبيق النظام الداخلي الذي يحدد معنى المعارضة، التي لا تجمع بين الكتل وغير المنتمين في نفس الوقت". ورأى أن "هناك محاولة لخلق جسم غريب من أجل إعطاء رئاسة لجنة المالية لشخص متوافق عليه بين كتلتي النهضة والنداء، ويُشكّل هذا الأمر تجاوزاً للديمقراطية وبناء للاستبداد". وأكد الرحوي أن "الجبهة الشعبية ترفض هذا التوجه رفضاً قاطعاً، وستدفع نحو الالتزام بتطبيق ما جاء بالنظام الداخلي والدستور وسيتم التصديّ لأي محاولة ضد النظام الداخلي والدستور".

لم ترِق الاتهامات الموجّهة لـ"النهضة" و"نداء تونس"، للنائب عن "النهضة" بدر الدين عبد الكافي، الذي اعتبر في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "من المضحك أن تُقدّم الجبهة في كلّ مرّة على أنها الضحية والمستهدفة، وأن العالم يدور حولها، فقضية المعارضة وترؤسها للجنة المالية ضبطها الدستور والنظام الداخلي، وهي شأن النواب المعارضين الذين يفترض بهم حسمها في ما بينهم. ولا علاقة لكتلة النهضة بهذا الجدل وسنحترم ما سيؤول إليه قرارهم".

وأضاف "من حق النواب غير المنتمين أيضاً أن يختاروا من يترأس لجنة المالية، بما أنهم اختاروا منهج المعارضة، أي أن الكلمة ستكون لأغلبية المعارضة، لا للكتلة الأغلبية الممثلة للمعارضة، وهو المنطق الأسلم". وأوضح عبد الكافي أن "كتلة النهضة ترغب في أن تتشكل اللجان في أقرب وقت حتى تنطلق في أعمالها، نظراً للتحديات الكبيرة التي تنتظرنا".

ويخفي الخلاف في التأويلات القانونية حول رئاسة لجنة المالية، أبعاداً سياسية واقتصادية، أبرزها أن أحزاب التحالف الحكومي تسعى إلى عزل "الجبهة الشعبية" سياسياً، غير أنها لا ترغب من ناحية أخرى في وجود "نقيض اقتصادي" على رأس لجنة المالية، التي تمرّ عبرها كل القوانين الاقتصادية. وقد أحزاب التحالف رأت في الدهماني شخصية مرنة، يمكن التحاور والتفاهم معها، على الرغم وجوده في المعارضة، عكس الرحوي، المعروف بمعارضته الشرسة لـ"النهضة" تحديداً، ولباقي أحزاب التحالف الحكومي ذات التوجه الليبيرالي عموماً.

إقرأ أيضاً: بن قردان التونسية: حيث تختلط أزمة الحدود بالمطالب الاجتماعية 
إقرأ أيضاً: الاحتجاج.. فن وتكتيك ومهارات

المساهمون