ندّد سياسيون تونسيون وشخصيات وطنية وعربية، أخيراً، بحملات التشويه والتخوين في تونس، التي تستهدف قيادات حزبية ووجوهاً سياسية في البلاد، مثل الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي ورئيس الهيئة التأسيسية لحزب "أمل" أحمد نجيب الشابي ورئيس حزب العمّال حمة الهمامي وغيرهم، مؤكدين أن هذه الشخصيات لها تاريخها النضالي الطويل، وأن هذا المناخ السائد اليوم في تونس (بعد فرض الرئيس التونسي قيس سعيّد إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو/تموز الماضي) يزيد في توتير الأجواء، ولن يقود إلى أي إصلاح.
ونشرت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة "نوبل" للسلام توكل كرمان، أول من أمس السبت، بياناً تضامنياً مع الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، باسم "المجلس العربي" (معني بالدفاع عن قيم الثورات العربية ويرأسه المرزوقي)، ضد ما أسمته بحملات التحريض والتخوين. واعتبرت كرمان، في بيان صادر عن "المجلس العربي"، أن قرار سحب جواز السفر الدبلوماسي من المرزوقي وما رافقه من حملات تحريض وتخوين وتشويه من أنصار الرئيس قيس سعيّد وأبواق الثورة المضادة تجاه أول رئيس ديمقراطي لتونس وأبرز رموز الربيع العربي، يعكسا بحسب وصفها "حالة الارتباك الشديد لقائد الانقلاب والمحيطين به" (في إشارة إلى سعيّد وإجراءاته التي يصفها المعارضون لها بالانقلاب).
حذّر الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي" في تونس، غازي الشواشي، من أن ما يحصل من عنف في المجال الافتراضي قد ينتقل إلى الشارع
وتعليقاً على حملات التخوين، رأى الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي" في تونس غازي الشواشي أن البلاد "تعيش عدداً من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تضاف إليها اليوم حملات التشويه والتخوين التي تستهدف شخصيات عدة"، محذراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن "ما يحصل من عنف في المجال الافتراضي قد ينتقل إلى الشارع".
ووصف الشواشي المشهد بـ"الخطير" معتبراً أن "الأخطر هو صفحات مأجورة وممولة لتشويه الخصوم وتخوينهم"، وأن "من ينتقد موقفاً ما يتحول إلى خائن". وِأشار إلى أن "الرئيس سعيّد يرد أيضاً على ما يُنشر، وينعت بدوره خصومه بأبشع النعوت وبكلمات مشينة، في الوقت الذي يجب أن يكون رئيساً لكل التونسيين".
واعتبر الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي" أن "المناخ والخطاب السائدين غير ملائمين لأي نوع من الإصلاح، فتصحيح المسار يتطلب وحدة وطنية داخل الأغلبية، وإلا فلن يتحقق أي تقدم"، محذّراً من أن "مناخ التخوين سيكون عنصراً مكبلاً وجاذباً إلى الوراء، وليس للتصحيح".
وحول سبب هذه الحملات، رأى الشواشي أنه "يبدو أن هناك رغبة في العودة إلى مربع التخويف بين الشعب والسلطة الحاكمة، فقد كسر التونسيون هذا الحاجز بعد 14 يناير/كانون الثاني (2011- مع سقوط نظام زين العابدين بن علي)، واليوم، نرى وكأن هناك محاولات للترهيب والحث على عدم نقد السلطة الحاكمة، وهذا هو الخطير، لأنه يضرب كل الحريات والحق في الاختلاف، وينسف المناخ الديمقراطي الذي تكون طوال عقد من الزمن، والذي يستشهد به الكثيرون على الرغم من بعض النقائص".
وكان الشواشي قد كتب، في تدوينة على "فيسبوك"، أنه "قد نختلف مع حمة الهمامي أو نجيب الشابي أو المنصف المرزوقي حول مواقفهم أو أفكارهم باعتبارهم رجالات سياسة وقامات وطنية مناضلة، ولكن أن يصل الأمر إلى تخوينهم أو التشكيك في وطنيتهم وفي نزاهتهم، فهذا عمل جبان ومخجل ومشين، فبعد الذباب الأزرق والذباب البنفسجي الذين تفننوا طيلة سنوات في تشويه خصوم أسيادهم، دخل اليوم الذباب الأصفر أو ما سمي بالحشد الشعبي، على الخط، لتشويه المناضلين الوطنيين وترذيل النخبة السياسية والمجتمعية في بلادنا، خدمة لزعيمهم الملهم وللنظام الشعبوي المتخلف الذي يبشرون به".
بدوره، رأى القيادي المستقيل من حركة "النهضة" التونسية سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الحملات ليست إلا مجرد انحرافات سلوكية لمجموعة من الأفراد لا يفقهون معاني قرينة البراءة، أو فاضت صدورهم بمشاعر الحقد والتعصب، فلوثت جدرانهم الافتراضية"، مبيناً أنها "تجسيد لحالة الشحن التي تطبع الفعل السياسي والإعلامي نتيجة الاصطفاف الحاد والخطاب العنيف الذي ينتهجه بعض الساسة والمسؤولين، بما في ذلك ما يعجّ به القاموس الرئاسي من مصطلحات التخوين والشتائم النابية لخصومه السياسيين".
واعتبر ديلو أن "هذه الحملات، وفضلاً عن تعريضها سلامة وربما حياة من تستهدفهم للخطر، تجعل حل الأزمة أعقد وأبعد منالاً، فهي تجعل من المختلفين خصوماً، ومن الخصوم أعداءً، ومن الأعداء هدفاً مشروعاً لشتى أنواع الاستهداف من دون سقف ولا ضابط قانوني أو أخلاقي".
وعبّر ديلو عن تضامنه مع رئيس الهيئة التأسيسية لحزب "أمل" أحمد نجيب الشابي قائلا إن الأخير "من النوع الذي لا يتركك محايداً، قد توافقه أو تختلف معه، ولكن لا يمكن أن تتجاهله، وفي الحالتين، لا تملك إلا أن تحترمه"، مضيفاً أنه "رجل لم يساوم، دافع عن موقفه، وهو أقلي، قبل الثورة وبعدها، ولم يدفعه ذلك للمساومة ولا للرضوخ. عرفته عن قرب في إضراب 18 أكتوبر/تشرين الأول قبل الثورة، والحراك الذي لحقه، ثم في المجلس الوطني التأسيسي".
وتابع: "هو سياسي صعب المراس ومثقف تقدمي عميق القناعة بالحقوق والحريات العامة والفردية، تناوشته سهام الديكتاتورية ثم سهام المخالفين بعدها، فلم ييأس ولم يعتزل، ونفس الألسنة تكاد تنال منه اليوم، بعضها يجمع بين دناءة السابقين وبذاءة اللاحقين".
سمير ديلو: حملات التخوين تجعل حل الأزمة التونسية أعقد وأبعد منالاً
وفي السياق ذاته، تساءل المكلف بالإعلام في الاتحاد العام التونسي للشغل غسان القصيبي، في تدوينة على "فيسبوك": "ما هذا الحقد وهذه الكراهية التي زرعت في شعبنا، فأصبحنا لا نقدر إلا على الاعتداء والقذف اللفظي؟ ما هذا الجهل والحسد تجاه كل شخص يخالفنا الرأي؟ أي ثقافة وأي أخلاق وأي مصير ينتظر شعباً أعماه الحقد والكراهية؟".
وأشار القصيبي إلى أن "حجم السب والشتم تجاه نجيب الشابي أو حمة الهمامي أو عياض بن عاشور، أو أي معارض، يكشف عن مرض كبير جاثم على أغلبية شعب. هذا المرض متحول من طرف نحو طرف، ويجثم خصوصاً على من هم يعشقون السلطة وليس المبادئ، تذكروا وحوشاً زرقاء كانت جاثمة علينا منذ سنوات 2012، تذكروا الذباب، اليوم ذباب جديد بلون جديد قد يكون ذباباً أسوداً على أزرق".