تونس المريضة

07 فبراير 2022
العقبة أن سعيّد لا يريد الحوار (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

عندما يضطر الرئيس التونسي قيس سعيّد للذهاب إلى مقر وزارة الداخلية، بعد منتصف الليل، ليتحدث عن القضاء، ويسقط قراراً للوزارة بحظر التظاهر منعاً لانتشار كورونا، ويدعو المتظاهرين مسبقاً إلى المطالبة بحل المجلس الأعلى للقضاء، فهذا يعني أن هذه البلاد الجميلة الهادئة تونس، قد وصلت إلى أعلى درجات مرضها، وأنها على شفا الانهيار الكامل.

وعندما يكون مدير الخزانة الفرنسية ورئيس "نادي باريس" إيمانويل مولان في زيارة خاصة إلى تونس، ولا تقول السلطات التونسية ذلك، إلا بعد أن ينكشف الموضوع في الصحافة، فذلك يعني أن البلاد مريضة، وقد أعياها المرض، وربما تتجه إلى طريقة الكيّ علاجاً لحالتها الصعبة.

ليست المشكلة أن تكون تونس مريضة، فدول وأمم كثيرة تمرض بشتى أنواع الإصابات، وتواجه مخاطر جمة وآلاماً موجعة، ولكنها تبرأ من ذلك، لأنها تواجهه مجتمعة وموحدة وصابرة ومتفائلة. 

أما تونس، فمرضها الحقيقي هو فُرقة أبنائها، وشراهتهم وهم ينتظرون موتها على السرير لوراثتها. ويكفي أن تنظر للمحتجين، المدافعين عن سعيّد والمعارضين له، كل منهم يتخذ ركناً من الشارع حتى لا يختلط بالآخر لتفادي العدوى، أو بسبب وهْم الاستفراد بالغنيمة إذا صحت، يتصارع المؤيدون فيما بينهم ويختلف المعارضون فيما بينهم.

وفي الأثناء تتجه البلاد إلى الكارثة بخطى حثيثة. الأسعار التهبت، والدواء مفقود، وخزينة الدولة فارغة، والعاطلون عن العمل على قارعة الطريق يلوحون بشهاداتهم الجامعية بلا حول ولا قوة.

وفي هذا الوقت نجح مئات الأطباء في اختبار معادلة شهاداتهم استعداداً للرحيل إلى أوروبا، بعدما أنفق عليهم الشعب من ماله واستثمر فيهم على مدى عقود، ليتركوا المستشفيات فارغة لمرضاها يواجهون مصيرهم المحتوم.

المشكلة أن التونسيين جربوا كل هذا سابقاً، وعرفوا أن المخرج منه لا يكون إلا عن طريق الحوار، بل تحولوا إلى مثال لذلك في العالم. لكن الحقيقة، والعقبة الآن هي أن سعيّد لا يريد الحوار، وكلما اقترب الفرقاء السياسيون منه أبعدهم عنه في سبيل مشروعه الخاص.

قد تكون الأحزاب مختلفة حول مآل هذا الحوار وآلياته ومخططه، ومتخوفة من نتائجه المحتملة، ولكن أغلبها لا يرى غير ذلك سبيلاً. وحتى الداعمون لسعيّد عبروا عن ذلك صراحة، رفضاً للاستشارة الإلكترونية التي يتمسك بها الرئيس، والتي لا يمكن أن تكون بديلاً عن حوار سياسي.

لكن الرئيس في الأثناء يمضي واثق الخطى في اتجاه مشروعه، يسخّر معارضيه ومؤيديه، ويلعب على تناقضات وحساباتهم الصغيرة، ظاناً هو كذلك أنه الرابح في الأخير. ولكن ذلك مجرد وهم، لأن هذه البلاد مريضة جداً، وقد لا تنجح في المقاومة هذه المرة، ولكنها إذا استفاقت بمعجزة، فستثأر من الجميع.