تونس الغاضبة

15 نوفمبر 2021
تظاهر التونسيون رفضاً للانقلاب على أحلامهم (العربي الجديد)
+ الخط -

خرج التونسيون، أمس الأحد، تعبيراً عن غضبهم من تردّي أوضاع بلادهم، وخوفهم من ضياع حريتهم ووأد ثورتهم، وتعبيراً عن رفضهم للانقلاب على أحلامهم، في بلد يشكلونه كما يريدون. بلد تم اختطافه من الساسة على مدى عقود، قبل الثورة وبعدها. وفي كل مرة يطلع عليهم خطيب ينسج من الأوهام ما ينسج، فيقعون في خطيئة تصديقه ويدفعون الثمن ندماً ودماً، بعد فوات الأوان وخسارة سنوات من عمر شبابهم وأطفالهم.
لكن التونسيين صرخوا، أمس، بوضوح أن دواء الديمقراطية لا يكون إلا بأدوات الديمقراطية وليس التفرد بالحكم، وبالحوار وليس بالقنابل المسيلة للدموع، وبالتشارك لأنه ليس من حق أي كان أن يقرر مصيرهم، لأنه يعتقد أن له الحق في التفكير نيابة عنهم. رفع التونسيون، أمس الأحد شعاراً بسيطاً واضحاً ومباشراً "الشعب يريد ما لا تريد"، للتشديد على أن الشعب ليس فكرة واحدة وإنما هو أفكار متعددة ومتنوعة ومختلفة أحياناً، وليست هناك إرادة شعبية واحدة يمكن مصادرتها والتحدث باسمها والتقرير نيابة عنها. وكان إصرار الناس واضحاً للإنصات إليهم، وسماع صوتهم بأن خيارهم يمكن أن يكون مخالفاً لخيارات الرئيس ومسانديه، وليس من مجال لمعرفة الحقيقة إلا عبر صندوق الاقتراع.
وما حدث في مدينة عقارب، الأسبوع الماضي، كان مثالاً واضحاً على صمم الدولة، وأثبت فشلها وقسوتها وضيق أفقها أيضاً. فالمشكلة لم تكن مفاجئة لأحد وكانت متوقعة منذ سنوات، ومع ذلك تُركت إلى أن وقعت على رؤوس الجميع. والدولة لم تنتبه إلى أن الحوار مع الشباب كان يمكن أن يتم قبل إطلاق الغاز المسيل للدموع وخنق المواطنين، ولم يكن هناك من ضرورة لمحاصرة مدينة بكل ذلك العتاد، مع أنه في الأخير انسحبت قوات الشرطة وهدأت المدينة، وأطلق الحوار مع المحتجين، وكان يمكن أن يحصل كل ذلك لو كان هناك عقل هادئ يفكر.
والخوف اليوم أن يتكرر الأمر ذاته في أكثر من مدينة، لأن الإشكال نفسه مطروح في أكثر من منطقة تونسية لأسباب بيئية وغير بيئية. يقول الناشط من عقارب شكري البحري إنهم "يرفضون المصب في عقارب وفي المحرص أو في أي منطقة أخرى، لأن تصدير الأزمة مرفوض"، مشيراً إلى أن "عقارب مجرد نموذج لا يجب أن يتكرر في أي منطقة قد تعيش ما عاشوه من ظلم ومعاناة مع التلوث والأمراض والموت". فما الذي لا تفهمه الدولة في هذا الكلام: مواطنون يريدون هواء نقياً، وحرية.

المساهمون