لم تكن زيارة رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي إلى باريس أخيراً في مستوى الآمال التي علّقت عليها. وعلى الرغم من بعض النقاط الإيجابية التي تحققت، فقد سجلت نقائص، وخلفت الزيارة أسئلة تنتظر إجابات من مصادر موثوق بها، وهو ما جعل منها باهتة. الأهم من ذلك أن الزيارة كشفت من جديد عن استمرار "الحرب الباردة" بين رئاستي الجمهورية والحكومة.
زيارة المشيشي كانت الأولى التي يقوم بها رئيس الحكومة خارج البلاد. كان يفترض أن تتهيأ لها كل شروط النجاح، وأن تُطبخ تفاصيلها على نار هادئة، وأن تكون بالخصوص محل تنسيق وتشاور مسبق بين رأسي السلطة التنفيذية. كما كان من المفترض أن يكون من ضمن الوفد الرسمي وزير الخارجية عثمان الجارندي. كذلك يفترض الدفاع عن نتائج الزيارة من قبل الجميع، بدءاً من رئاسة الجمهورية، وصولاً إلى جميع الساهرين على تحسين صورة تونس في الخارج والمدافعين عن مصالحها الكبرى.
تتواصل الاحتجاجات الاجتماعية المناطقية الخاضعة لما يسمى بالتنسيقيات
حصل كل ذلك في سياق تتعرض فيه البلاد إلى سلسلة من عمليات التصعيد الاجتماعي والسياسي، تكاد تكون غير مسبوقة في تواترها وانتشارها، حتى كادت تشمل مختلف ولايات الجمهورية، ما جعل البعض يذهب إلى درجة تخيل وجود خطة للانقلاب على الحكومة ورئيسها. وهو افتراض غير دقيق، ولا يوجد ما يؤكده على أرض الواقع، لكن ذلك زاد من نسبة الضغوط المسلطة على المشيشي. فالرجل، الذي لم يحسن التعبير في أحد تصريحاته الإعلامية عندما ربط المهاجرين غير النظاميين بالإرهاب، عرّض نفسه لحملة واسعة إضافية، قادتها أطراف عديدة، من بينها منظمات مجتمع مدني داخل تونس وخارجها.
كما تتواصل الاحتجاجات الاجتماعية المناطقية الخاضعة لما يسمى بالتنسيقيات. هذه التنسيقيات أثارت غضب الاتحاد العام التونسي للشغل الذي انتقدها بقوة، ووصفها بالهياكل غير القانونية، لأن النقابيين تخوفوا من تحميلهم مسؤولية ما قد يترتب عن احتجاجات غير مدروسة، أو أن تسحب منهم قيادة هذا الحراك الحاصل. في حين أن الاتحاد لا يزال متمسكاً بمبادرته المتعلقة بالحوار الوطني، رغم رفضها بطريقة دبلوماسية من قبل الرئيس قيس سعيد.
في هذه الظروف الهشّة تحاول الحكومة تجميع قواها وإعداد ملفاتها للشروع في التفاوض مع مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي، الذي أورد في آخر تقرير له أن نسبة النمو في تونس ستسجل 9.2 في المائة تحت الصفر. وهو مؤشر يعكس بوضوح خطورة الحالة الاقتصادية للبلاد.
من جهة الحكومة مدعوة إلى سد العجز الذي تعاني منه الميزانية الجديدة التي تم التصويت لصالحها على عجل من قبل البرلمان، على الرغم من تعدد عيوبها ونقائصها. كما أن الحكومة مطالبة من جهة أخرى بالشروع عاجلاً في تنفيذ عديد الإصلاحات المرفوضة من جهات متعددة، وبالأخص الاتحاد العام التونسي للشغل. كما عاد الإرهاب ليطل برأسه من جديد، بعد ذبح أحد رعاة الأغنام بمنطقة جبل سمامة، وهو ما أكد أن الإرهابيين لا يزالون يتحكمون في هذه المنطقة الحيوية منذ أكثر من ثماني سنوات، من دون أن تتمكن قوات الأمن والجيش من القضاء عليهم. على صعيد مواز، تواصل شبكات التهريب نشاطها بكثافة، على الرغم من تعرضها لحصار واسع من قبل الدولة. هناك حرب حقيقية جارية بين الطرفين. وأصبح المهربون يمتلكون أسلحة، تتراوح بين مسدسات ورشاشات من نوع "كلاشنيكوف" لمهاجمة قوات الحرس المرابطة على الحدود، وفي بعض المداخل الوعرة أو المناطق الصحراوية.
حكومة المشيشي مطالبة بالشروع عاجلاً في تنفيذ العديد من الإصلاحات المرفوضة من جهات متعددة
أما الخطوة الهامة التي أقدم عليها رئيس الحكومة، ووجدت ترحيباً واسعاً من الرأي العام، فهي قراره بتوجيه ضربة موجعة لإحدى شبكات الفساد، التي تورطت في عملية شهيرة، تعرف بالنفايات الإيطالية التي يتم دفنها في تونس. لقد تحرك القضاء أخيراً، وقرر إيقاف عدد من المسؤولين بدرجات متفاوتة، بمن فيهم وزير البيئة والشؤون المحلية المقال مصطفى العروي ووزير البيئة السابق شكري بن حسن. وهو ما اعتبرته الصحافة المحلية أكبر قضية فساد تفتح بعد الثورة.
ما هي الخطوات القادمة التي ينوي رئيس الحكومة القيام بها لمواجهة أوضاع سنة 2021، التي ستكون أكثر صعوبة من السنة الحالية؟ على الرغم من أنّ البعض يتوقع سقوط الحكومة، والمزيد من إضعافها حتى تصبح غير قادرة على الصمود والاستمرار، إلا أن احتمال بقائها لا يزال قائماً. كما أن إقالة وزيرين، العروي ووزير الثقافة وليد الزيدي، من التشكيلة، من شأنها أن تفتح المجال أمام احتمال الإقدام على تعديل وزاري مطلع السنة الجديدة. هذه الملامح الكبرى للوضع السياسي في تونس، كما تتجلى في الأسبوع الأخير من سنة 2020. وضع مرتبك، وواجهات مفتوحة على أكثر من صعيد، خصوصاً في ظل استمرار جائحة كورونا. لكن في المقابل هناك حديث عن احتمال أن تتحسن الأوضاع قليلاً، رغم أن معظم الخبراء يتحدثون عن أن السنة الجديدة ستكون أكثر صعوبة من سابقاتها.