تونس: ارتفاع منسوب التوتر بين السلطة والمعارضة مع قرب الاستحقاق الانتخابي

20 مايو 2024
خلال مسيرة لجبهة الخلاص مطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، 12 مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في تونس، ثمانية أحزاب سياسية تنتقد بشدة الإجراءات القمعية للسلطة ضد المعارضين والإعلاميين، مشيرة إلى أزمة سياسية عميقة ومطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين وإلغاء المرسوم 54 الذي يقيد الحريات.
- الضغوطات والاعتقالات تزداد ضد المعارضين والنشطاء، مع جلسات استماع ومحاكمات لشخصيات بارزة، ما يعكس استراتيجية القمع لإسكات الأصوات المعارضة ويؤكد على استمرارية النهج القمعي.
- المحللون يرون أن التوتر الحالي ينبع من ورطة السلطة السياسية والاقتصادية، مع مخاوف من انخفاض المشاركة في الانتخابات وفقدان الشرعية، مما يدفع لتكثيف القمع لضمان بقاء السلطة، بينما يستمر النشطاء في معركتهم ضد الاستبداد.

أصدرت ثمانية أحزاب تونسية، اليوم الاثنين، بياناً مشتركاً إثر التطورات التي شهدها الوضع العام في البلاد، وخاصة الهجمة الأخيرة على الحقوق والحريات وعلى قطاع المحامين والإعلام، معتبرة أن "عودة ممارسة التعذيب ضد المعارضين يؤشر على عمق الأزمة السياسية التي تعيشها السلطة الماسكة بالحكم".

وعبرت الأحزاب (التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل والعمال والقطب والمسار وآفاق والاشتراكي) عن "تنديدها الشديد" بموجة الإيقافات التي طاولت الإعلاميين والمحامين، معتبرة أن اقتحام الشرطة دار المحامي (مقر الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين) مرتين على التوالي يعد "دلالة جدية على ضيق الأفق الذي تتميز به السلطة الحالية وانحسار حلولها فقط في الجانب الأمني وممارسة الترهيب والتخويف لكل معارض لسياساتها".

وقالت الأحزاب في بيانها إن "عودة ممارسة التعذيب ضد المعارضين يؤشر على عمق الأزمة السياسية التي تعيشها السلطة الماسكة بالحكم"، وطالبت "بإطلاق سراح المساجين السياسيين وسجناء الرأي" وعبرت عن "عزمها على العمل على إلغاء المرسوم 54 القامع للحريات". كما دعت "كل القوى الحية المتشبثة بقيم حقوق الإنسان للتجند والدفاع عن مكاسب الشعب التونسي في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ومواصلة التنسيق لمواجهة موجة القمع والتشاور حول أنجع السبل لإخراج البلاد من النفق المظلم الذي وضعتها فيه سلطة 25 يوليو، مع استعدادها للانفتاح على كل القوى الوطنية التقدمية والمدنية المتمسكة بالحقوق والحريات".

وتصاعدت ضغوط السلطة في تونس على المعارضين في الفترة الأخيرة، لتكشف عن حالة من التوتر الشديد لديها تجلّت بوضوح في ارتفاع منسوب القمع الذي طاول المحامين والصحافيين والمدونين، عدا عن تواتر المحاكمات والتحقيقات التي لا تنتهي، والتي تشمل من هم على تماس مع ممارسة السياسة، أو حتى مواطنين نقلوا مجرد تدوينات على صفحاتهم عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك).

وتداولت صفحات التواصل الاجتماعي في تونس قائمات بعشرات الملاحقين قضائياً، أغلبهم من الشخصيات السياسية المعارضة والإعلاميين والنشطاء في جمعيات، وشملت أيضا مواطنين غير معروفين. وسيكون هذا الأسبوع حافلاً بالتحقيقات والمحاكمات بدءاً من اليوم الاثنين مع الصحافي خليفة القاسمي من إذاعة موزاييك الخاصة (متهم بالمشاركة في تعمّد إفشاء معلومات عن أجهزة الأمن).

إضافة إلى الصحافي القاسمي، تجرى اليوم أيضًا جلسة استماع إلى المحامية سنية دهماني في عدد من القضايا (قبضت الشرطة عليها في دار المحامي الأسبوع الماضي)، وسيمثل أيضاً، الأربعاء، أمام المحكمة الابتدائية، الصحافيان مراد الزغيدي وبرهان بسيس، كما سيُستمع في نفس اليوم إلى الناشطة في جمعية منامتي سعدية مصباح، وسيكون الخميس موعداً للتحقيق مع المدون الموقوف حسام الحجلاوي وعدد آخر من المبرمَجين خلال بقية الأيام.

السلطة في ورطة؟

ويعتبر المحلل السياسي أحمد الغيلوفي أن "توتر السلطة في تونس ناتج عن كونها تعي جيداً أنها في ورطة، لأنها لم تقدم أي إنجاز يجعل قيس سعيّد يطمئن للانتخابات الرئاسية، ومن ناحية أخرى، تتخوف من عدم المشاركة بكثافة في الانتخابات، وهو ما يضرب السلطة في أساس الشرعية التي تدعيها". وأوضح الغيلوفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا سيجعل الأجهزة الأمنية والعسكرية التي ساندت سعيّد تفكر في رفع يدها عنه، كما يجعل القوى الإقليمية والدولية تخشى من مشكل الاستقرار في تونس".

وأضاف المتحدث أن "ضرب السلطة المحامين والإعلاميين يدخل في هذا السياق، إذ إن السلطة لم يعد أمامها إلا ترهيب الناس وقتل أي إمكانية للنقد، حتى تمر بقوة ومن دون أي اعتبار لنزاهة الانتخابات أو نسبة المشاركة". واعتبر الغيلوفي أن تونس "ستكون أمام انتخابات على غاية من الصورية والفجاجة"، مشدداً على أن "ضرب الجميع الآن يدخل في هذه الاستراتيجيّة وحتى لا يتجرأ أحد على رفض النتائج وتحريك الشارع. أما خارجياً فطالما السلطة منخرطة في حراسة أوروبا من المهاجرين وطالما هي ضامنة عدم تغلغل الروس والصينيين في تونس، فهي مقبولة من الأوروبيين والأميركان من دون أي اعتبار للديمقراطية"، بحسب تعبيره.

من جهته، أكد القيادي في حزب ائتلاف الكرامة زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "دخول سلطة الانقلاب في حالة من الجنون له ما يفسره، في ظل الانهيار الحاد في المؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. الفشل أصبح هو العنوان الرئيس لفترة حكم قيس سعيّد، والضغط الخارجي هو الذي يفرض عليه الانتخابات الرئاسية القادمة في وقتها بينما هو يسعى بكل الطرق لتأجيلها مهما كلف الأمر، حتى إشعال البلاد وتفعيل فصل الخطر الداهم وتأجيل الانتخابات الرئاسية".

وتابع: "لم يعد لقيس سعيّد أي حل سوى الذهاب بالبلاد إلى المجهول، بفتح الجبهات على الجميع، وحتى الداعمين له، فسعيّد يعلم جيداً أن لا فرصة له في الفوز بالانتخابات الرئاسية نتيجة حالة الفشل في جميع المجالات". وشدد الهاشمي على أن "الخوف اليوم على تونس أصبح هاجس كل وطني غيور على بلاده من الحالة التي بلغتها، فلم يعد لسلطة الانقلاب إلا إثارة الفوضى حتى تتعلل بها لتفعيل الخطر الداهم".

من جهته، قال وزير التعليم الأسبق محمد الحامدي (ملاحق بدوره في قضية التآمر وهو في حالة سراح) إن "توتر السلطة هيكلي، إذ إنها بحكم خطابها الشعبوي الانقلابي الفاقد للمقاربة المعقولة والناجعة لمشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية وأزمة الشرعية التي تعانيها، ليس لها إلا أن تكون متوترة تجاه كل الخطابات المعارضة والناقدة وكل الهيئات المستقلة عنها؛ بل إن تقسيم التونسيين والخطاب التحريضي والتوتير المستمر أصبحت آلية الحكم الرئيسية لسلطة ليس لها إلا خطاب المؤامرات والتخوين والأجهزة الصلبة، الأمن والجيش والقضاء المدجن والإدارة، للحفاظ على بقائها في مواجهة احتجاجات سياسية ومدنية تتنامى ووضع اقتصادي يتأزم".

وقال الحامدي لـ"العربي الجديد" إن التوتر والتخبط يتفاقمان مع قرب استحقاق الانتخابات الرئاسية، ومعاناة قيس سعيّد من مخاوف حقيقية من إمكانية إخراجه من القصر الرئاسي بالانتخابات، وهو ما يجعله بحسب الحامدي يلاحق كل المترشحين المحتملين لمنافسته من خلال "افتعال ملفات قضائية وبث خطابات تخوينهم"، مشيرًا إلى أن توالي الاستهدافات المباشرة للنشطاء السياسيين والحقوقيين والإعلاميين يأتي ضمن سياسة مكشوفة لمصادرة الفضاء العمومي وإخراس كل الأصوات المعارضة.

وشدد الحامدي على أن "معركة الحركة الديمقراطية التونسية السياسية والحقوقية والمدنية ضد الاستبداد ستتواصل وستتنامى بفعل الخبرة التاريخية لهذه الحركة التي قارعت الاستبداد عقوداً، وبفعل الخبرة التي راكمتها الثورة التونسية وأجيال الشباب التي حررتها الثورة؛ بل إن هذه الحركة المعارضة تتقوى ويتصلب عودها وتشبك قواها بفعل توسع القمع الذي أصبح يطاول ويهدد الجميع من دون استثناء". واختتم قائلاً: "سيُقفل قوس الاستبداد عاجلاً أم آجلاً، وكل ما نرجوه هو أن يتم ذلك بصورة سلمية وبأقل تكلفة ممكنة للعباد والبلاد ".

المساهمون