قدّمت منظمة "محامون بلا حدود"، أمس الخميس، قراءة قانونية وتوصيات إلى الرئيس التونسي قيس سعيد، بخصوص مشروع الصلح الجزائي المنشود لاسترجاع الأموال المنهوبة وإعادة استثمارها لدفع التنمية الجهوية.
واقترحت المنظمة في رسالة إلى سعيد، أمس الخميس، "ألاّ يربك الصّلح الجزائي مبدأ استقلالية القضاء والمساءلة وذلك من خلال عدم إلغاء المسار القضائي بمجرّد تقديم مطالب صلح وعدم إرباك القضاة المتعهدين بملفات جزائية منشورة، وضمان مبدأ المساءلة عبر مثول طالبي الصلح أمام القضاء (أمام الدوائر الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية في الملفات التي سبق وأن قام المكلف العام لنزاعات الدولة بالحق الشخصي فيها، أو حتى أمام الدوائر الجنائية العادية والدوائر الجنائية المختصة في قضايا الفساد المالي) للكشف عن الانتهاكات في جلسة علنية أمام المحاكم".
كما اقترحت المنظمة "ترك القضاء المتعهّد بملفات الاعتداء على المال العام يواصل أعماله ويصدر فيها أحكاماً خاصة وأنّ الأشخاص المنسوب إليهم الانتهاك يتمتّعون بقرينة البراءة، وإذا ثبتت الإدانة في حقّهم من خلال أحكام حتّى وإن كانت ابتدائية، فبإمكانهم تقديم مطلب كتابي للصلح واتباع المسار الصلحي المقترح في مشروع القانون".
كما شدّدت منظمة "محامون بلا حدود"، على ضرورة ألاّ يغيّب الصّلح الجزائي مبدأ كشف الحقيقة وضمان عدم العود، والكشف للعموم عن تفاصيل عمليّات نهب الأموال العمومية والنصوص القانونية التي تمّ خرقها وبمشاركة مسؤولين نافذين، من خلال تسجيل جلسات علنية تتضمّن اعتذاراً علنياً لطالب الصّلح على أن تتعهّد اللجنة الوطنية للصلح بنشرها للعموم قبل إبرام الصلح النهائي (على غرار الفيديو الخاصّ بشهادة عماد الطرابلسي في إطار أعمال كشف الحقيقة)، وذلك حفاظاً على فلسفة العدالة الانتقالية وضماناً لعدم تكرار التجاوزات.
وأكدت في السياق ذاته إقرار حقّ المناطق-الضحيّة في التمييز الإيجابي طبق الدستور، حيث أكدت أنه ينبغي على اللجنة المحلية للتنسيق واللجنة الوطنية للصلح، في إطار استمرارية الدولة والمؤسسات، ولعدم تكرار الأعمال ذاتها التي سبق أن عاينتها أجهزة الدولة، تنفيذ برنامج جبر ضرر المنطقة الضحية الذي قدّمته هيئة الحقيقة والكرامة والذي يحتوي أساساً على مشاريع تنموية وإجراءات على المدى العاجل، المتوسط والبعيد، والذي ينطوي على البعد المادي والبعد الرمزي، وذلك من شأنه أن يحقق التنمية والعدالة للجهات المهمّشة، مما يمكن أن يتماشى مع فكرة الصلح الجزائي الموظف للتنمية والمقترح في مشروع القانون.
وكان قيس سعيد اقترح، خلال لقائه رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، سمير ماجول، الشهر الماضي، إجراء صلح جزائي لاسترداد الأموال المنهوبة، مدعياً أن لا نية له للتنكيل بأي كان أو للمس برجال الأعمال.
وقال "سيتم إصدار نص حول إبرام صلح جزائي مع المتورطين في نهب المال بعد ترتيب رجال الأعمال ترتيباً تنازلياً من الأكثر تورطاً إلى الأقل تورطاً والأموال التي سيتم استردادها ستخصص للتنمية".
وأضاف "أن النص سينص على أن رجال الأعمال الأكثر تورطاً سيتكفلون بالولايات الأكثر فقراً وأدعوهم أن يجنحوا إلى الصلح والمصالحة الجزائية أفضل من السجون".
وفي 25 يوليو/تموز الماضي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد عمل البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، الأمر الذي وصفه محللون وسياسيون بـ"الانقلاب".
من جهته، قال عضو بمنظمة "محامون بلا حدود"، خيام الشملي، لـ"العربي الجديد"، إنهم "قدموا الرسالة إلى الرئاسة التونسية، وهي تضم جملة من التوصيات بخصوص جملة من القضايا على علاقة بالعدالة الانتقالية بعد وجود مسودة حول مبادرة الصلح الجزائي قدمتها رئاسة الجمهورية، وذلك بهدف دفع التنمية والتي سبق وتحدث عنها سعيد".
وأوضح أن "اهتمامهم بالمسائل القانونية كمنظمة يدفعهم، وفي ظل غياب المؤسسات الرقابية وتجميد البرلمان، إلى تقديم مقترحات في شكل رسالة والتأكيد على بعض النقاط لإنجاح مبادرة الصلح الجزائي".
وأشار إلى أن "هناك شروطاً يجب احترامها، فهدف المصالحة المطروحة من قبل رئاسة الجمهورية دفع التنمية في الجهات وهذه المصالحة تخص الملفات التي تكون فيها الدولة ضحية، فالدولة أرادت مصالحة نفسها وهذا ممكن، ولكن توصياتهم هي احترام المعايير الدولية، خاصة أن تونس وقّعت على معاهدات دولية في الغرض ولابد من احترام مبدأ المساءلة وكشف الحقيقة والمحاسبة وهذا ليس هيناً".
وأوضح الشملي أن" اللجنة الرئاسية التي ستدرس الملفات هي التي ستطلب الصلح وهنا لابد أن تتمتع أعمالها بالشفافية، ومن حق المواطن معرفة ما حصل من تجاوزات".
وأضاف أنه "فيما يتعلق برجال الأعمال المعنيين بالمصالحة مع الدولة فيجب تفسير ما حصل وتقديم اعتذار من قبلهم"، مشيراً إلى أن "هناك ملفات معروضة على القضاء بعضها صدرت فيه أحكام باتة، وهناك ملفات أخرى لا تزال معروضة في الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية وهنا لا يجب إرباك القضاء ويجب إتمام الجلسات العلنية، ومن تثبت إدانته يقدم ملفاً لطلب الصلح".
ولفت إلى أن "لجنة التنمية الجهوية ستزور المناطق، وفي الحقيقة هذه الخطوة سبق أن تمت صلب هيئة الحقيقة والكرامة، وشاركت فيها جمعيات ومنظمات، وبالتالي لا يجب القطع مع الأعمال السابقة كلياً ولابد من استمرارية الدولة، فجبر الضرر للمناطق الضحية يكون بمشاريع يقدمها رجال الأعمال".
ودعا المتحدث إلى "إقرار حقّ المناطق الضحيّة في التمييز الإيجابي طبق الدستور"، معتبراً أنه "ينبغي التنسيق بين اللجان في إطار استمرارية الدولة والمؤسسات، وعدم تكرار الأعمال ذاتها التي سبق أن عاينتها أجهزة الدولة، وتنفيذ برنامج جبر ضرر المنطقة الضحية الذي قدّمته هيئة الحقيقة والكرامة والذي يحتوي أساساً على مشاريع تنموية وإجراءات على المدى العاجل، المتوسط والبعيد، والذي ينطوي على البعد المادي والبعد الرمزي".
وأكد "ذلك من شأنه أن يحقق التنمية والعدالة للجهات المهمّشة، مما يمكن أن يتماشى مع فكرة الصلح الجزائي الموظف للتنمية والمقترح في مشروع القانون".