توحيد تعيين القضاة في مصر: توسيع إضافي لسلطة الاستخبارات

13 يونيو 2021
يغيب إحساس المواطنين بإمكانية تحقيق العدالة في مصر (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور 10 أيام على صدور القرارات الجديدة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن إدارة شؤون الهيئات القضائية في مصر، لا يزال القضاة المصريون يُحصون ما لها من آثار على تغيير شكل منظومة العدالة في البلاد، خصوصاً الجوانب المنظّمة لتعييناتهم. ويحصي القضاة ما يستتبع هذه القرارات من إعادة تشكيل شخصية القاضي أو عضو الهيئة القضائية على المدى البعيد، ونقل مركز القوة في قرارات تعيينات القضاة الجدد إلى خارج الهيئات ذاتها، وتقليص دور المجالس العليا لتلك الهيئات وسلطتها في تحديد معايير الاختبار والاختيار من بين الخرّيجين المتقدمين لشغل الوظائف القضائية.

حظر السيسي قبول الخريج الواحد في أكثر من هيئة قضائية، ما يعزز السيطرة على تعيينات القضاء

فبعيداً عن قضية تعيين الإناث، التي لا تزال تثير جدلاً داخل الأوساط القضائية، ولم تعلن النيابة العامة تصرفها المرتقب فيها حتى الآن، وكيف سيبدأ عمل الإناث فيها ابتداء من الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، جاء قرار السيسي بحظر قبول الخريج الواحد في أكثر من هيئة، ليمثل الخطوة الثانية على طريق السيطرة الكاملة على جميع تعيينات القضاء. وكانت الخطوة الأولى تمثلت في إخضاع جميع الهيئات لقرار السيسي بإلحاق المرّشحين الناجحين في المقابلات الشخصية تمهيداً للالتحاق بالهيئات، للدراسة في الأكاديمية الوطنية للتدريب، التابعة عملياً للاستخبارات العامة المصرية، بل واستخدام الأكاديمية كأداة ترشيح أخيرة ونهائية لاختيار القضاة، شأنهم في ذلك شأن المتقدمين للعمل الدبلوماسي والوظائف الحكومية الأخرى.

وبموجب تطبيق القرار الجديد، الذي نصّ على "عدم تكرار أسماء المقبولين للتعيين اعتباراً من دفعة عام 2018 بالنسبة إلى مجلس الدولة والنيابة العامة، ودفعة 2013 بالنسبة للنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة"، على القرار السابق بالتدريب في الأكاديمية، فالأقرب للتنفيذ الواقعي أن يتم ترشيح أسماء المقبولين في جميع الجهات ابتداء من أقرب دورة لاختيار الأعضاء الجدد، بواسطة الأكاديمية الوطنية للتدريب ذاتها، والتي ستكون المنوطة بجمع أسماء المرشحين للعمل القضائي، بغية إخضاعهم للدورات التدريبية.

ويدعم هذا الاتجاه أن الأكاديمية تملك سلطة استبعاد بعض الخريجين الذين اجتازوا بالفعل الاختبارات والمقابلات الخاصة بالجهة القضائية ذاتها، حيث يتم إبلاغ أسماء المقبولين الذين اجتازوا الاختبارات والمقابلات الشخصية، ثم يتم ترشيحهم من قبل الجهات الأمنية والسيادية والرقابية، ثم يتم إلحاق المرشحين المجازين أمنياً بالأكاديمية، وفي النهاية لا يتم تعيين إلا من اجتازوا هذه الدورة بنجاح. وكان النظام المعمول به سابقاً يتيح صدور قرار قبول الخريج في أكثر من هيئة قضائية، على أن يتم تعيينه بموجب أول قرار جمهوري يصدر بذلك، ويُسمح له بالتحويل إلى هيئة أخرى بحسب رغبته، طالما تمّ قبوله. أما الآن، فلن يُقبل تدريب مقبول واحد في الأكاديمية تبعاً لأكثر من هيئة قضائية، وبالتالي لن يتكرر اسم مقبول واحد في أكثر من قرار جمهوري بالتعيين.

ومقابل هذا التقليص الواضح لسلطة كل الهيئات في اختيار أعضائها الجدد، تتوسع الأكاديمية في إجراءاتها تدريجياً. وفي هذا الإطار، باتت مدة الدورة الواحدة أربعة أشهر ونصف الشهر، تجرى بعدها الاختبارات النهائية في أربعة أيام، على أن تكون مدة الدراسة يومياً ثماني ساعات. وتدرّس المواد في صورة "حصص تدريبية متلاحقة" في مجالات الإدارة والأمن القومي وحروب الجيلين الرابع والخامس ومواجهة الشائعات والتطرف وتنظيم الدولة (داعش) والنظم السياسية، وتم تخصيص مجموعة محاضرات استثنائية في المجال القانوني للمرشحين للهيئات القضائية.

وشهدت الدفعات المعينة أخيراً في النيابة العامة وهيئة قضايا الدولة ومجلس الدولة استبعاد عدد من المقبولين بسبب آرائهم وتوجهاتهم الشخصية التي ظهرت في أدائهم خلال الدورة، وهو ما يؤكد أنها ليست مجرد محاضرات علمية، بل وسيلة للتصفية عن قرب بإخضاع المرشح لظروف دراسية ونقاشية مختلفة. وبحسب مصادر خضعت لبعض المحاضرات القانونية بالأكاديمية، فهي تركز على الاهتمام بحجم الإنجاز وعدد القضايا والاعتبارات ذات المعايير الكمية في نفوس القضاة الشباب، ما يكون له آثار بالغة السلبية على مستقبل جميع الهيئات القضائية وطريقة إدارة مرفق العدالة.

مؤشرات سلبية في نوعية الإنجاز نتيجة تسابق القضاة على إنجاز أكبر قدر من القضايا

فعلى الرغم من الاعتراف العام في جميع الهيئات أن بطء التقاضي هو من العناصر الأساسية لغياب إحساس المواطنين بإمكانية تحقيق العدالة في مصر، إلا أن الحلول التي سبق تقديمها في مختلف النقاشات والمؤتمرات منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الاجتماعات السابقة على تعديل الدستور العام الماضي، كانت تتعلق بزيادة أعداد القضاة والموظفين، وتوجيه المزيد من المخصصات لتطوير آليات إقامة الدعاوى ومتابعتها وتسهيل عرضها على لجان الخبرة والفحص التي تتعطل فيها معظم منازعات الأشخاص، حيث لا يكون حلّ الأزمة بالضرورة بسرعة إغلاق القضايا وإصدار الأحكام، من دون الاهتمام في المقام الأول بتحقيق العدالة في كل منازعة معروضة على القاضي.

وكشفت المصادر عن ظهور مؤشرات سلبية في نوعية الإنجاز في العديد من المحاكم، نتيجة تسابق القضاة، وخصوصاً الشباب منهم، على إنجاز أكبر قدر من القضايا. ومثال ذلك، ارتفاع نسبة الأحكام الصادرة بعدم القبول والشطب إلى ما يتعدى 70 في المائة في بعض الهيئات، وارتفاع نسبة الأحكام الصادرة برفض دعاوى المواطنين إلى مستويات غير مسبوقة في مجلس الدولة تحديداً، فضلاً عن زيادة نسبة الأحكام الصادرة بنماذج موحدة للحيثيات في قضايا الموظفين والأحوال الشخصية والنزاعات المدنية الأخرى، مع ظهور أخطاء فنية عديدة فيها، نتيجة غياب التدقيق وضعف مستوى الفحص بعد كتابتها.
ورسّخ النظام هذا الاتجاه بتكريم السيسي لأكثر القضاة الشباب إنجازاً، وليس الأكثر تميزاً، في أكتوبر الماضي مع بداية السنة القضائية الحالية، بحضور وزير العدل عمر مروان.

وسبق لمجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة أن طلبا رسمياً إعفاء المرشحين للتعيين من دورات الأكاديمية الوطنية مقابل إضافة بعض المواد والمناهج الخاصة بحروب الجيل الخامس والعلاقات الدبلوماسية واستراتيجية السياسة المصرية، وغيرها من المواضيع التي تركز عليها الدراسة في الأكاديمية، إلى ما يدرسه القضاة الشباب فور التحاقهم بالعمل القضائي في معهد الدراسات القضائية التابع لوزارة العدل، خصوصاً أن هناك سوابق، بعد العام 2013، بتدريس مواد ذات طبيعة أمنية واستراتيجية في هذا المعهد. لكن السيسي رفض هذا المقترح تماماً، وخضعت له جميع الهيئات بحلول فبراير/شباط 2020.

يُذكر أن السيسي عدّل أخيراً تشكيل مجلس أمناء الأكاديمية الوطنية للتدريب، بصورة تؤكد سلطة الاستخبارات العامة عليها، حيث استبقى اللواء عباس كامل مدير الجهاز، عضواً في مجلس أمنائها، بشخصه، بعدما كان يشغل هذا المنصب منذ إنشائها كممثل لرئاسة الجمهورية عندما كان مديراً لمكتب السيسي. كما يضم مجلس الأمناء عدداً من الشخصيات العامة والأكاديميين.