توجهات حماس بعد حرب الإبادة

30 ديسمبر 2024
عناصر من كتائب عز الدين القسام في تشييع شهداء في طولكرم 3/ 7 /2024 (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأثير "طوفان الأقصى" على حماس: أثرت العملية وحرب الإبادة الجماعية على الأوضاع الداخلية والخارجية لحركة حماس، مما قد يؤدي إلى تغييرات في توجهاتها واستراتيجياتها في ظل التحديات الإقليمية والدولية.

- تحولات فكرية واستراتيجية: منذ تأسيسها، شهدت حماس تحولات فكرية واستراتيجية، خاصة بعد ميثاق 2017، حيث تخلت عن ارتباطها بالإخوان المسلمين وبدأت في قبول حلول مرحلية مثل إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.

- تحديات وافتراضات خاطئة: واجهت حماس تحديات كبيرة في "طوفان الأقصى" بسبب افتراضات غير دقيقة، مما قد يدفعها لإعادة تقييم استراتيجياتها المستقبلية والبحث عن حلول سياسية بديلة.

لعملية "طوفان الأقصى" وحرب الإبادة الجماعية التي أعقبتها، تداعياتٌ كبرى، وهزاتٌ ارتداديةٌ لا زالت مفاعيلها قائمةً، والتي قد تكون مجرد بداياتٍ، سواء على المستوى الداخلي الصهيوني، أو على مستوى الحالة الإقليمية الجيوسياسية، أو على مستوى القضية الفلسطينية بأبعادها المختلفة، فمن المؤكد أنّ التداعيات ستمس أيضًا فصائل المقاومة الفلسطينية مسًا مباشرًا، وفي مقدمتهم حركة حماس، التي شكلت رأس الحربة في "طوفان الأقصى"، والقوة المركزية في جسم المقاومة، الذي أدار المعركة وواجه العدوان طيلة الفترة الماضية. ربّما من المبكر رصد تحولاتٍ فكريةٍ أو سياسيةٍ واضحةٍ في توجهات حركة حماس، على الأقلّ في المرحلة الراهنة، لكن ستترك ضخامة الأحداث، وعوامل التأثير فعلها على حركة حماس، وعلى الحركة الوطنية عامةً، وعلى القضية الفلسطينية طبعًا.

تاريخيًا؛ عرفت حركة حماس نفسها عشية انطلاقتها  عام 1987 ، بأنّها حركةٌ إسلامية التوجه والمنهج والغايات، هدفها تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ولا يتم ذلك إلّا بالمقاومة المسلحة استراتيجيةً وحيدةً لتفكيك المشروع الصهيوني، وإقامة "الدولة الإسلامية" على أنقاضه، كما اعتبرت الحاضنة العربية والإسلامية الوعاء الحقيقي لنصرة المقاومة الفلسطينية، والمساندة للشعب الفلسطيني حتّى تحقيق طموحاته بالحرية والاستقلال، كما فسرت الصراع مع الكيان الصهيوني على أنّه صراعٌ بين "الحق والباطل"، في إطار صراعٍ أعم وأشمل بصيغته الحضارية، على أساس أنّ المشروع الصهيوني بتوجهاته وأهدافه يمثّل رأس حربةٍ للمشروع الغربي بقيادة الولايات المتّحدة.

ثمّ استدركت حركة حماس بعضًا من توجهاتها واستراتيجياتها بعد نقاشاتٍ معمقةٍ وطويلةٍ، أفضت إلى إصدار ميثاق الحركة المعدل، الذي حظي بإجماعٍ في مؤسساتها، مجلس الشورى والمكتب السياسي، عام 2017، وقد عكست مبادئ الميثاق الجديد تحولاً بارزًا في رؤية الحركة، وفي توصيفها لطبيعة الصراع، وفي أدواتها الاستراتيجية والتكتيكية لتحقيق أهدافها الكبرى، فقد تراجعت الحركة عن قولبة الصراع في إطاره الحضاري، واعتباره صراعًا بين الحق والباطل، كما تخلت عن ارتباطها العضوي بجماعة الإخوان المسلمين،  التي لطالما أكدت الحركة في بداية تأسيسها في قطاع غزّة، قبل الانتفاضة الأولى المجيدة عام 1987، أنّها "ذراعٌ عسكريٌ لجماعة الإخوان المسلمين"، وممثّلة الفرع الفلسطيني للجماعة الأم. إذ تراجعت الحركة عن كونها ذراعًا لجماعة الإخوان العالمية، لصالح الطبيعة والأجندة الوطنية، وتخلت عن توصيف الصراع بأبعاده الحضارية، والهدف الأشمل بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، كما أكدت خيار الحلّ المرحلي، بقبول دولةٍ فلسطينيةٍ على الأراضي المحتلة عام 1967، ضمن اشتراطاتٍ معينةٍ، كما أضافت استراتيجياتٍ وتكتيكاتٍ جديدةً لأدواتها في إنجاز مشروع التحرير، معتبرةً المقاومة المسلحة أداةً ضمن أدواتٍ أخرى.

تفاجأت حماس بمشاركة الولايات المتّحدة المباشرة وغير المباشرة في العدوان، ومعها دول أوروبية وازنة مثل المملكة المتّحدة وألمانيا

ربما بادرت حركة حماس لتطوير رؤيتها وأهدافها، التي تجسدت في ميثاقها الأخير عام 2017، بعد مشاركتها في الانتخابات التشريعية عام 2006، وفوزها الكبير بها، ومن ثمّ تشكيلها حكومة وفاقٍ وطنيٍ بدايةً، تلاها تشكيل إداراتٍ ببعدها الخدمي والأمني في قطاع غزّة وحده، وهندسة الواقع السياسي والأمني في القطاع بما ينسجم مع مخرجات العملية الانتخابية وتفردها بإدارة غزّة، ما حول حركة حماس في غزّة من حركةٍ مقاومةٍ مسلحةٍ إلى حركةٍ سلطويةٍ مسؤولة عن إدارة الحياة اليومية لأكثر من اثني مليون مواطن، بالإضافة إلى محافظتها على مكونها المقاوم بصيغته العسكرية، إذ واجهت الحركة، لأول مرّةٍ في تاريخها، العالم مباشرةً، بتعقيداته السياسية، ومصالحه المتضاربة، ومراوغة مكوناته ووحداته السياسية المتناقضة، من دولٍ إقليميةٍ ودوليةٍ معاديةٍ أو محايدةٍ أو متعاطفةٍ، وحركاتٍ ما دون الدولة، ومؤسساتٍ دوليةٍ ومنظمات المجتمع المدني، إذ لمست الحركة عن قربٍ مدى حجم مسؤوليات الحكم وإدارة الحياة اليومية لسكان القطاع وصعوباته وتعقيداته.

رغم ذلك كلّه أصرت الحركة على الجمع بين الحفاظ على طابعها المقاوم، ومتطلبات الحكم في ظلّ بيئةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ رسميةٍ معاديةٍ لمشروع المقاومة، كما تملك أدواتها لإضعاف أو تحطيم أيّ طرفٍ لا يسلك المسارات التي تحددها لها القوى الدولية الفاعلة، خصوصًا الولايات المتّحدة، وبالتحديد موقف أو طبيعة علاقة هذه الأطراف مع دولة الكيان.

راهنًا؛ مثّل "طوفان الأقصى" الحدث الأكبر في تاريخ حركة حماس، والمتغير الأضخم على صعيد القضية الفلسطينية، وعلى واقع ومستقبل غزة السياسي والأمني، وحتّى على دولة الكيان والمحيط الإقليمي، على الأقلّ في المدى المنظور، لذا وبكل تأكيدٍ ستنعكس تداعياته على حماس وعلى رؤاها وأهدافها الاستراتيجية. إذ إنّ مبادرة الجناح العسكري لحركة حماس بإطلاق "طوفان الأقصى" بناءً على افتراضاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ تبين خطأها وعدم دقتها لاحقًا، ما أفضى إلى ما نراه حاليًا مما أصاب قطاع غزّة، وحركة حماس ببنيتها العسكرية والتنظيمية، وسيطرتها على قطاع غزّة، من هذه الافتراضات:

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

أولاً: مبدأ وحدة الساحات، وتماسك الجبهات، اعتقدت حركة حماس أنّ حزب الله سينخرط مباشرةً في الحرب بمجرد انطلاق "طوفان الأقصى"، كما اعتبرت أنّ إيران لن تسمح بسقوط المقاومة في غزّة. عمليًا؛ اكتفى حزب الله بالمشاغلة على أساس أن جبهة لبنان لا تتجاوز مبدأ الإسناد، حتّى عندما بادرت دولة الكيان إلى الحرب على حزب الله من دون إعلانٍ، واغتالت قيادة الحزب، وفعلت ما فعلت بالضاحية الجنوبية لبيروت وبالجنوب اللبناني وبالبقاع.

ثانياً: افتراض انضمام الضفّة الغربية، وفلسطيني المناطق المحتلة عام 1948 تلقائيًا لطوفان الأقصى، أو على الأقلّ إسناد المقاومة بأدواتها القادرة عليها، في حين أن ما حصل مع فلسطيني عام 1948 كان عكس ذلك تمامًا، لأسبابٍ ربّما تكون مفهومةً، كما اقتصرت المقاومة في الضفّة على عملياتٍ محدودةٍ، وتركزت في أجزاءٍ من شمال الضفّة الغربية فقط، مع تنفيذ عددٍ من عمليات المقاومة المتباعدة زمانيًا في العمق الصهيوني.

ثالثاً: استنفار النظام الر سمي العربي للدفاع عن غزّة في المؤسسات الدولية، وتحركٌ هادرٌ من الشعوب العربية لنصرة المقاومة، وهو ما لم يحدث على الإطلاق، فقد توزع سلوك النظام الرسمي العربي بين الخذلان أو التجاهل أو التواطؤ، والمشاركة غير المباشرة في العدوان.

استدركت حركة حماس بعضًا من توجهاتها واستراتيجياتها بعد نقاشاتٍ معمقةٍ وطويلةٍ، أفضت إلى إصدار ميثاق الحركة المعدل، الذي حظي بإجماعٍ في مؤسساتها

رابعًا: وقوف المؤسسات الدولية لصالح الحقّ الفلسطيني، ومنع جرائم الاحتلال، واكتفاء الولايات المتّحدة بإسناد دولة الكيان سياسيًا وعسكريًا تحت سقفٍ محددٍ، فعليًا تفاجأت حماس بمشاركة الولايات المتّحدة المباشرة وغير المباشرة في العدوان، ومعها دول أوروبية وازنة مثل المملكة المتّحدة وألمانيا، كذلك عجزت المؤسسات الدولية عن وقف الإبادة الجماعية، رغم فظاعتها وتوفر كمٍ هائلٍ من الدلائل والبراهين التي تدين قيادة الكيان وجيشه الفاشي.

نتيجة ذلك كلّه سيترك "طوفان الأقصى"، وما أعقبها من تداعياتٍ على الصعيد الداخلي الفلسطيني، والمستويات الإقليمية والدولية، أثرًا عميقًا على توجهات حركة حماس وأدواتها في إدارة الصراع، ورؤيتها للمنظومة الإقليمية والدولية، والمؤسسات الدولية المنوط بها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ونصرة المظلومين وفق القانون الدولي والإنساني، وفي مقدمة هذه  التوجهات التعويل على "العمق العربي والإسلامي"، والنظام الرسمي العربي، واعتبار الكفاح المسلح الخيار الوحيد لإنجاز مشروع التحرير وتفكيك المشروع الصهيوني، والموقف من الحلّ المرحلي بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، واعتبار المقاومة في الضفّة الغربية، وقطاع غزّة رأس الحربة في مواجهة الكيان، وطليعته في إنجاز التحرير.

وعليه من المرجح أن يطرأ تحولٌ في رؤية الحركة لمشروع التحرير، وطبيعة الدولة المنشودة، والمقاومة المسلحة خيارًا استراتيجيًا، والتعويل على العمق العربي والإسلامي، لصالح التوجه أكثر نحو أدوات الشرعية الدولية، والمقاومة بأنماطها السياسية والإعلامية والجماهيرية، وقد توقف الحركة المقاومة المسلحة بالكامل ضمن "هدنةٍ طويلة الأمد"، أو وقف إطلاق النار لعقدين أو ثلاثة، وتطرح مشاريع بديلةً عن التحرير الشامل، بالتوجه إلى الحلّ المرحلي، وإقامة الدولة على حدود العام 1967، أو تعزيز الكيانية الفلسطينية في أي حيز جغرافي يتركه الاحتلال طوعًا أو كرهًا، وربّما طرح حلولٍ أخرى من قبيل دولةٍ واحدةٍ لشعبين، أو دولةٍ ثنائية القومية.

المساهمون